سجنت ناديا سليمان في سلسلة من السجون غير الرسمية في شمال غربي سوريا، مع غياب الإجراءات القانونية وعدم توجيه أية اتهامات ضدها. وتتذكر ناديا جيدا يوم اعتقالها في شهر حزيران/يونيو 2018 في مدينة عفرين شمال غربي سوريا. وكان زوجها أحمد رشيد قد اختفى قبل ذلك بشهرين، حيث كانت قد تلقت رسالة صوتية منه. وقال لها الرجال الذين سحبوها إلى سيارة توقفت خلفها أنهم مكلفون بإحضارها لزيارة زوجها. وبدلا من ذلك، تم أخذ ناديا إلى السجن، ليبدأ كابوس دام مدة عامين.

لقد تم احتجازها لمدة أربعة أشهر في منشأة تعتقد أنها تخضع لسيطرة المخابرات التركية، وتم استجوابها من قبل ضباط يتحدثون التركية. وبعد ذلك، تم نقلها إلى سجن تابع لفرقة “الحمزات” المدعومة من تركيا، مع مجموعة مكونة من 11 امرأة أخرى محتجزات مثلها بدون أي تهمة. واتهمت ناديا خلال جلسات الاستجواب المتكررة التي خضعت لها بارتباطها بحكومة دمشق و”حزب العمال الكردستاني”.

ووفق التقرير الذي نشرته صحيفة “جيروزاليم بوست” وترجمه موقع “الحل نت” فإن ناديا قد تعرضت للتعذيب بشكل متكرر، وكذلك للاغتصاب في مناسبات عدة طوال فترة اعتقالها. ووصفت ذلك في رسالتها المسجلة قائلة “تعرضت جميع المعتقلات لأشكال مختلفة من التعذيب والاغتصاب. كان التعذيب بشكل يومي، فردي أو جماعي، وتعرضنا للاغتصاب بشكل متكرر. أعطونا حبوبا مخدرة، وأحيانا كانوا يسكبون الماء البارد علينا في برد الشتاء القارص. حتى الأطفال الصغار لم ينجوا من التعذيب”.

وقد نجحت ناديا في الفرار من المنطقة الخاضعة لسيطرة تركيا بمساعدة المهربين، بعد إطلاق سراحها بعد عامين من الاعتقال. هي لم تسمع أي شيء عن زوجها منذ اعتقاله هو الآخر، وتعتقد اليوم بأنه ميت لا محالة.

قصة ناديا حسن سليمان ليست إلا واحدة من العديد من القصص الأخرى. فهناك أدلة على ارتكاب الفصائل المدعومة من تركيا في شمال غربي سوريا انتهاكات ممنهجة وخطيرة لحقوق الإنسان. هذا وتكشف شهادات الناجين عن شكل من أشكال السجون غير القانونية مع غياب الإجراءات القضائية أو حتى الرقابة، ووجود انتهاكات تعسفية جسيمة بحق المعتقلين، بما في ذلك الاعتداء الجنسي والاغتصاب والتعذيب وحالات قتل.

يحتوي الملف الذي حصلت عليه صحيفة “جيروزاليم بوست”، والموجود الآن أيضا بمتناول وزارة الخارجية الأميركية، على شهادات واسعة وأدلة مفصلة. فقد تم جمع هذا الملف من قبل ناشطين سوريين غير منتسبين إلى أية هيئة سياسية. حيث وجد الخبراء السوريون المستقلون الذين فحصوا هذه الأدلة أنها ذات مصداقية.

وبحسب هيئتين لحقوق الإنسان، “مركز توثيق الانتهاكات” و”مشروع زيتونة”، فقد تم احتجاز 8590 شخص ضمن هذا النظام من السجون السرية الخارجة عن التغطية منذ العام 2018. وقد اختفى منهم 1500 بشكل كلي دون أن يتركوا أي سجل أو أثر لهم.

ولفهم ما يجري اليوم، من الضروري العودة إلى الوراء قليلا. ففي كانون الثاني/يناير 2018، دمرت القوات التركية والفصائل السورية التابعة لها كانتون عفرين الخاضع للسيطرة الكردية في شمال غربي سوريا، في عملية أطلق عليها اسم “غصن الزيتون”. وبعد سيطرة تركيا وفصائل المعارضة السورية المدعومة من قبلها على المنطقة، فر حوالي 300 ألف ساكن، معظمهم من الأكراد والإيزيديين، إلى أجزاء أخرى من سوريا.

ومنذ ذلك الحين، أصبحت “الحكومة السورية المؤقتة”، التي تتخذ من تركيا مقرا لها وتدعمها أنقرة، السلطة الحاكمة في هذه المنطقة. أما السيطرة اليومية والميدانية فهي بيد الفصائل العسكرية التي تشكل ما يسمى بـ “الجيش الوطني السوري”. أما القوة الحقيقية التي تدعم وتدرب هذه الفصائل وتحافظ على السيطرة النهائية في المنطقة هي تركيا. وما نظام السجون غير الرسمية، الذي سجنت فيه نادية سليمان وأمثالها، إلا نتاج لهذا الترتيب، وفق تقرير الصحيفة.

أسماء أماكن الاعتقال، التي تشكل هذه الشبكة من مراكز الاحتجاز غير المصرح بها، وأماكنها معروفة ويمكن التحقق منها. وتمتد الشبكة من إدلب وعفرين غربا مرورا بإعزاز ومارع والراعي، وصولا إلى جرابلس والباب شرق حلب.

وتشمل المراكز، سجن مكتب الأمن التابع لـ”فرقة الحمزة” التابعة لـ”الجيش الوطني” في منطقة عفرين. وسجن المزرعة بمديرية معراتة في عفرين بيد “لواء الغاب” التابع أيضا لـ “فرقة الحمزة”. ومعسكر سجن كفر جنة الخاضع لسيطرة “الجبهة الشامية”. وسجن المكتب الأمني لـ”الجبهة الشامية” بمنطقة سوق الهال بعفرين. وسجن المسرة في منطقة الراعي، الخاضع لسيطرة “فرقة السلطان” مراد التركمانية والتي لم يطلق سراح أي معتقل منها. وسجن المكتب الأمني لـ”فرقة المعتصم” بمنطقة مارع.

في هذه الأماكن المظلمة، يحتجز المواطنون السوريون، أمثال نادية، لفترات طويلة دون أي رقابة قانونية. والأوضاع، كما وصفها محتجزون سابقون لـ”جيروزاليم بوست”، بدائية إلى أقصى الحدود، حيث يحتجز السجناء في زنازين قذرة لا يصلها الضوء الطبيعي. ويتعرض الجميع للتعذيب بالصدمات الكهربائية والتجويع والضرب بشكل منهجي. كما يعتبر الاعتداء الجنسي على المحتجزين من الذكور والإناث أمرا روتينيا. وقد اطلعت الصحيفة المذكورة على أدلة مصورة لهذه الظروف التي تعرض المحتجزين لخطر كبير.

إذن من المسؤول عن نظام هذه السجون السرية؟ وما هو الهيكل العام للقيادة؟

بحسب شهادة “يوسف”، المنشق مؤخرا عن الفصائل العسكرية المعارضة التابعة لأنقرة، فإن هيئة التنسيق المركزية لمختلف الهياكل الأمنية التي تحافظ على هذه المنشآت موجودة بالفعل. وتعرف باسم “المخابرات السرية”. هذا الهيكل مسؤول عن التنسيق الشامل والإشراف والإدارة لشبكة السجون السرية الموصوفة أعلاه. وهي السلطة العليا لمختلف فرق الأمن والاستخبارات التي تحتفظ بها الفصائل المختلفة في المنطقة.

الشخص الذي يقف على قمة هذا الهيكل، “الأستاذ” في لقب التنظيم، هو كمال غزوان كمال، المعروف أيضا باسم أبو الحسن، وهو عراقي المولد وزوجته تركية. وكان قد تم اعتقال كمال، المسؤول الأمني السابق في تنظيم “داعش” في الموصل، من قبل السلطات التركية عام 2017. ثم ساعد كمال في اعتقال أعضاء تنظيم “داعش”، وأقام علاقات مع شخصيات بارزة في المعارضة السورية المرتبطة بتركيا. ونتيجة لهذا التعاون، برز كشخصية موثوق بها تتمتع بمهارات ذات صلة على ما يبدو.

ولا يوجد حاليا تحقيق رسمي في أي من هذه الادعاءات. فالفصائل المعارضة المدعومة من قبل أنقرة على الأرض في هذه المنطقة تجعل من المستحيل إجراء التحقيق الصحفي العادي أو أي تحقيق آخر. لكن شمال غربي سوريا ليس أرضا مهجورة، فهو تحت السيطرة الفعلية لتركيا. وهناك مجموعة قوية من الأدلة التي تشير إلى أن الجرائم الفظيعة، مثل تلك التي ارتكبت بحق نادية حسن سليمان، ترتكب على بشكل منهجي ومستمر في هذه المناطق الخاضع للسيطرة التركية. ويجب ممارسة الضغط، وبأسرع وقت، على أنقرة لتمكين التحقيق في هذه الادعاءات المتعددة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.