الحديث عن تمرد العشائر في العراق يتصاعد مؤخرا، ففي جنوب ووسط العراق تتجدد بشكل يومي النزعات العشائرية المسلحة، نتيجة الخلافات المتعددة بين العشائر، التي تمتلك مختلف أنواع الأسلحة المتوسطة والثقيلة.

ويؤكد كثير من المراقبين أن إيران، والميليشيات الموالية لها في العراق، تشجع العشائر على التمرد، لفرض سيطرتها، وتوسيع نفوذها في مناطق العراق المختلفة.

ولا يقتصر الدعم الإيراني على العشائر الشيعية فقط، فقد حظي مجموعة من شيوخ العشائر في المناطق السنية بالدعم أيضا، بهدف كسب ولائهم لطهران، وتوسيع نفوذ الميليشيات.

ومؤخرا عاد علي حاتم سليمان، الشهير باسم “أمير عشائر الدليم”، إلى محافظة الأنبار، بالرغم من وجود عشرات الدعاوى القضائية بحقه، نتيجة اتهامه بدعم الجماعات المتطرفة، أثناء سيطرتها على المناطق السنية صيف عام 2014. ويرى كثير من المتابعين أن سليمان حظي بدعم أطراف في السلطة العراقية، سهلت عودته إلى المحافظة.

كما قُتل قبل أيام العميد علي جميل، ضابط الاستخبارات في قيادة عمليات سومر، أثناء نزاعات عشائرية بالأسلحة المختلفة، في قضاء الشطرة بمحافظة ذي قار جنوبي العراق.

دعم الإرهاب العشائري

محمد التميمي، الباحث في الشأن السياسي، يرى أن “إيران، والميليشيات الموالية لها، تقوم بدعم تمرد العشائر في العراق، وتزويدها بالأسلحة والأموال”.

مبيّنا، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “الهدف من دعم تلك العشائر هو استمرار الأوضاع المتردية في محافظات الوسط والجنوب، وكذلك منع الشركات الأجنبية من الاستثمار”.

وأضاف أن “الميليشيات، التي تسيطر على محافظات الوسط والجنوب، والأحزاب الموالية لإيران، تقوم بدعم العشائر، وتصعيد النزاعات فيما بينها، وهذا الأمر يتيح الفرصة لإيران بتوسيع نفوذها وتواجدها داخل تلك المحافظات”.

وبالرغم من قرار مجلس القضاء الأعلى، وهو أعلى سلطة قضائية في العراق، باعتبار أحداث العنف العشائري أعمالا إرهابية، ماتزال العشائر المتمردة تمارس سطوتها، وترفض الإنصياع لقرارات الدولة.

تمرد العشائر في العراق لعرقلة الاستثمارات الأجنبية

المحلل السياسي كامل الساعدي يقول إن “ما تقوم به إيران والميليشيات الموالية لها بات واضحا للعيان، فهي تريد تثبيت وجودها بجميع الطرق، مستخدمة كل السيناريوهات الممكنة”.

ويضيف، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “استمرار تمرد العشائر في العراق يمنع الشركات الأجنبية من العمل في البلاد، ولهذا فإن الميليشيات تدعم استمرار النزاعات بشكل يومي، بهدف جعل الاستثمار في العراق مقتصرا على الشركات الإيرانية والصينية”.

وأشار إلى أن “الميليشيات دعمت التظاهرات التي قامت بها العشائر في محافظة المثنى، لمنع الاستثمار السعودي في بحيرة ساوة. كما دعمت التظاهرات في محافظة البصرة، لأجل إنهاء عقد شركة دايو الكورية، التي تستثمر في ميناء الفاو”.

وضمن ما يعرف بتمرد العشائر في العراق، تتظاهر عشائر مختلفة، في محافظات المثنى والبصرة وذي قار، للضغط على الحكومة بهدف تنفيذ الاتفاقية الصينية-العراقية. كما تُتهم العشائر بإرهاب وتهديد العاملين في الشركات النفطية الأجنبية في تلك المحافظات.

وغادرت شركات كثيرة محافظات الوسط والجنوب، نتيجة التهديدات التي تعرضت لها، أو استجابة للضغوط اليومية، على خلفية التظاهر أمام مقراتها من قبل العشائر المدعومة من إيران والميليشيات، بحسب مصادر مختلفة.

مقالات قد تهمك: التوسع الاقتصادي الصيني بالمنطقة: هل ستحمي البنادق الإيرانية نشاط الشركات الصينية؟

تثبيت نفوذ طهران في المناطق السنية عبر تمرد العشائر

مصدر مطلع أشار إلى أن “إيران والأحزاب الموالية لها دعمت عودة شيوخ العشائر في محافظة الأنبار، وعلى رأسهم علي حاتم السليمان”.

المصدر، الذي رفض نشر اسمه لأسباب أمنية، أكد، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “الهدف من دعم تمرد العشائر في المحافظات السنية الغربية هو زيادة نفوذ إيران والفصائل الموالية لها، على غرار محافظات الوسط والجنوب”.

وأوضح أن “إيران رأت بأن عودة رؤساء العشائر المتمردة إلى المحافظات السنية تقلل من نفوذ رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، وهو أبرز السياسيين السنة، وتوسع نفوذ الفصائل التابعة لإيران في محافظة الأنبار، والمحافظات السنية بشكل عام. كما أن دعم تمرد العشائر في العراق هو طريقة تمكّن إيران من الربط بين العراق وسوريا، عبر المحافظات الغربية، ما يسهل عمليات التهريب وإدخال المواد الممنوعة، ومنها المخدرات، وهي تجارة مربحة للميليشيات الولائية”.

وتدعم إيران والميليشيات التابعة لها ما يسمى بـ”الحشد العشائري” في محافظات نينوى وصلاح الدين وديالى، وهي ميلشيات عشائرية تابعة للحشد الشعبي، تعتبر أداة بيد طهران، تستخدمها لفرض السيطرة الأمنية والاقتصادية على تلك المحافظات.

ضمان أصوات العشائر في الانتخابات

الصحفي العراقي أحمد سالم يرى أن “الأحزاب والفصائل الولائية تدعم تمرد العشائر في العراق، لاستخدام شيوخ هذه العشائر في تحقيق غاياتها السياسية والانتخابية”.

موضحا، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “الفصائل المسلحة تدفع الأموال وتعطي النفوذ والمناصب لشيوخ العشائر، لتستخدم أتباعهم في التظاهرات وخلق الفوضى، لأن ذلك يضعف هيبة الدولة، وهذا هو الأمر الذي تريده الميليشيات”.

واستكمل حديثه بالقول: “الميليشيات تمنح امتيازات اقتصادية للعشائر، مثل السيطرة على الطرق الخارجية وساحات وقوف سيارات ومقاولات بناء، ولكن تشترط الحصول على دعم مشايخها في جميع النشاطات التي تنظمها طهران، ومنها تهديد الشركات الأجنبية، والتظاهرات وأعمال الفوضى”.

وغالبا ما تتوجه الأحزاب وزعماؤها، في فترة الحملات الانتخابية العراقية، إلى العشائر في جميع المحافظات، بهدف الحصول على دعمهما للفوز بالمقاعد النيابية. وهو الأمر الذي يعطي شيوخ العشائر نفوذا سياسيا كبيرا، ويساهم بتصعيد تمرد العشائر في العراق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.