يكتسب التوسع الاقتصادي الصيني بالمنطقة أهمية كبيرة لدى إيران والميليشيات الموالية لها في العراق، ومختلف بلدان الشرق الأوسط.

وتضغط إيران، عبر الميليشيات الولائية، على الحكومة العراقية لتنفيذ الاتفاقية الصينية العراقية، عبر إشاعة أنها الحل الاقتصادي الوحيد لوضع البلاد، التي تمر بمنعطفات وأزمات متعددة.

وتتسم الاتفاقية العراقية الصينية لعام 2019 بسمتين أساسيتين: الأولى ضخامتها، إذ تبلغ الاستثمارات، التي تنوي الصين البدء بها في البنية التحتية العراقية، عشرة مليارات دولار على الأقل في العام الواحد، لمدة عشرين سنة. تموّل بقروض مصرفية صينية بالدرجة الأولى، وبإمدادات نفطية عراقية للصين بالدرجة الثانية؛ والسمة الثانية هي سريتها، لصدورها بشكل مذكرات تفاهم، لم تعرض على البرلمان والرأي العام العراقي.

كثير من المحللين يرون أن التوسع الاقتصادي الصيني بالمنطقة من مصلحة إيران بالدرجة الأولى. فما المصالح التي ستحققها طهران من هذا التوسع؟

التوسع الصيني بالمنطقة وتخريب الاقتصاد العراقي

يؤكد عدد من المختصين أن التوسع الاقتصادي الصيني بالمنطقة عموما، والاتفاقية الصينية العراقية خصوصا، سيرهنان اقتصاد العراق للصين. لأن بكين ستحصل على النفط العراقي بأسعار زهيدة لسنوات عديدة، وهذا قد يؤدي لتدمير الاقتصاد العراقي، وربما يواجه العراق مستقبلا سيناريو شبيها بما جرى في لبنان.

مقالات قد تهمك: أموال العراق في لبنان: هل سيؤدي إفلاس المصارف اللبنانية إلى كارثة اقتصادية في بغداد؟

عامر عبد الجبار، وزير النقل والمواصلات السابق في العراق، أشار إلى أن “هناك شبهات فساد كبيرة تحوم حول الاتفاقية الصينية العراقية”.

مبينا، في تغريدة له على موقع تويتر، أن “الشركات الصينية، التي تم التعاقد معها لإنشاء حوالي ألف مدرسة، تقوم بإحالة تلك المدارس إلى مقاولين عراقيين، وبسعر أرخص، وهي تحصل على فارق السعر دون عمل أو جهد”.

من جهته يؤكد الكاتب والمحلل السياسي محمد الحياني أن “الاتفاقية الصينية العراقية لم تعرض على السلطة التشريعية في البلاد، وهناك ضبابية كبيرة تحوم حولها”.

لافتا، في حديثه لموقع “الحل نت”، إلى أن “الأحزاب الموالية لإيران تضغط باتجاه تنفيذ الاتفاقية الصينية العراقية، وذلك لتحييد الدور الأميركي في العراق، والانتقال للمحور الروسي الصيني”.

وأوضح أن “الفائدة المالية الكبيرة من الاتفاقية والتوسع الاقتصادي الصيني بالمنطقة ستعود على إيران، لأنها ستكون الممر الرئيسي للبضائع الصينية القادمة إلى العراق، وذلك عن طريق تأمين طريق الحرير التجاري الصيني الجديد”.

مشيرا إلى أن “الاتفاقية سَدر الأموال على إيران، وستقلل من حجم الضغوط المفروضة عليها، نتيجة للعقوبات الاقتصادية الأميركية”.

مخرج صيني-عراقي من العقوبات الأميركية

يستورد العراق البنزين والغاز الطبيعي من إيران، ويطلب من الإدارة الأميركية الحصول على رخصة خاصة لذلك، تستثنيه من تطبيق العقوبات الأميركية على طهران. فيما يؤكد كثير من الخبراء توافر بدائل أرخص للغاز والبنزين الإيراني. كما يستورد العراق مواد صناعية وزراعية من إيران، التي صارت تحتل المرتبة الأولى في الواردات الكلية العراقية، تليها الصين. ما يجعل البيئة الاقتصادية العراقية ممهدة للتوسع الاقتصادي الصيني بالمنطقة.

وبحسب الخبير الاقتصادي خالد عبد الرزاق فإن “الاتفاقية الصينية العراقية ستكون وسيلة من وسائل تنمية الصادرات النفطية الإيرانية”.

ويضيف، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “إيران تقوم بتصدير النفط إلى العراق بشتى الوسائل، متحايلة على العقوبات الأميركية. ويتولى العراق بدوره تصدير النفط الإيراني إلى دول أخرى، وعلى رأسها الصين، التي يبدو أنها تشتري نفطا عراقي المنشأ، بموجب الوثائق الرسمية، إلا أنها في الواقع تشتري نفطا إيرانيا”.

ويرى أنه “يمكن، مع التوسع الاقتصادي الصيني بالمنطقة، حصول الشركات الإيرانية على مزيد من المكاسب الاستثمارية في العراق، نظرا للعلاقات المتينة بين طهران وبكين. خاصة بعد حلول شركة النفط الوطنية الصينية محل شركات النفط الأوربية، التي غادرت إيران بسبب العقوبات الأميركية”.

التوسع الاقتصادي الصيني ستحميه الميليشيات الإيرانية

ويؤكد عدد من الباحثين الاقتصاديين أن الاستثمارات الإيرانية في العراق لا تهتم بالقطاعات الإنتاجية، لأنها لا تخدم المصالح الإيرانية، التي تستوجب استمرار ريعية الاقتصاد العراقي، الذي ينفق عوائده النفطية على استيراد المعدات الصناعية والمواد الغذائية من إيران وتركيا أساسا. ولذلك يرتكز الاستثمار الإيراني حاليا على دور السكن والسياحة الدينية، خاصة في المحافظات الجنوبية.

الباحث السياسي ريبين سلام يقول إن “الاستثمارات الصينية في العراق تقدر بأكثر من مئتي مليار دولار في مختلف القطاعات الإنتاجية، لذلك فإن طهران ستحصل على عوائد كبيرة من العراق، في حال تم تنفيذ الاتفاقية الصينية العراقية”.


موضحا، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “إيران والأحزاب الموالية لها تضغط باتجاه تنفيذ الاتفاقية الصينية العراقية، ولمصلحة التوسع الاقتصادي الصيني بالمنطقة عموما، لأنه سيكون المخرج الكبير لطهران من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من قبل واشنطن”.

ويضيف: “البضائع التي ستصل من الصين إلى العراق، والشركات الصينية التي تستثمر في محافظات البلاد، ستكون محمية من قبل الميليشيات الموالية لإيران. لهذا السبب ستكون الفائدة الكبرى من التوسع الاقتصادي الصيني بالمنطقة لطهران وأنصارها”.

إيران هي الشريك الأبرز للتوسع الاقتصادي الصيني

وتتعرض الشركات الأجنبية العاملة في العراق إلى تهديدات واسعة من قبل الفصائل والميليشيات الموالية لطهران، لإجبارها على مغادرة البلاد، لتحل محلها شركات صينية.

المحلل السياسي محمد الزيدي يشير إلى أن “الشركات الإيرانية ستكون جزءا من التوسع الاقتصادي الصيني بالمنطقة، فقد تصبح الشريك الأساسي للشركات الصينية في تنفيذ المشاريع الاستثمارية في العراق، إضافة إلى أن تنفيذ الاتفاقية الصينية العراقية سيعزز من العلاقات بين طهران وبكين، لمواجهة الولايات المتحدة الأميركية”.

وبحسب مقال صحفي للكاتب خضير هادي، عن الفوائد التي ستجنيها إيران من التوسع الاقتصادي الصيني بالمنطقة، فإن “خطورة لعبة دخول الشركات الإيرانية إلى العراق تكمن في أنها ستتخطى كونها تعمل بوصفها مقاولا ثانويا، بل ستنتشر تحت هذا الغطاء في جميع أرجاء البلد، وستستولي على الصناعة والزراعة والبناء، وأغلب القطاعات الأخرى، ولمدة طويلة مفتوحة، وستفرض سيطرة كاملة على ثرواتنا، وتنهب كل شيء تحت غطاء عمل الشركات وقبض أجورها”، حسب تعبيره.

ومؤخراً طالبت لجنة النفط والطاقة في البرلمان العراقي بالحصول على نسخة من اتفاقية التفاهم المبرمة بين العراق والصين، لآن الاتفاقية مبهمة وبنودها مجهولة، وغير معروضة على الرأي العام، بحسب ما يؤكد كثير من النواب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.