قضية أموال العراق في لبنان تصاعدت مؤخرا، بعد إعلان الحكومة اللبنانية عن إفلاس البنك المركزي اللبناني والمصارف التابعة له. فقد أثيرت مخاوف عديدة من تكرار الحالة اللبنانية في العراق، خاصة في ظل تشابه الظروف السياسية والإدارية، وسيطرة إيران والميليشيات الموالية لها على المشهدين اللبناني والعراقي.

وبعد الضجة الكبيرة التي أحدثتها تصريحات سعادة الشامي، نائب رئيس الحكومة اللبنانية، عن “إفلاس لبنان”، سرعان ما لجأت بيروت، وعلى لسان عدة مسؤولين، إلى إضفاء نوع من الضبابية على المشهد، من خلال الادعاء أن “المسألة لم تفهم في سياقها الصحيح”.

وأشار الشامي إلى أن “كلامه قد تم اجتزاؤه”. وأن “الفيديو، الذي انتشر عن تصريحه حول إفلاس لبنان، هو قسم من رده عن سؤال حول إسهام الدولة ومصرف لبنان في معالجة الخسائر داخل القطاع المصرفي”.

ويرى عديد من الخبراء العراقيين أن العراق لن يكون بعيدا عن الأزمة الأخيرة في لبنان، فأموال العراق في لبنان ستتأثر بشدة بالصعوبات الكبيرة التي تمر بها المصارف اللبنانية. فضلا عن أن الميليشيات الموالية لإيران في البلدين تحاول بشتى الطرف تعويض إيران ماليا، في ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة الأميركية، حتى لو أدى هذا إلى أزمات اقتصادية ضخمة في البلدين.

وواجه العراقيون طيلة السنوات الماضية أزمة اقتصادية حادة، زادت وتيرتها بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي أدى إلى ارتفاعٍ غير مسبوق في أسعار المواد الغذائية داخل الأسواق المحلية، بالرغم من الصعود الكبير في أسعار النفط.

كم تبلغ قيمة أموال العراق في لبنان؟

ويعد لبنان من أكثر الدول التي يودع العراقيون أموالهم فيها، إذ تقدر أموال العراق في لبنان بأكثر من سبعة عشر مليار دولار، من بينها مليار وثلاثمئة مليون تعود مباشرة للحكومة العراقية. وكل هذه الأموال باتت عالقة في المصارف اللبنانية، وفق “وثائق إريكسون“، أي نتائج التحقيق الداخلي، الذي قامت به شركة إريكسون السويدية للاتصالات عن نشاطها في العراق.

وبحسب مصادر لبنانية فإن جزءا كبيرا من أموال العراق في لبنان هي نتاج عمليات تبييض أموال كبيرة، حصلت خلال العقدين الماضيين، ونالت تسهيلات كبيرة  من مصارف لبنانية، استفاد منها عشرات المسؤولين والتجار في العراق، لإدخال الأموال إلى البنوك من دون عمليات التدقيق المعتادة.

هل يمكن استعادة أموال العراق في لبنان؟

الخبير في الشأن الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني أشار إلى أنه “بإمكان الحكومة العراقية تقديم طلب رسمي، عبر وزارة الخارجية العراقية، لاسترداد أموال العراق في لبنان”.

لافتا، في حديثه لموقع “الحل نت”، إلى أن “ما تحدثت به الحكومة اللبنانية عن إفلاس لبنان مبالغة، فالأموال تبقى في ودائع البنك المركزي اللبناني، وهو من يتحمل عقبات الأخطاء التي يقوم بها”.

وأضاف أن “على البرلمان العراقي تشريع قرار سريع، يقضي بمنع إخراج الأموال العراقية وإيداعها في البنوك الخارجية، إلا بضوابط صارمة، للحفاظ على الثروات المالية من النهب، الذي تتعرض له بشكل يومي”.

من جانبه علق المستشار الاقتصادي مظهر محمد صالح على قضية أموال العراق في لبنان، وتجميد أموال المسؤولين العراقيين فيه، بالقول: “الأموال المودعة من قبل بعض السياسيين في البنوك اللبنانية لن تعود إلى مودعيها”.

مبينا أن “تلك الأموال لن تعود إلى أصحابها، لأنه تم إيداعها بطريقة غير قانونية، وأغلبها عبارة عن سرقات للمال العام”.

مقالات قد تهمك: أموال السياسيين العراقيين في البنوك اللبنانية “هب بياض”

عوائد نفط كردستان العراق في لبنان

ومن ضمن أموال العراق في لبنان توجد ملايين الدولارات، من عائدات نفط إقليم كردستان العراق، استنادا إلى تقريرٍ نشرته شركة “ديلويت” الدولية للتدقيق، حول صادرات نفط الإقليم للعام 2021.

ويفيد التقرير أن “هناك مبلغا وقدره ثلاثمائة وعشرة مليون يورو، سبق أن دفعه مشتر لنفط إقليم كردستان، أودع في حساب ببنك لبناني، ولم يتم الإبلاغ عنه رسميا حتى الآن”.

كما يكشف التقرير عن “وجود مبلغ آخر، من عائدات نفط إقليم كردستان، محتجز في أحد المصارف اللبنانية، ويبلغ مائتين وأربعة وتسعين مليون دولار أميركي”.

وبعد الأزمة الاقتصادية الأخيرة في لبنان، وتصريح الشامي، تم تجميد أرصدة مالية كبيرة كانت مودعة في لبنان، تعود لقيادات عراقية، من بينها تجار ونواب وزعامات حزبية وسياسية، وفقا لمصادر إعلامية مختلفة.

علي حمه صالح، النائب في برلمان إقليم كردستان العراق، تحدث عن “تجميد ما يقارب ستمئة وخمسين مليون دولار من أموال الإقليم في لبنان”.

وأضاف في منشور له على صفحته في فيس بوك: “أرسلت في عام 2015 رسالة إلى رئيس حكومة كردستان، قلت فيها إن بيع النفط عبر رجل الأعمال الباكستاني مرتضى الخاني أمر خطير، ولم ينصت أحد لنصيحتي، وبالتالي تم تجميد ما يقرب من ستمائة وخمسين مليون دولار في لبنان”.

العراق سيكرر السيناريو اللبناني

المحلل السياسي أحمد الأنصاري يرى أن “وجود أموال العراق في لبنان سيؤدي لتكرار السيناريو اللبناني لدينا، لآن الميليشيات الموالية لإيران هي من يسيطر على إدارة البنوك والمصارف في العراق، كما في لبنان، فضلا عن سوق العملات الأجنبية”.

مبينا، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “إيران تريد إنقاذ وضعها الاقتصادي، لذلك تقوم بتحريك ميليشياتها في العراق لتحويل العملة الصعبة، وتحديدا الدولار الأميركي، إلى طهران”.

وأوضح أن “أغلب المصارف في العراق عبارة عن دكاكين وواجهات تابعة للأحزاب والميليشيات، وهي من تسيطر على بيع وشراء الدولار والعملات الأجنبية الأخرى”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.