تلويث نهري دجلة والفرات في العراق بات من أكبر المشاكل البيئية والصحية في البلد الذي لا تنقصه المشاكل. إذ تصب ملايين الأمتار المكعبة من النفايات يوميا في النهرين، الذين أمّنا تاريخيا استمرار الحياة في “بلاد الرافدين”، وبعض تلك النفايات شديدة السمية، كونها مؤلفة من المخلفات الصناعية والطبية، ما يجعلها سببا أساسيا لانتشار الأمراض السرطانية.

وهكذا أدى تلويث نهري دجلة والفرات إلى تحويلهما إلى مصدر للخطر، بدلا من كونهما أهم موارد العراق. ويبقى التساؤل: على من تقع مسؤولية هذا التلوث، وزارة البيئة أم وزارة الموارد المائية أم أمانة العاصمة بغداد وغيرها من الإدارات المحلية؟

موقع “الحل نت” حاول التواصل مع كل الجهات المعنية للإجابة عن هذا السؤال، والرد كان دوما تنصّل كل جهة من المسؤولية، وإلقائها على جهة أخرى.

جيران النهرين: دجلة والفرات باتا مصدرا للروائح الكريهة والأمراض

أهالي المدن، التي تقع بالقرب من نهري دجلة والفرات، يشكون من الإهمال الحكومي، فضلا عن خوفهم من انتشار الأمراض. المواطن محمد جاسم من العاصمة بغداد يقول إن “الأداء الحكومي ضعيف جدا، وبالتحديد من قبل أمانة بغداد ووزارة البيئة”.

ويضيف جاسم، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن” الرشاوي جعلت الحكومة تتجاهل الكميات الكبيرة من الأوساخ، التي تلقى بشكل يومي من قبل المستشفيات وأصحاب الفنادق والمطاعم، متجاهلة صحة المواطن، والأمراض التي تسببها هذه الملوثات”.

المواطن عبد الله أبو محمد يتحدث هو الآخر عن مدى تلويث نهري دجلة والفرات، مشيرا إلى “رائحة نتنة، مصدرها نهر دجلة”.

ويؤكد، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “رائحة نهر دجلة باتت كريهة للغاية بسبب الملوثات، إضافة إلى ظهور بعض البقع الزيتية على سطح النهر، وكثير من المواد البلاستيكية”.

ويتابع:” كان الشباب سابقا يمارسون السباحة في النهر في فصل الصيف، ولكن بصراحة الأمر بات شبه مستحيل الآن، وذلك بعد إصابة بعض منهم بالأمراض، بعد ممارستهم لهذا النشاط”.

وكانت بعض مواقع التواصل الاجتماعي قد كشفت عن تصريف المخلفات السامة لمستشفى “مدينة الطب” في بغداد، عبر أنبوب غير نظامي، تم إنشاؤه من قبل دائرة مجاري بغداد، ويتم تصريف تلك المخلفات إلى نهر دجلة مباشرة، بدون معالجة.

تلويث نهري دجلة والفرات كارثة حقيقية للعراق

د.حمزة رمضان، الخبير البيئي، يصف تلويث نهري دجلة والفرات بـ”الكارثة الحقيقية”. ويقول، في حديثه لـ”الحل نت”، إن “مياه النهرين كانت تحتوي على تيارات قوية، تدفع المخلفات والنفايات. ولكن بعد شح المياه في النهرين، بسبب إغلاق بعض السدود من دول الجوار، بات التلوث شديد الوضوح”.

ويبين رمضان أن “ما يحدث في أنهر العراق هو مسؤولية الجميع، سواء الحكومة أو أصحاب المنازل أو المصانع أو مديري المستشفيات، والتي تعد نفاياتها الأكثر خطورة، لاحتوائها على المواد السامة والمضرة للإنسان”.

ويؤكد الخبير البيئي “أهمية إنشاء محطة تصريف صحي داخل كل منطقة، بالأخص المناطق التي تحوي نسبة سكانية عالية، أو توجد فيها الفنادق والمستشفيات، لمنع استمرار تلويث نهري دجلة والفرات”.

وكانت مجلة Nature Research البريطانية، المعنية بالأبحاث العلمية، قد نشرت دراسة عام 2020 عن التلوث في منطقة شط العرب، التي يلتقي فيها نهرا دجلة والفرات. وخلصت الدراسة إلى “وجود معدلات تلوث عالية في المياه، ناجمة عن المعادن الثقيلة، مثل النيكل والكروم والمنغنيس، ومادة مولبدنم الكيمياوية، والنحاس والرصاص والزنك. مع مصادر تلوث أخرى، تأتي من الأسمدة و أوحال الصرف الصحي وورش اللحام، ومخلفات الصناعات النفطية”.

غرامات مالية لا قيمة لها بحق الملوثين!

“إن إهمال وزارة الموارد المائية والبلديات، وتعاملها مع نهري دجلة والفرات على أنهما مصبان للنفايات، من أهم الأسباب التي زادت من تلوث المياه”، بحسب د. نجم الغزي، الخبير المائي.

ويضيف الغزي، في حديثه لـ”الحل نت”، أن” إجراءات وزارة موارد المائية ضعيفة لمواجهة تلويث نهري دجلة والفرات، إذ إنها تغرّم الجهة المسببة للملوثات خمسمئة ألف دينار عراقي فقط، وهذا المبلغ بسيط جدا أمام الكارثة البيئية والبشرية التي يسببها التلوث”.

ويؤكد الغزي بدوره أن “السبب الرئيسي، وراء زيادة كمية النفايات في الأنهر خلال الآونة الأخيرة، هو إغلاق بعض السدود من قبل دول الجوار، أي تركيا وإيران مما أدى إلى ضعف الإطلاقات المائية، وبالتالي أصبح هناك زيادة ملحوظة في نسبة الملوثات”.

اتهامات لأمانة بغداد بالمسؤولية عن حال دجلة والفرات

أمير علي الحسون، مدير عام دائرة التوعية والإعلام البيئي في وزارة البيئة العراقية، يحمّل أمانة العاصمة بغداد جزءا كبيرا من مسؤولية تلويث نهري دجلة والفرات. “إذ تُسكب يوميا كميات ثقيلة من النفايات في النهرين، إضافة إلى مخلفات الأنشطة النفطية والصناعية، التي تسبب كثيرا من الأمراض، سواء للإنسان أو الحيوانات، وتحديدا الأسماك النهرية”، بحسب تعبيره.

ويضيف الحسون، في حديثه لـ” الحل نت “، أن “من واجب أمانة بغداد، والإدارات المحلية في جميع محافظات العراق، العمل بشكل جدي لمعالجة هذه المشكلة المتفاقمة، وذلك من خلال تدوير النفايات، وإصلاح شبكات الصرف الصحي”.

وفي دراسة علمية، نشرت عام 2019، أكد باحثون أن “التطور الحاصل في الصناعة النفطية، وصناعة الغاز في العراق، أدت لتلويث الأرض والجو والمياه”.

وأضافت الدراسة أن “هذا التلويث تسبب بأضرار اجتماعية كبرى، منها الأمراض، ونفاد الموارد غير المتجددة، والطاقة للأجيال الحاضرة والمستقبلية” .

مقالات قد تهمك: المخلفات الحربية في العراق: هل تتمكن الحكومة من إزالة آثار أربعة عقود من الحروب؟

دعاوى قضائية على الجهات المسببة لتلويث النهرين

وعن الإجراءات الرادعة، للجهات المسببة بتلويث نهري دجلة والفرات، يقول علي راضي، الناطق باسم وزارة الموارد المائية العراقية، إن” الموضوع خطر جدا، لذا قامت الوزارة باتخاذ كثير من الإجراءات بشأن المخلفات والنفايات، وتوزيع الكتب الرسمية على المؤسسات الحكومية المسببة لهذه الملوثات”.
ويشير راضي، في تصريحاته لـ”الحل نت”، إلى “وجود تنسيق بين وزارة الموارد المائية ووزارة البيئة. وتم رفع الدعاوى القضائية على المؤسسات الحكومية المخالفة”.
كثير من المعنيين بالشأن البيئي لا يقتنعون كثيرا بمثل هذه التصريحات والإجراءات، وبميل المؤسسات العراقية عموما لتبادل التهم حول مسؤولية تلويث نهري دجلة والفرات. ويبدو أن المسألة لا تتعلق بهذه المؤسسة والوزارة أو تلك، بل بالنظام السياسي العراقي نفسه، وأسلوبه في التعامل مع الأزمات في البلد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.