أوضاع مدينة اللاذقية لا تختلف كثيرا عن بقية المدن السورية، فعلى الرغم من عدم تأثر مركز اللاذقية بالحرب السورية، أسوة بمراكز محافظات أخرى، إلا أن القاطنين فيها، بمختلف فئاتهم وطوائفهم وتوجهاتهم، يعيشون معاناة لا تختلف عن معاناة بقية السوريين.

ويواجه سكان مدينة اللاذقية أزمات مركبة منذ سنوات طويلة، تتمثل بالغلاء الكبير في أسعار المواد الأساسية، إضافة لنقص الإمدادات الغذائية، وصولا لانقطاع الكهرباء لساعات كثيرة، وأزمات أخرى يطول الحديث عنها، ويعرفها السوريون جيدا.

ولعل الحديث عن أوضاع مدينة اللاذقية قد يدفع كثيرا من السوريين، أو حتى المراقبين للوضع السوري، للتفكير بأن واقع المحافظة عموما أفضل بكثير من سواها، على اعتبار أنها مسقط رأس الرئيس السوري، وعدد كبير من المسؤولين وضباط القوات النظامية والأجهزة الأمنية. إلا أن الواقع يختلف كثيرا عن هذه التصورات. ويبدو أنه لا توجد منطقة في سوريا لم تعان من ويلات الحرب والسياسات الحكومية.

أوضاع مدينة اللاذقية وسط الظلام

يعتبر انقطاع التيار الكهربائي عن معظم الأحياء من أهم العوامل، التي تجعل أوضاع مدينة اللاذقية شديدة السوء. فالتقنين الطويل أجبر السكان على البحث عن حلول بديلة، ولعل أرخص الحلول وأكثرها جدوى شراء ألواح الطاقة الشمسية، وتركيب مجموعة من البطاريات، تؤمن للسكان الحد الأدنى من حاجتهم اليومية للكهرباء.

 غير أن ارتفاع تكاليف ألواح الطاقة وأسعار البطاريات، ورداءة المواد المتوفرة في السوق المحلية، دفع بالسكان للبحث عن حلول أخرى، وأهمها الاشتراك بما يعرف بـ”كهرباء الأمبيرات”. إذ يقوم السكان بشراء أمبير واحد أو أكثر، من المولدات الخاصة المنتشرة في المدينة، كل بحسب قدرته المادية، لمدة ست ساعات يوميا، مقابل ألف وخمسمئة ليرة سورية، ما يكفي الناس لقضاء حوائجهم، من غسيل وشحن هواتف محمولة وأدوات إنارة وغيرها.

لكن محافظ اللاذقية عامر اسماعيل هلال كان له رأي آخر، غيّر أوضاع مدينة اللاذقية، وصدم كثيرا من سكانها، وخصوصا الفقراء منهم. إذ أصدر تعميما، وجهه إلى رؤساء الوحدات الإدارية في المدن والبلدات والبلديات في المحافظة، يقضي بمنع تركيب المولدات الكهربائية، بقصد بيع الكهرباء بالأمبيرات، وذلك بهدف مكافحة هذه الظاهرة، بحسب ما جاء في التعميم.

محمد سليمان، وهو اسم مستعار لرجل نازح من مدينة الحفة بريف اللاذقية إلى مركز المدينة، ويعمل في محل لبيع الحلويات، يبدي استغرابه من هذا القرار، ويقول لموقع “الحل نت”: “استغرب تصرفات المسؤولين لدينا. إذا كانوا عاجزين عن تأمين الكهرباء لنا، ويقولون إن الأمر خارج عن إرادتهم، فليدعونا نتدبر أمورنا بأنفسنا”.

مضيفا: “لا يوجد مبرر لمنع بيع الأمبيرات، وزيادة أوضاع مدينة اللاذقية سوءا بهذا القرار، سوى احتمال واحد. وهو أن أحد المتنفذين لديه كميات من ألواح الطاقة الشمسية غير الجيدة، والبطاريات التي لا تدوم سوى أشهر قليلة، ويريد تسويقها، وإجبار الناس على شرائها”.

مختتما حديثه بالقول: “إذا كانوا يريدون إجبارنا على شراء ألواح الطاقة الشمسية والبطاريات فليأمنوا لنا نوعيات جيدة وبأسعار معقولة، تدوم وتفي بالغرض. فليس من المنطقي أن يجلبوا لنا أسوء البضائع، ثم يرغموننا على شرائها”.

مدينة اللاذقية تعاني أكثر من غيرها من المتنفذين

محمد الجبلاوي، وهو ناشط من مدينة اللاذقية مقيم في تركيا، يعلق على قرار المحافظ بمنع تركيب المولدات بالقول: “نتابع بشكل يومي أوضاع مدينة اللاذقية، واستغربنا القرار، فمسألة بيع الكهرباء عن طريق المولدات طريقة معتمدة في عدد من المحافظات السورية، الخاضعة لسيطرة حكومة دمشق، مثل محافظتي حلب وحماة، ولا مشاكل تذكر هناك، والناس تعودوا على الأمر. لكن يبدو أن وراء القرار مصالح شخصية لتجار ومتنفذين في المحافظة، هدفهم بيع ألواح الطاقة الشمسية والبطاريات وأجهزة التخزين الكهربائي منخفضة الجودة”.

ويضيف الجبلاوي في حديثه لـ”الحل نت”: “سكان اللاذقية عانوا دائما من تغوّل المسؤولين والمقربين من النظام الحاكم، ويبدو أن أوضاع المدينة تتأثر أكثر من غيرها بمصالح هؤلاء. وهاهم الآن يحرمونها من أكثر الحلول عملية لتأمين الكهرباء، ما سيجعل الناس مضطرين مجددا للتعامل مع ألواح الطاقة والبطاريات الرديئة، التي عانوا منها طويلا”.

مقالات قد تهمك: مجمع الرسول الأعظم باللاذقية: غرفة عمليات إيرانية في عمق الساحل السوري؟

تمييز طبقي عابر للطائفية

وفي الوقت الذي تعاني فيه كثير من أحياء اللاذقية من الظلام والفقر وانتشار القمامة في الشوارع وغيرها من المشاكل، توجد أحياء اخرى تنعم بالكهرباء لفترات طويلة، وتتمتع بخدمات ممتازة، بل وتنتشر فيها المقاهي والمطاعم الراقية والنوادي الليلية، التي تعمل يوميا حتى ساعات الصباح الباكر. ولعل هذا التفاوت الطبقي من أكثر ما يميز أوضاع مدينة اللاذقية.

محمد الفاضل، وهو فلسطيني من سكان حي الرمل الجنوبي، يقارن، في حديثه لموقع “الحل نت”، بين أوضاع عدد من أحياء اللاذقية المهمشة، والأحياء الأخرى التي يسكنها المتنفذون وأثرياء الحرب: “أحياء الصليبة والفاروس والعوينة والدعتور تعد من أفقر أحياء المدينة، رغم أن الحي الأخير معروف بأنه من أكثر الأحياء تأييدا للحكومة السورية. وتنتشر الأوساخ والقمامة في تلك الأحياء، وسط بنية تحتية متهالكة. وبالطبع لا تتوفر الكهرباء أو المياه الصالحة للشرب. ويعكس هذا بالفعل أوضاع مدينة اللاذقية، لأن الأحياء المهمشة تشكل غالبية المدينة”.

متابعا: “لكن توجد أحياء أخرى تتوفر فيها كل الخدمات، من نظافة وكهرباء ومياه. مثل حي المزرعة، الذي يقطنه ضباط كبار في القوات النظامية، وتجار أغنياء، وأفراد من عائلة الأسد. وتتجول في هذه الأحياء سيارات من أحدث الأنواع”.

مختتما إفادته بالقول: “حي المزرعة لا يبعد عن حي الرمل الفقير إلا كيلو متر واحد فقط. وفي الرمل، الذي تسكنه أغلبية من النازحين الفلسطينيين وفقراء الطائفة العلوية، تتداخل أسلاك الكهرباء بين المباني، ما يهدد حياة الناس. فضلا عن وجود مكب للنفايات، لا يتم التعامل معه بالأساليب السليمة، ما يؤدي لانتشار الأمراض. وتتوزع في أرجاء الحي البسطات العشوائية، ويعاني من ظواهر العنف الاجتماعي، التي يولدها الفقر وانعدام الأمل. باختصار درجة الفقر في هذا الحي تدفع السكان للنبش في مكب القمامة، علهم يجدون فيه بعض الخيرات التي رماها سكان الأحياء المرفّهة”.

يذكر أن مدينة اللاذقية شهدت عددا من التظاهرات السلمية، مع بداية الاحتجاجات السورية عام 2011. وخرجت معظم التظاهرات من الأحياء الفقيرة، ومنها مخيم الرمل، الذي تعرض فيما بعد لقصف القوات النظامية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.