سارة ميران، نموذج لقصص آلاف العراقيين ممن تعرضوا إلى اختطاف أو محاولة اغتيال في عراق يخضع بمجمله لسلطة المليشيات المدعومة إيرانيا، ولعل قصتها وبما تحمله من سوداوية رغم نجاتها من الموت، إلا أنها لا تمثل إلا هامشا مما لم يظهر للإعلام، أو اختفى مع أصحابه سواء كانوا أحياء أو أموات.
وميران، هي قصة كشف عنها موقع “ذا انترسبت” الأميركي، لسيدة أعمال عراقية كردية من عائلة سياسة مرموقة في إقليم كردستان العراق، تعرضت للاختطاف من قبل جماعة مسلحة شيعية على ارتباط وثيق بإيران تدعى “عصائب أهل الحق”، قبل أن تتمكن من الهروب منهم بظروف يطغى “الأكشن” عليها.
وبحسب الموقع الأميركي الذي نقل قصة ميران، فأن قصتها تمثل جانبا ظل مفقودا وغامضا منذ العام 2019، حيث نشر الموقع وثائق إيرانية مسربة تتحدث عن نفوذ طهران على العراق، ووردت فيها معلومات عن سيدة الأعمال التي اختطفت عام 2014، خلال اجتماع جمع مسؤولا عراقيا بالقنصل الإيراني في محافظة البصرة أقصى جنوب العراق، إلا أنها لم توفر إجابات دقيقة عن قصتها.
وأزالت القصة، التي رصدها وتابعها موقع “الحل نت”، الضبابية عن أحد جوانب فهم وتفسير سياق المليشيات المدعومة إيرانيا في العراق، من حيث الهيكلية والتمويل، في السنوات الماضية، وسطوتها، وحجم تأثير القائد السابق لـ”فليق القدس الإيراني”، قاسم سليماني، على المشهد العراقي، وطبيعة ارتباطات “حزب الله” اللبناني بالمليشيات العراقية.
لأكثر من 40 يوما، كانت سارة ميران محتجزة كرهينة من قبل ميليشيا مدعومة من إيران، وهي مطورة عقارات تعيش في ولاية فرجينيا، اختطفت أثناء عملها في العراق في أيلول/سبتمبر 2014.
وسجنت في غرفة مقفلة في الطابق الثالث من منزل في أحد أحياء بغداد التي كانت أحد معاقل الميليشيات، حيث كانت الغرفة مكسوة بألواح خشبية وأرضية رخامية، إذ كان هذا في يوم من الأيام منزلا أنيقا، وتحول إلى سجن للميليشيا.
كانت ميران متأكدة من أن الميليشيا ستقتلها، حيث أجبرها خاطفوها على ارتداء زي السجن، مثل الملابس التي جعل تنظيم “داعش” رهائنه يرتدونها قبل إعدامهم مباشرة.
وجلدوها لمدة خمسة أيام متتالية بكابلات سلكية، في محاولة لجعلها تعترف زورا بأنها جاسوسة لوكالة المخابرات المركزية، كما أن خاطفيها لم يظهروا وجوههم أبدا، وعندما سألتهم عن السبب، قال أحداهم إنهم سيكشفون عن أنفسهم عندما تكون على وشك إطلاق سراحها.
حيث يروي موقع “ذا انترسبت” قصة سارة ميران السيدة العراقية – الأمريكية التي “اختطفها عناصر من حركة عصائب أهل الحق” عام 2014 وتقول سارة، “بمجرد أن سمعته يقول ذلك، عرفت أنهم سيقتلونني”، فقد كانت تعرف أنهم لن يسمحوا لها بالذهاب أبدا إذا تمكنت من التعرف عليهم.
“ملعقة طعام”!
في ذلك الحين، كانت ميران يائسة من الهروب، حيث كان هناك حارسان على الأقل في المنزل في جميع الأوقات، وكانا يفتشان غرفتها كل يوم للتأكد من أنها لم تكن تخطط لهروب، وقاموا بتركيب كاميرا مراقبة في الغرفة حتى يتمكنوا من مراقبة تحركاتها على مدار 24 ساعة في اليوم، ومراقبتها حتى أثناء نومها على الأرض.
واستمر خاطفوها باطعامها بالحد الأدنى من الطعام لإبقائها على قيد الحياة – نصف قطعة من الخبز وبعض الجبن والشاي والقليل من الحساء – وفقدت نحو 14 كيلوغرام من وزنها، ومع كل وجبة، أحضروا لها ملاعق بلاستيكية.
ولكن في أحد أيام تشرين الأول/أكتوبر، غير حراسها روتينهم، وأحضروا لها بدلا من الخبز والجبن، وجبة غداء من الأرز والكاري، وجنبا إلى جنب مع الوجبة الجديدة جاءت ملعقة معدنية.
أخفت ميران الملعقة في خزان المرحاض في الحمام المجاور لغرفتها، ثم انتظرت الليل، وفي التاسعة مساء ذهبت إلى الحمام وحصلت على الملعقة، ىمع سنوات من الخبرة كمديرة لمشاريع البناء، عرفت نقاط الضعف في تصاميم المباني، لذلك استخدمت الملعقة للحفر في حواف الجدار المحيط بنافذة الحمام الصغيرة.
استغرق الأمر منها 15 دقيقة لإزالة الإطار والنافذة دون كسر الزجاج، ما دفعها لأن تتلو صلاة شكر صامتة لأن الحراس لم يسمعوا الضوضاء التي أحدثتها.
ذهبت ميران إلى خزانة غرفتها وارتدت الملابس التي كانت ترتديها عندما اختطفت، والتي تركها خاطفوها معها بشكل غير متناسق، ثم ارتدت زي السجن، الذي يعلوه حجاب، حتى لا تمزق ملابسها أثناء الفرار.
بالعودة إلى الحمام، اتكأت على كرسي على الحائط ونظرت من النافذة، حيث كانت على ارتفاع ثلاثة طوابق فوق الأرض، على الجانب الخلفي من المنزل.
وفي الساعة 10 مساء، حشرت نفسها من خلال النافذة، وأمسكت بأنبوب تصريف مثبت على جانب المنزل، وبدأت في النزول، لدرجة لم يكن هناك مجال للعودة.
ما علاقة طهران؟
ويقول موقع ” ذا انترسبت ” الأمريكي إن، هذه القصة تقدم الجانب المفقود من وثائق سرية إيرانية مسربة سبق أن نشرها الموقع عام 2019، وتضمنت مئات البرقيات الاستخباراتية الإيرانية، التي توضح بالتفصيل كيف وقع العراق تحت تأثير إيران.
وتشير إحدى الوثائق، إلى اجتماع عقد عام 2014 بين مسؤول عراقي والقنصل الإيراني في مدينة البصرة، حيث “كان موضوع الاجتماع السيدة سارة”.
وجاء في البرقية، التي كتبها ضابط استخبارات إيراني وأرسلت إلى مقر المخابرات الإيرانية في طهران، أن “المسؤول العراقي طلب من المحامي الإيراني أن ينقل رسالة من مسؤولين في كردستان العراق إلى الجنرال قاسم سليماني، القائد القوي لفيلق القدس الإيراني – ذراع الاستخبارات والعمليات الخاصة السرية للحرس الثوري الإسلامي الذي هيمن على العراق – لإطلاق سراح “سارة”، وهي امرأة يبدو أنها اختطفت في البصرة.
وبعد الاجتماع، جمع القنصل الإيراني ضباط المخابرات الذين عملوا في قنصليته، حيث أراد أن يعرف منهم ما الذي كان يحدث حقا، ولماذا اهتم الأكراد كثيرا بهذه المرأة التي تدعى سارة؟ لماذا أرادوا إيصال رسالة إلى سليماني عنها؟ قبل كل شيء، أراد أن يعرف الإجابة على هذا السؤال البسيط: ماذا نعرف عن سارة؟
وحينها، ولم تتضمن برقية الاستخبارات الإجابات، لم يتضمن حتى اسم سارة الأخير، أو جنسيتها، وهكذا بقي لغز “سارة” قائما لفترة طويلة من نشر الوثائق السرية المسربة، حتى ساعدت القرائن في الوصول إليها واكتشاف قصتها عبر مقابلات مكثفة معها ومع أفراد عائلتها، إلى جانب شركاء الأعمال والمسؤولين الحكوميين وغيرهم من المطلعين على القضية.
ويقول الموقع الأمريكي، إن سارة ميران نجحت في البقاء على قيد الحياة بعد هروبها من غرفة احتجازها، مبينا أن الأمر أنتهى بـ”معركة ليلية في شوارع بغداد بين الميليشيا المدججة بالسلاح المدعومة من إيران التي اختطفتها، والشرطة الاتحادية العراقية وقوة الحرس الرئاسي العراقي التي تسعى لإنقاذها”، مشيرا إلى أنه كان هناك قتالا بالأسلحة النارية، يستحضر فيلم أكشن، شارك فيه مئات المقاتلين من طرفي نقيض من الانقسام الطائفي في العراق، وجميعهم يتقاتلون على امرأة تعيش في ضاحية أمريكية، على حد تعبير “ذا انترسبت”.
ويشير إلى أنه، على المستوى الإنساني، فأن قصة ميران هي صورة لعمليات الاختطاف، وهو خطر لا يلقى التحذير الكافي في البلدان غير المستقرة مثل العراق، حيث يتعرض آلاف العراقيين والأجانب الذين يعيشون ويعملون في البلاد إلى الاختطاف منذ الغزو الأمريكي في عام 2003، واختفى العديد منهم دون أي أثر حتى بعد دفع الفدية.
ويبين أن، معظم عمليات الخطف في العراق تقوم بها الميليشيات والعصابات الإجرامية مقابل المال، لكن اختطاف ميران كان واحدا من الحالات غير العادية التي كان لها إيحاءات سياسية ومالية، كما أنها أيضا واحدة من عدد قليل من ضحايا الاختطاف البارزين في العراق الذين فروا وبقوا على قيد الحياة وأخبروا قصتها.
من هي سارة؟
وبحسب “ذا انترسبت”، تقول ميران، إن “اختطافي هو شيء حدث للعديد من الأشخاص الآخرين”، وتضيف: “لقد قتل العديد منهم، ولا يستطيع آخرون التحدث عما حدث لهم بسبب الخوف، لقد قتلوا العديد والعديد من الأشخاص الآخرين، وهم يمثلون بجثثهم ويهددون عائلاتهم إذا تحدثوا عن ذلك، أعتقد أن الله كان إلى جانبي”.
ولدت سارة حميد ميران في عام 1977 في عائلة ذات صلة سياسية في السليمانية، في المنطقة الكردية في شمال العراق، ولم تستطع ثروة عائلتها ونفوذها حمايتها من القتال المرير الذي احتدم دون توقف تقريبا خلال طفولتها حيث كانت الحروب مستعرة.
إذ كانت هناك الحرب العراقية الإيرانية، ومقاومة الأكراد لنظام صدام حسين، والحرب الأهلية الكردية بين فصيلين كرديين قويين، والحروب الأمريكية ضد العراق، حيث تصف سيدة الأعمال تلك الفترة قائلة، “لقد ولدت بين قنابل وبنادق”، وقد أدت تجربتها مع الحرب إلى تقوية الطرق التي تعتقد الآن أنّها ساعدتها على الوقوف في وجه التهديدات والنجاة من اختطافها.
وبعد أن ضعفت قبضة صدام على كردستان بسبب هزيمته في حرب الخليج مع أمريكا عام 1991، وافقت الفصائل الكردية الرئيسية على إجراء انتخابات لبرلمان كردي جديد، وانتخب والد ميران، لتنتقل مع بقية عائلتها إلى أربيل، عاصمة إقليم كردستان، حيث شغل والدها مقعده في البرلمان، في حين حافظت عائلتها على ممتلكاتها العقارية وغيرها من المصالح التجارية في السليمانية.
أنهت ميران المدرسة الثانوية ووقعت في حب أحد أبناء الجيران، وقاد حفل زفافهما المقترح إلى توترات مع والديها، لأنها جاءت من عائلة أكثر بروزا، لكنها أصرت على ذلك، وتزوجا في عام 1998 وأنجبا ولدين وابنة، في حين أنه كان زواجا غير سعيد، إلا أنه سيقود في النهاية ميران وأطفالها إلى أمريكا.
في عام 2003، تخرجت ميران من جامعة صلاح الدين، حيث درست الهندسة، في ذلك العام، غزت الولايات المتحدة العراق، وذهب زوجها للعمل في الجيش الأمريكي كمترجم، وبعد ذلك في جهاز المخابرات الكردية المدعوم من الولايات المتحدة.
بالمقابل، درست ميران لفترة وجيزة في جامعة صلاح الدين، قبل أن تذهب للعمل في شركة تطوير عقاري لها صلات سياسية خاصة، حيث كان أحد المالكين المشاركين لها نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة كردستان وأحد أفراد أقوى العائلات في المنطقة الكردية.
بدأت ميران كمدير مكتب، ولكن بحلول عام 2005 أصبحت رئيس قسم الهندسة في الشركة، وبحلول عام 2007، كانت مديرة مشروع الشركة لتطوير مركز تسوق ضخم يضم 5000 عامل بناء، ثم أصبحت واحدة من أسرع النساء صعودا في مجال الأعمال التجارية في العراق، وهذا ما قادها إلى البصرة.
في عام 2010، عين بارزاني، ونزار الهنا المالك الآخر للشركة العقارية، ميران مسؤولا عن أحد أصعب مشاريعهما، وهو تجديد فندق البصرة الدولي، وكان أكبر فندق في مدينة مزقتها سنوات من التمرد والحرب بعد سقوط بغداد.
وفي المنطقة ذات الأغلبية الشيعية في أقصى جنوب العراق، هيمنت على البصرة الحدودية مع إيران الميليشيات المدعومة من طهران، أعطاها عمل ميران هناك مقدمة تقريبية لهذا النوع من القوى السياسية والإجرامية التي ستكون وراء اختطافها بعد أربع سنوات.
التهديد الأول.. قنبلة!
ويبدو أن الظهور المفاجئ لامرأة كردية تدير مشروع بناء كبير في البصرة، أغضب هيكل السلطة المدعوم من إيران هناك، والذي عارض سيطرة شخص خارجي على مثل هذا التطور المربح، وفي نيسان/أبريل 2010، زار ميران ممثل عن إحدى الميليشيات المدعومة من إيران في المدينة، وطالبها الممثل، الذي قيل لها إنه قاتل، بالتخلي عن مشروع الفندق ومغادرة البصرة.
رفضت ميران، وبدلا من ذلك لجأت إلى قريب قوي، اللواء حسين علي كمال، وهو كردي كان آنذاك نائب وزير الداخلية العراقي المسؤول عن الاستخبارات، وتقول ميران إن، قريبها وافق على توفير الأمن لها، ورتب لوضع ثلاث سيارات مدرعة عراقية أمام موقع بناء الفندق في محاولة لدرء الهجمات، لكن ذلك لم يكن كافيا.
وفي حزيران/يونيو، وقع انفجار في الشقة التي كانت تعيش فيها ميران بمفردها- كان أطفالها وزوجها قد بقوا في كردستان، حيث لم تكن في الشقة في ذلك الوقت، لكنها كانت رسالة واضحة لأن تغادر البصرة. “لقد وضعوا قنبلة في غرفتها”، يقول نزار الهنا، ويضيف، “حقا، ليس من السهل القيام بأشياء في العراق”.
وعلى الرغم من الهجوم، رفضت ميران مغادرة المدينة، وبدلا من ذلك، انتقلت من شقتها المتضررة إلى الفندق بدوام كامل، بينما اشترت سكرتيرتها ملابس جديدة لتحل محل ما فقدته في الهجوم، وسارعت إلى إنهاء مشروع الفندق في غضون ثمانية أشهر، “كانت تلك أصعب وظيفة حصلت عليها على الإطلاق”، تقول ميران متذكرة في حديثها للموقع الأميركي.
وفي عام 2012، انتقلت ميران مع زوجها وأطفالها إلى الولايات المتحدة، لأن زوجها مؤهل للحصول على تأشيرات عائلية نتيجة لعمله مع الجيش الأمريكي في العراق، لستقروا في نهاية المطاف في ضواحي فرجينيا الشمالية في واشنطن، وعلى الرغم من حصولها على البطاقة الخضراء، إلا أن زواجها كان في ورطة، وعادت إلى العراق للعمل مرة أخرى في مشاريع التطوير العقاري، وهي الآن شريكة تجارية مع رئيسها السابق، نزار الهنا، فيما بقيت عائلتها في فرجينيا.
ما علاقة نوري المالكي؟
في عام 2013، عادت إلى البصرة بشكل مصيري. هذه المرة، تولت ميران وشريكها بناء مشروع سكني ضخم يضم أكثر من 2500 وحدة من الشقق والمنازل، وقد حصلت على قرض كبير من بنك عراقي كبير لتمويل المشروع. سرعان ما انتشرت الأخبار التي تفيد بأن ميران حصلت على تمويل لمشروعها.
وتقول ميران، إنها تعرضت في نيسان/أبريل 2014 لضغوط لسحب مليوني دولار من قرضها المصرفي لتمويل الحملة الانتخابية لحزب رئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري المالكي، حيث وكان من المقرر إجراء انتخابات برلمانية في وقت لاحق من ذلك الشهر، وكان المالكي وحزبه يتدافعون للتمسك بالسلطة.
وبعد أن رفضت ميران، قالت إنها تلقت سلسلة من المكالمات الهاتفية التهديدية، في الأولى، قيل لها إنها إذا استمرت في رفض الدفع، فإنها ستقع في “مشكلة كبيرة”، إلا أنها قالت لا، وفي الثانية، قيل لها إن مديرين تنفيذيين آخرين قد دفعوا، وينبغي لها أن تدفع أيضا، إلا أنها رفضت مرة أخرى،
وفي مكالمة أخرى، قيل لها إنّها إذا لم تدفع، فسوف تتأذى. قالت ببساطة، “سأعمل على حل هذه المشكلة عندما يتعلق الأمر بعتبة بابي”، وضاعفت الإجراءات الأمنية في موقع البناء الخاص بها.
بالمقابل، طلب منها الهنا، شريكها التجاري، مغادرة البصرة فورا والعودة إلى كردستان، وأعرب عن اعتقاده بأن شجاعتها في مواجهة مثل هذه التهديدات تقترب أحيانا من التهور، حيث يصفها مازحا بـ “المجنونة”.
أخذت ميران بنصيحته على مضض، وعادت إلى كردستان في أيار/مايو قبل أن تسافر إلى الولايات المتحدة لرؤية عائلتها، لكنها عادت إلى البصرة لاستئناف عملها في أيلول/سبتمبر، حيث أحضرت ابنتها الصغيرة وجليسة أطفال. إلا أنه لم يستغرق الأمر وقتا طويلاز حتى عثروا عليها مجددا.
أقامت في فندق البصرة الذي قامت بتجديده قبل بضع سنوات، لكن رئيس أمن الفندق سرعان ما حذرها من أن ميليشيا مدعومة من إيران ربما ستحاول اختطافها، وتقول ميران إن، رئيس الأمن عرض عليها العمل كوسيط مع الميليشيا، وأخبرها أن بإمكانها التسوية مع الميليشيا عن طريق دفع 2 مليون دولار.
لكنها رفضت، وأصبحت أكثر حذرا بشأن تحركاتها حول البصرة، ونادرا ما غادرت الفندق، وحتى داخل الفندق، حاولت الاختباء من كاميرات المراقبة، بحيث يكون من الصعب على أي شخص تعقبها. مشيرة في حديثها إلى أنها كانت تعرف أين توجد كل كاميرا، حيث قامت بتركيبها عندما نفذت مشروع تجديد الفندق.
لحظات تحبس الأنفاس!
لقد فات الأوان، وكانت الميليشيا القوية المدعومة من إيران، “عصائب أهل الحق” – التي صنفتها الولايات المتحدة الآن منظمة إرهابية أجنبية – تراقبها بالفعل.
إذ أنها توجهت في صباح 8 أيلول/سبتمبر، توجهت إلى مبنى مجلس محافظة البصرة، والتقت بمسؤولين اثنين لمناقشة مشروع البناء الذي وضعته، عندما انتهى الاجتماع في حوالي الساعة 11:50 صباحا، خرجت من المبنى مع سائقها وموظف آخر في شركتها، قبل أن تشعر بشيء غريب، فقد اختفى ضباط الشرطة المحليون الذين كانوا يقفون عادة يحرسون خارج المدخل الرئيسي للمبنى.
قاومت ميران شعور عدم الارتياح ومشت بضع خطوات في الشارع إلى حيث كانت سيارتها الرياضية متوقفة، وجلست في مقعدها الخلفي وبدأت في تصفح هاتفها، تحرك السائق قليلا قبل أن يكبح السيارة بشكل مفاجئ، لتنظر إلى الأعلى وترى أربع مركبات تغلق الطريق، بينما سار رجال ملثمون يرتدون ما يشبه الزي الرسمي من نوع سوات ويحملون أسلحة نحو سيارته، حيث وجه أحدهم مسدسا نحو سائقها، ثم فتح رجل بدون قناع، يرتدي سروالا من الجينز وقميصا أبيض، الباب الخلفي بجانبها.
“هل أنت المهندسة سارة حميد؟” سألها، قبل أن يسحبها من السيارة بينما يلقي عليها الشتائم ويزعم، كذبا، أن لديه مذكرة اعتقال من المخابرات العراقية. قائلا: “لديّ قضية ضدك من المخابرات”، وفقا لميران، مبينة أنها لم تكن تواجه أي مشاكل مع جهاز المخابرات، وقد أكدت له ذلك، لكنه وجه مسدسا نحو رأسها وبدأ يسحبها إلى الشارع. ضربها في بطنها بمرفقه، ثم ضربها على جانب وجهها بظهر مسدسه، تاركا كدمة عميقة.
سقطت في الشارع، ثم حملها أربعة رجال، وألقوا بها في مؤخرة إحدى سياراتهم، وغطوها ببطانية، وصعدوا معها إلى الداخل، جردها الرجل الذي كان يرتدي سروالا من الجينز وقميصا أبيض، من مجوهراتها باهظة الثمن، بينما كانوا يهرعون بها إلى مكان مجهول، كما تقول.
انتشر خبر اختطاف ميران، حيث يقول شقيقها، إنه تلقى في 8 سبتمبر/أيلول مكالمة هاتفية من موظف في مشروع البصرة، يبلغه بنبأ اختطافها “أمام مبنى مجلس المحافظة مباشرة”.
اقتادها الخاطفون إلى منزل يبعد حوالي 90 ميلا عن البصرة على الطريق إلى بغداد، حيث أمضت ليلتها الأولى مختطفة، وفي صباح اليوم التالي، تم تقييدها وتكميمها وحشرها في مقصورة مخفية في سيارة دفع رباعي، حيث كانت ميران أثناء القيادة تسمع خاطفيها وهم يمرون عبر نقاط التفتيش الحكومية.
تعذيب في بغداد
اقتادوها إلى منزل بالقرب من جسر السنك في بغداد، وهو الأول من عدة منازل احتجزت فيها في العاصمة العراقية، حيث احتجزت هناك لبضع ساعات فقط وكانت معصوبة العينين، لكنها سمعت أن رجلين سجنا هناك أيضا.
كان الاختطاف عملا تجاريا كبيرا للميليشيات، وعلى مدى الأسابيع القليلة التالية، تم نقلها إلى منازل مختلفة وجرى استجوابها، وأحيانا لساعات في منتصف الليل، وسرعان ما أدركت ميران مدى معرفة خاطفيها بها وبعملياتها التجارية، إذ أنهم كانوا يعرفون، على سبيل المثال، أنها نقلت أموال شركتها من البصرة إلى كردستان من خلال جعل موظف موثوق به يحمل الأموال على متن رحلة تجارية من البصرة إلى أربيل.
كما عرفوا أنها حاولت التهرب من كاميرات المراقبة داخل الفندق، وأخبروها أن ابنتها وجليسة الأطفال قد عادتا إلى كردستان، حيث “كانوا يعرفون كل شيء كنت أعمل عليه، بدا الأمر وكأن لديهم وثائق، كانوا يقلبون الملاحظات والصفحات “، هكذا قالت ميران.
اشتبه خاطفوها في أنها كانت جاسوسة أمريكية، لا يبدو أنهم يتخيلون أي سبب آخر يجعل امرأة كردية لديها عائلة في الولايات المتحدة تعمل على مشروع في البصرة، ولذلك مارسوا التعذيب، ففي منزل في حي البياع في بغداد، تعرضت ميران للضرب المنهجي بالكابلات السلكية، حيث طالبها خاطفوها كل يوم لمدة خمسة أيام بالاعتراف بأنها كانت تعمل لصالح وكالة المخابرات المركزية.
كان خاطفوها يكبلونها بالأصفاد على ذراعيها وساقيها، ويضعونها على الأرض، ثم يقوم رجل يرتدي ملابس سوداء وقناعا، بحسبها، بجلدها 10 مرات بالسلك، ويقطعه عبر كتفيها، وظهرها ويديها وساقيها، لتعاني من شدة التعذيب من ألم حاد لدرجة أن سكب الماء على جلدها بدا كتعذيب.
لكنها رفضت أن تعطي خاطفيها ما يريدون، وقالت: “لم أكن سأعترف بأنني عميلة لوكالة المخابرات المركزية عندما لا أكون كذلك”، مشيرة إلى أنهم “لم يكن لديهم حس سليم، كانوا أغبياء”
فقدت ميران أملها وباتت تعتقد أنها على وشك أن تقتل، وكتبت سرا ملاحظة عن نفسها على ورقة صغيرة، بما في ذلك اسمها وتاريخها، مشيرة إلى أنها اختطفت، وأن خاطفيها زعموا أن لهم صلات بالمخابرات العراقية، حيث لم تكن تعرف بعد أن خاطفيها من عصائب أهل الحق، وأخفت المذكرة في جدار حمام في منزل في مدينة الصدر ببغداد، حيث احتجزت لمدة أسبوعين تقريبا.
واعتقدت أنه، إذا لم تنج فقد يتم اكتشاف بعض المعلومات عن اختطافها في يوم من الأيام على الأقل،
وبينما كافحت ميران من أجل البقاء على قيد الحياة، بدأت عائلتها في كردستان مستخدمة نفوذها المالي والسياسي في لفت الانتباه إلى اختطاف ابنتهم، وعرضت صورتها على التلفزيون الرسمي، وأصبح اختطافها قضية سياسية في كردستان، حيث اعتبرها المسؤولون إهانة للسيادة الكردية من قبل القوات الشيعية المدعومة من إيران.
“توبيخ سليماني”!
استخدمت عائلتها شبكة اتصالاتها السياسية في محاولة للضغط على المسؤولين الحكوميين للمساعدة في إطلاق سراح سارة، ويذكر شقيقها أنه “حاولنا الاتصال بجميع الأشخاص الذين اعتقدنا أنه سيكون لديهم بعض القوة مع الخاطفين – حاولنا الحصول على مساعدة من الكثير من الناس”.
وأشار، إلى أنه “عندما يكون لديك أحد أفراد الأسرة مختطفا، فإنك تتحدث إلى الكثير من الأشخاص الذين لا تريد التحدث إليهم أبدا”، بالمقابل اغتنمت هيرو طالباني، زوجة جلال طالباني، الزعيم الكردي القوي الذي رحل عن منصبه كرئيس للعراق، الفرصة في حفل استقبال في بغداد لإخبار قاسم سليماني حول عملية الاختطاف.
وفي وقت لاحق، وبحسب ميران، فأن هيرو طالباني أخبرتها أنها وبخت سليماني بقولها: “لقد اختطفتها ميليشياتك، أعيدوها”، فيما أصر سليماني بالقول: “إنّها ليست عندنا”.
وفي الوقت نفسه، كتب مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان وزعم الحزب “الديمقراطمي” الأكثر نفوذا، رسالة إلى محافظ البصرة، طالبا منه العمل على إطلاق سراح ميران.
ويرجع “ذا انترسبت”، طلب مقابلة محافط البصرة إلى المستشار الإيراني الذي تحدثت عنه الوثائق المسربة، هو لسبب الضغط الذي مارسته كل من عائلتي طالباني وبارزاني – وهما أقوى عائلتين في كردستان.
وبينما كان المسؤولون الأكراد يمارسون الضغط، تلقت عائلة ميران طلبا للحصول على فدية، بدا على الفور وكأنه عملية احتيال، اتصل أحد أفراد الميليشيا، الذي يبدو أنه يعمل بمفرده، بشقيق ميران، وأخبره أن بإمكانه إطلاق سراحها مقابل المال.
يقول شقيق سيدة الأعمال، “قال لي إن علي أن آتي إلى بغداد، وأن أضع 600 ألف دولار في برميل نفط يستخدم كسلة قمامة، وبعد ذلك سيتم إطلاق سراح سارة، لطلب شقيقها من المتصل التحدث مع سارة، ليتمكنا من التوصل إلى اتفاق، لكن الخاطف قال إن، ذلك غير ممكن، طالبا منه فقط المجيئ إلى بغداد، ووضع المال في البرميل.
فدية بيد رئيس المخابرات!
اتصل شقيق ميران بقائد عسكري عراقي كبير كان يعرفه، ورتب لتتبع رقم الهاتف المحمول للمتصل، ثم ألقي القبض على عضو الميليشيا من منزله في بغداد، وتم نقله إلى البصرة لاستجوابه، ولكن تحت ضغط هائل من الحلفاء السياسيين للميليشيا، تم إطلاق سراح العنصر المعتقل.
وبعد تلك المحاولة، بدأت مفاوضات الفدية الرسمية بين الخاطفين وعائلة ميران وشركاء الأعمال والقادة الأكراد، حيث قال نزار الهنا، “كنت أتفاوض مع الخاطفين، أرادوا مني أن أدفع لهم مباشرة، ورفضت، قلت إنني سأدفع لوسيط”.
من جهته، رتب مسعود بارزاني بين الهنا وزهير الغرباوي رئيس المخابرات العراقية العمل كوسيط، وسلم الهنا مليون دولار إلى الغرباوي ليدفعها للميليشيا، لكن الخاطفين قالوا إن ذلك لم يكن كافيا حيث طالبوا بمبلغ 2 مليون دولار، ما عطل دفع أي فدية، لكن المفاوضات استمرت.
وفي الوقت نفسه، بدأ الخاطفون في طرح أسئلة مفصلة على ميران حول حياتها إذ أدركت أن عليهم تقديم إجابات على الأسئلة التي لن يعرفها سوى هي، لتثبت لعائلتها والآخرين أنها ما تزال على قيد الحياة، لكنها كانت تعرف أيضا أنها إذا أجابت على الأسئلة ودفعت فدية، فإن الميليشيا ستقتلها بدلا من إطلاق سراحها.
كانت الطريقة الوحيدة لضمان بقائها على قيد الحياة هي التأكد من تعثر مفاوضات الفدية، كان عليها شراء الوقت حتى تتمكن من معرفة كيفية الهروب، لذلك قدمت إجابات غير صحيحة على جميع الأسئلة، وكانت مفاوضات الفدية ما تزال جارية عندما أحضر لها حراسها الملعقة المعدنية.
عندما تسلقت ميران من النافذة وأمسكت بأنبوب التصريف خارج المنزل حيث كانت محتجزة، وجدت أن عليها التحرك ببطء للحفاظ على توازنها وتجنب السقوط، ولكن بعد أن نزلت طابق واحدا، نظرت في الظلام وتمكنت من رؤية مدى قربها من سطح المنزل المجاور المكون من طابقين، فقفزت.
دقائق فاصلة
وصلت إلى سطح المنزل المجاور، ثم رأت أنها يمكن أن تصل إلى سطح المنزل الآخر، فقفزت مرة أخرى، استمرت في الركض من سطح إلى آخر، وبمجرد وصولها إلى المنزل السادس، توقفت ونظرت إلى الأسفل من الطابق الثاني، ثم نزلت إلى شرفة ثم إلى الأرض، نظرت حولها بسرعة، وأدركت أنها كانت في الفناء الخلفي لمنزل خاص.
نبهت الضوضاء الناجمة عن سقوطها الناس في الداخل، وكانوا يخشون على الفور من أن اللصوص كانوا يحاولون اقتحام منزلهم، ذهبت ميران إلى الباب الخلفي، ورأت امرأتين ورجلا في الداخل، وطلبت منهم فتح الباب حتى تتمكن من مغادرة منزلهم، لكنهم رفضوا، ثم طلبت منهم الاتصال بالشرطة، وبدلا من ذلك، هددوها بمسدس وسكاكين، وطالبوا بمعرفة سبب ظهورها فجأة في فنائهم الخلفي، ووصفوها بصوت عال بـ “الإرهابية”.
حاولت ميران أن تشرح لهم أنها اختطفت، لكن أصحاب المنازل المذعورين رفضوا تصديقها وقالوا إنهم سيتصلون بالميليشيا للتحقق من قصتها، مع شعور بالغرق، أدركت ميران أن أصحاب المنازل قد يودون بها إلى خاطفيها مجددا، وفي حالة من اليأس، ركضت في الفناء لمعرفة ما إذا كان هناك مكان للاختباء، زحفت تحت قماش أسود يغطي موقدا، بينما استمرت في الصراخ على أصحاب المنازل للاتصال بالشرطة.
وأخيرا أدرك أصحاب المنازل أنها لم تكن تشكل تهديدا فوريا، واتصلوا بالشرطة الاتحادية، عندما وصلت الشرطة، فتشوا ميران بحثا عن أسلحة وقنابل، ثم أحضروها إلى الداخل وسألوها عن هويتها، أخبرت نقيب شرطة من هي، وقد أصيب بالصدمة.
كانت قد فقدت الكثير من الوزن لدرجة أنه لم يتعرف عليها من الصور التي عرضت على التلفزيون العراقي، ليقول لها “أنت لا تبدين مثل سارة على الإطلاق”، قال لها الضابط.
“معركة الكرادة”!
اتصل الضابط بزوج ميران الذي أكد هويتها، وأدرك نقيب الشرطة أنه اكتشف ضحية اختطاف شهيرة، فأحضر ميران إلى سيارته المدرعة، وبينما كان يقدم تقاريره إلى رؤسائه، سمح لها بالجلوس في السيارة وإجراء مكالمات لإخطار أقاربها بأنها حرة.
وحتى مع وجود الشرطة الاتحادية العراقية في مكان الحادث، كانت سارة ميران ما تزال في خطر، فقد كانت قوة كبيرة من الميليشيا التي اختطفتها على وشك إعادة تأكيد نفسها لتبلغ الأزمة ذروتها، اتصلت ميران بشقيقها وأبلغته بوضعها، لينقل المعلومات إلى المسؤولين في بغداد وكردستان، باستخدام هاتف آخر، في حين أبقى الخط مفتوحا مع سارة أثناء الاتصال بجهات الاتصال الخاصة به، حيث ووافق مسؤول كردي على إبلاغ فؤاد معصوم، الزعيم السياسي الكردي الذي خلف حينها جلال طالباني رئيسا للعراق.
كما تواصل شقيق ميران مع لاهور طالباني، كبير مسؤولي مكافحة الإرهاب والاستخبارات في كردستان آنذاك، والذي رتب بسرعة لإرسال الحرس الرئاسي العراقي إلى الحي الذي عثر فيه على سارة، وفي ظل الهيكل السياسي العراقي في مرحلة ما بعد صدام، كان الرئيس العراقي دائما كرديا، وبالتالي كان الحرس الرئاسي أكبر قوة أمنية يسيطر عليها الأكراد وأكثرها فعالية في بغداد. حيث تم إرسال ما مجموعه 40 جنديا وأربعة ضباط من الحرس الرئاسي إلى منطقة الكرادة مكان تواجد سيدة الأعمال.
وبينما كان الحرس الرئاسي يسرع عبر المدينة، أدركت “عصائب أهل الحق” أخيرا أن أحد سجنائها الثمينين قد هرب، وسرعان ما تجمع العشرات من أفراد الميليشيات في الشارع حيث كانت الشرطة الاتحادية تحمي ميران في العربة المدرعة، وبدأ أفراد الميليشيا في الصراخ على الشرطة، وبحسب ميران فأنهم “كانوا يصرخون طلبا لقتلها أو تسليمها”، كانوا يقولون إنها تابعة لوكالة المخابرات المركزية.
فجأة، اندلعت نيران الأسلحة الأوتوماتيكية في الهواء، ليس من الواضح من أطلق النار أولا، لكن المواجهة بين عصائب أهل الحق والشرطة الاتحادية سرعان ما تحولت إلى معركة بالأسلحة النارية، وخلال فترة هدوء، نادى أحد قادة الميليشيا على نقيب الشرطة، الذي كان خارج العربة المدرعة مباشرة، وصرخ قائلاً: “سنفعل أي شيء إذا أعادتها”، ووفقا لميران فقد رفض الضابط، وكانت الدروع المضادة للرصاص في السيارة تصمد تحت نيران مكثفة، مع الحاجة إلى تعزيزات.
أثناء ذلك، كان شقيق ميران قد اتصل بزهير الغرباوي رئيس المخابرات العراقية، ليرسل الغرباوي مجموعة من ضباط المخابرات المسلحة لدعم الشرطة، ومع ذلك، كان عدد أفراد الميليشيا ما يزال يفوق عددهم، حيث تدفق المزيد والمزيد من عناصر الميليشيات إلى الشارع.
وأخيرا، وصلت القوات الرئاسية، مع مركبة عسكرية ثقيلة واحدة على الأقل، متقدمة وسط المعركة، ومع انتشار قواته، رأى قائد الحرس الرئاسي أن “سيدة الأعمال سارة حميد ميران كانت داخل مدرعة تابعة للشرطة الفيدرالية”، وفقًا لمذكرة تضمنت شهادته.
“ليلة في القصر الرئاسي”
ويقول في المذكرة، “سرعان ما جاءت الميليشيات المسلحة نحونا، وادعت أن المختطفة سيدة أعمال يهودية تابعة للموساد الإسرائيلي، وكانت تخطط لتدمير العراق”، موضحا أن “أفراد الميليشيا، المسلحين ببنادق هجومية من طراز M4 ومدافع رشاشة من طراز M2، كانوا يتحدثون باللغة العربية بلكنة لبنانية”. وترتبط الميليشيات المدعومة من إيران في العراق بعلاقات وثيقة مع حزب الله، المنظمة اللبنانية التي تدعمها إيران أيضا.
انضم الحرس الرئاسي إلى الشرطة الاتحادية في تبادل مكثف لإطلاق النار مع الميليشيا، مما أسفر عن إصابة أربعة من أفراد الشرطة الاتحادية ومقتل اثنين من أفراد الميليشيا، وفقا للمذكرة، ونشرت القوة الرئاسية ناقلة جنود مدرعة روسية الصنع ليتمكنوا من إخلاء الرهينة بعيدا عن موقع تبادل إطلاق النار إلى مقر الشرطة الاتحادية، لكن المواجهة لم تنته.
ويقول شقيق ميران، إنه اتصل برئيس الشرطة الاتحادية لتحذيره من أن “الميليشيا قد تهاجم مبنى الشرطة لاستعادة سارة”، في البداية رفض مسؤول الشرطة التحذير، ولكن بعد بضع دقائق، اتصل بشقيق ميران مرة أخرى، وكانت الميليشيا قد هددته للتو، “ما قلته صحيح، خذ سارة بعيدا عن مقري الرئيسي”، قال قائد الشرطة لشقيقها، حيث هددت عناصر الميليشيا بمهاجمة المبنى بالأسلحة الثقيلة.
وتحت حماية الحرس الرئاسي، تم نقل سارة ميران إلى مقر المخابرات العراقية، حيث أصبحت في مأمن أخيرا، وكان مسؤولو المخابرات حريصين على التحدث معها، حيث كان السؤال الأول الذي طرحوه عليها هو: ما هو تاريخ اليوم؟، تقول ميران، وتضيف، “سألوني عن الوقت واليوم، فأخبرتهم في أي يوم كنا، وقالوا إنه من الجيد أنك ما تزالين تتذكرين بشكل جيد. قلت إنني كنت أعد الأيام بأصابع يدي وقدمي.
نقلت ميران، بعد ذلك، إلى القصر الرئاسي، حيث التقت بمعصوم، الرئيس العراقي حينها، وبقيت في القصر لمدة ثلاثة أيام للتعافي، وعندما عرضت القوات الجوية العراقية طائرة لإعادتها إلى كردستان، طلب شقيق ميران أن يطير قائد القوة الجوية معها، ويقول: “بهذه الطريقة فقط لن يسقطوا الطائرة”.
تلقت ميران استقبالا من كبار الشخصيات عندما هبطت في السليمانية، حيث تم لم شملها مع عائلتها، وبعد أسبوع، عادوا جميعا إلى الولايات المتحدة، والتقى بهم مكتب التحقيقات الفيدرالي في مطار دالاس الدولي خارج واشنطن، وأخذ ميران وعائلتها إلى منزلهم في شمال فرجينيا.
استجواب أمريكي.. وتهديد جديد!
وافقت ميران على سلسلة من عمليات استخلاص المعلومات المطولة من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي، الذي أراد أن يفهم بشكل أفضل كيف نفذت ميليشيات مثل “عصائب أهل الحق” عمليات الاختطاف، وأكد مسؤولون أمريكيون أن مكتب التحقيقات الفيدرالي أجرى مقابلة مع ميران بشأن اختطافها.
ومنذ اختطافها، انفصلت ميران وزوجها، وتزوجت مرة أخرى، وما تزال هي وعائلتها يعيشون في شمال فرجينيا، وهي وأطفالها الآن مواطنون أمريكيون.
وتقول ميران إن، في عام 2016، مسؤولا محليا في البصرة أرسل لها رسالة نصية تتضمن صورة لخاتم ماسي على إصبعه، وهو نفس الخاتم الماسي الذي كانت ترتديه عندما اختطفت، والذي أخذه خاطفوها منها، وتضيف أن، المسؤول نقل رسالة من عصائب أهل الحق، يخبرها فيها أنه يمكنها استعادة الخاتم، إلى جانب وعد بالأمان في البصرة، إذا دفعت للميليشيا مليون دولار، لكنها رفضت.
“ومن دون خوف”، سافرت ميران مرارا وتكرارا إلى البصرة منذ الاختطاف لإكمال عملها في مشروعها السكني، وتقول “كان لدي الكثير من المسؤولية ولم يكن لدي أي ضمانات بشأن العودة، لكن كان علي العودة”، وتضيف، “لدي مسدس للدفاع عن نفسي”.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، أثناء عملها على مشروعها في البصرة، حذرتها المخابرات الكردية من تهديد جديد ضد حياتها من ميليشيا مدعومة من إيران.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.