الاعتداءات على معلمي العراق صارت واحدة من الظواهر المقلقة، التي يعاني منها البلد الذي لا تنقصه الاضطرابات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. فوسط الوضع الأمني الهش، والخلافات السياسية غير المنتهية، والمحاصصة في توزيع المناصب، انشغل كثيرون عن متابعة مصير العملية التربوية في البلاد، التي وصلت لحال لم يتوقعه أكثر الناس تشاؤما.

أساليب وحشية بدأت تطال الكوادر التدريسية في العراق، لكن هذه المرة ليس على أيدي الجماعات الإرهابية، التي ترفض التعليم الحديث، بل على أيدي الطلبة أنفسهم. وكان من أشهر الاعتداءات على معلمي العراق قيام بعض الطلاب، في محافظة ذي قار جنوبي البلاد، بحمل السلاح ومهاجمة أبنية مدارسهم، وتهديد حياة العاملين فيها. ما أدى لصدمة في الشارع العراقي.

التدخلات العشائرية وضعف القانون في حماية الكوادر التدريسية دفع الأخيرة إلى المطالبة بسن قوانين أكثر شدة وصرامة، ومعاملة الطلبة المسلحين وفق المادة 4 من قانون مكافحة الإرهاب. على غرار تعامل الجهات المعنية مع ظاهرة “الدكة العشائرية”، والتي تم الحد منها بشكل كبير، بعد محاسبة منفذيها وفقا لهذه المادة.

العشائرية تزيد حال معلمي العراق سوءا

“بعد عام 2003 أصبحت الهيئة التدريسية في العراق محل تهديد حقيقي، والاعتداءات على معلمي العراق تحولت من تصرفات فردية إلى ظاهرة”، وفقاً لنقيب المعلمين العراقيين عباس السوداني.

ويضيف السوداني، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “دخول السلاح في التجاوزات على الهيئة التدريسية يعد مؤشرا خطرا. إذ بات المعلم غير ضامن لحياته أثناء ممارسته واجباته”.

ويحمّل النقيب مسؤولية هذه الاعتداءات إلى “الأجهزة الأمنية والحكومات العراقية المتعاقبة ما بعد 2003، التي لم تول اهتماما جديا للمسيرة التربوية”. وتابع أن “الاعتداءات على معلمي العراق بالأسلحة النارية كانت تحتم دخول الدولة والبلد في حالة طوارئ”.

وأعرب السوداني عن استغرابه من “صمت البرلمان العراقي على ما يحدث، رغم أنه يعتبر ممثلا للشعب العراقي. وعدم عقد جلسة طارئة، وسط هذه التطورات الخطيرة”. مضيفا: “سكوت الدولة العراقية، وتجاهلها لما يحدث في هذا القطاع الحيوي، بدأ يؤشر لدينا على وجود تحركات ممنهجة لهدم القطاع التعليمي في العراق”.

السوداني يؤكد أن “اللجوء إلى العشيرة والحلول العشائرية للتعامل مع قضية الاعتداءات على معلمي العراق، سواء من قبل المعلم أو الطالب، سيؤدي إلى تحطيم هيبة القانون، كما أنه سيكون بمثابة الإهانة للكوادر التدريسية، التي تعرضت لاعتداءات أمام مئات الطلبة والمواطنين”.

نقيب المعلمين العراقيين وجه، عبر “الحل نت”، دعوة إلى الكوادر التدريسية بـ”عدم التنازل عن حقوقها، والتوجه للقضاء”.

مقالات قد تهمك: تمرد العشائر في العراق: ماذا تريد إيران وميليشياتها من الزعامات العشائرية؟

“التعليم في العراق من بريطانيا إلى الصومال”

وأشار عباس السوداني أيضا إلى أن “التعليم العراقي كان، في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، موازيا للتعليم البريطاني، أما اليوم فإنه أصبح موازيا للتعليم في دول مثل الصومال، إذ نشهد إهمالا متعمدا لهموم الطلاب والمعلمين العراقيين”.

ويلفت إلى أن “هنالك خطرا قادما على العراق، إذا استمر الحال على ما هو عليه، والاعتداءات على معلمي العراق إشارة مهمة إلى ما قد يحدث، الأمر الذي يحتاج إلى تغيير جذري في القطاع التعليمي والتربوي، يقوده رئيس الحكومة العراقية نفسه، بدلا من الانشغال بالخلافات السياسية”.

مختتما حديثه بالقول: “أحد المسؤولين في العراق وصف وزارة التربية بالحقيبة الزائدة، والتي لا فائدة منها. ووصول هكذا مسؤولين إلى مناصب رفيعة في الدولة يعد جريمة”.

متى وكيف تتم الاعتداءات على معلمي العراق؟

“الاعتداءات على معلمي العراق اتخذت أشكالا مختلفة عبر الزمن، منها ما كان لفظيا، ومنها ما كان اعتداء باليد. ثم رأينا تجاوزات أخرى، تمثلت بحمل السلاح الأبيض (السكاكين) بوجه المعلم، أو مهاجمته بالعصا. واليوم وصلنا إلى السلاح الناري”. بحسب حسن السعيدي، نقيب فرع المعلمين في محافظة ذي قار.

ويبيّن السعيدي، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “العام الدارسي الجديد شهد تضاعفا في الاعتداءات على المعلمين في محافظة ذي قار، والتي وصلت إلى نحو مئة وستين عملية اعتداء، بعضها عرضت على القضاء، والأخريات تمت تسويتها عبر إدارات المدارس والإشراف التربوي والحلول العشائرية”.

مؤكدا أن “هذه الاعتداءات لم يقم بها الطلبة فقط، بل بعضها ارتكبها أولياء أمورهم، وشمل مراحل تعليمية مختلفة”.

ويلفت السعيدي إلى أن “أغلب الاعتداءات تحصل في نهاية العام الدراسي، بعد إعلان النتائج، ويقوم بها الطلبة الراسبون، أو الذين فشلوا في دخول الامتحانات النهائية (البكالوريا)، أو ممن تم إخراجهم من قاعات الامتحان بسبب الغش”.

وأعرب نقيب المعلمين في ذي قار عن “استنكاره لقرارات هيئة الرأي في وزارة التربية العراقية”، داعيا إياها إلى “أن تكون أكثر رصانة وتربوية”.


ويوضح السعيدي أن “قرارات الهيئة، خلال العامين السابقين، باعتماد النجاح المباشر للمراحل الابتدائية الثلاث الأولى، وكذلك اعتماد دور ثالث للراسبين، فضلا عن إضافة عشر درجات للطلبة، أدت لتسلط الطلاب على الكوادر التدريسية، كما ساهمت باكتظاظ الصفوف التعليمية”.

المدراس باتت موطنا للمخدرات والسلاح

“تقاعس الجهات المعنية عن أداء دورها في التصدي للاعتداءات على معلمي العراق، وعدم اتخاذ أساليب ردع حقيقية، كلها عوامل ساعدت في استفحال الاعتداءات وتحويلها إلى ظاهرة”، هذا ما يراه الباحث التربوي عادل الدراجي.

ويحمّل الدراجي، في حديثه “للحل نت”، مسؤولية هذه الاعتداءات للعائلة بشكل أساسي، لأنها “أصبحت تبحث عن نجاح أبنائها بطرق جاهزة، وترفض محاسبة الكوادر التدريسية للطلاب. إضافة إلى عوامل أخرى، مثل البيئة الاجتماعية، التي أصبحت ملوثة بأمور سلبية كثيرة، مما جعل المعلم ضعيفا داخل مدرسته”، بحسب تعبيره.


ويكشف الباحث التربوي أن “مدارس العراق سجلت عديدا من حالات تعاطي المخدرات والترويج لها، سواء في المدارس الخاصة بالذكور أو الإناث، لكن هذه الحالات لم تعلن، وتم التكتم عليها، تفاديا للصدمة التي قد تهز المجتمع العراقي”.

ويؤكد أن “الاعتداءات على معلمي العراق، وحالات الانحراف الكثيرة في المدارس العراقية، جعلت بعض المدارس تشهد ندوات توعوية، من قبل المنظمات المدنية والشرطة المجتمعية. ولكن أولياء الأمور، وحين مصارحتهم بهذه الحالات، يرفضون الاعتراف بها، ويحاولون تسويف القضية عشائريا ضد إدارات المدارس، وذلك في محاولة للتغطية على فضائح أبنائهم”.

ويختتم الباحث التربوي حديثه بالقول: “عجزت الحكومة العراقية عن وضع أية سياسة تربوية واضحة، وافتقرت وزارة التربية العراقية للإدارات الحكيمة، التي تستطيع التحكم في مفاصل الوزارة، وذلك بسبب ولاءات المدراء للأحزاب المختلفة، وعدم امتلاكهم الأهليّة الكافية لمناصبهم”.

زينة الحمداني، مديرة إحدى المدارس الابتدائية في العاصمة بغداد، قالت لـ”الحل نت”: “في بعض الأوقات أصبحنا نكذب على أنفسنا، عندما ننكر وجود هدم ممنهج للتعليم العراقي. ولكن الواقع يجبرنا، وخاصة مع تصاعد الاعتداءات على معلمي العراق، على الاعتراف بوجود جهات تستهدف القطاع التربوي، لأهداف لا نعلمها، لكن ما نتيقنه أن هؤلاء يريدون إفساد أجيال المستقبل”.

وشددت الحمداني على “ضرورة القيام بثورة تصحيحية، تكون هي الرد الحاسم على الاعتداءات على معلمي العراق، ومتابعة تنفيذ القانون من قبل الجهات المعنية، لأن الطالب العراقي بدأ بالخروج عن السيطرة”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.