في ظل استمرار مأزق روسيا بعد غزوها لأوكرانيا، وكذلك استمرار استعصاء ملف الاتفاق النووي الإيراني ونبذ المجتمع الدولي للدور الإيراني في المنطقة، باتت دمشق محاصرة سياسيا واقتصاديا في الوقت الذي يعاني فيه حلفاؤها من آثار المشاكل التي افتعلوها خلال الفترة الماضية، ولا يبدو أن أي منها في طريقه للحل القريب.

كما أن الوضع الاقتصادي في سوريا، وخاصة في مناطق سيطرة الحكومة السورية، في أسوأ حالاته على الإطلاق، وزاد من تدهوره الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي تزامن مع عوامل اقتصادية أخرى، باتت تدفع بدمشق نحو البحث عن خيارات أخرى تجنبا للانهيار.

ما هي خيارات دمشق؟

يقول الصحفي والكاتب، فراس علاوي، في حديثه لـ”الحل نت”، أن الحكومة السورية تشعر بتضييق الخناق عليها، بسبب العقوبات الغربية من جهة، ونتيجة لتراجع دعم حلفائها في المنطقة وخاصة روسيا بعد مأزقها في غزو أوكرانيا.

وأضاف علاوي، أن دمشق ستعمل على الهروب للأمام في المرحلة القريبة القادمة بطريقتين، الأولى الاعتماد على المسار الأول، وهو مبادرة المبعوث الأممي غير بيدرسن، خطوة مقابل خطوة، والتي تحاول الحكومة السورية أخذ زمام المبادرة فيها حاليا، لتحاول رمي الكرة في ملعب المعارضة في جولة اللجنة الدستورية القادمة، أما الثانية فهي السعي لإعادة إحياء مسار أستانا مرة أخرى، هذا من الناحية السياسية.

أما على صعيد الداخل السوري، فليس لدى دمشق الكثير من الأوراق لاستخدامها في الداخل، في ظل الانهيار الاقتصادي الحالي، وعدم قدرة الحكومة على إحياء هذا الاقتصاد، إلا أنها من الممكن أن تحاول اللعب في ورقة إعادة اللاجئين، عبر العفو الذي صدر مؤخرا عن الرئيس السوري.

من جهته، الكاتب والمحلل السياسي رشيد حوراني، يرى أنه في ظل ما يعانيه حلفاء دمشق، فإن الأخيرة ترى نفسها أمام خيارين، الأول انتظار نتائج العمل العسكري الروسي في أوكرانيا الذي يمنع بوتين وفق ما خطط له بأن يفشل بالكامل، وستبقي دمشق مراوغتها بانتظار هذه النتائج، أما الخيار الثاني وهو الاستناد على ايران بشكل كامل واتباع السلوكيات الاستفزازية التي تتبعها إيران في الإقليم من قبيل استهداف المصالح الامريكية المتواجدة في سورية، وفعلت سابقا عندما حلقت مؤخرا مسيراتها فوق قاعدة التنف.

قد يهمك:هل تتجهز تركيا للتطبيع مع دمشق؟

تقارب تركي- سوري؟

تعاني دمشق من مأزق سياسي مقابل مخططها لإعادة تعويم نفسها على الساحة الإقليمية والدولية، في ظل وجود رأي شبه تام يرفض هذا المسعى في ظل تعنت سياسي وعدم وجود أي رغبة حقيقية لدمشق في تفعيل سبل الحل السياسي والالتزام بضماناته.

ويرى علاوي، أن تركيا حاليا تمر بظروف داخلية مهمة وهي الاستحقاق الانتخابي، ومشكلة في العلاقات الدولية نتيجة للغزو الروسي لأوكرانيا، فهي لا تزال حتى الآن تتخذ موقفا ما بين الغرب والروس، ولم تعلن انحيازها بشكل صريح لأي منهما، وهذا ما يجعل إمكانية إعادة أي نوع من العلاقات بين دمشق وأنقرة حاليا غير واضح.

وأشار علاوي، إلى أنه ينشأ حاليا محور جديد يضم كلا من السعودية وتركيا ومصر، وهو محور يمكنه إعادة التوازن في المنطقة، وقد يحدد علاقات هذا المحور مع الحكومة السورية بمن فيهم تركيا.

وتعمل دمشق بالاستناد على الأدوار السلبية لكل من أطراف مسار “أستانا” (روسيا، تركيا، إيران)، من أجل توسط الإيرانيين والروس لدى الأتراك من أجل إعادة العلاقات، فعلى ما يبدو ترى دمشق أن أعداد اللاجئين السوريين الأكبر الذين تستضيفهم أنقرة، سيساعدونها في تحريك ملف إعادة الإعمار من بوابة الاستخدام الإعلامي والسياسي لورقة اللاجئين، إلا أنه وبحسب مراقبين فإن المطامح التركية في الملف السوري لا تتوافق مع رؤية دمشق وقد لن تتلاقى حتى وإن تلاقوا في وقت سابق من خلال بعض الملفات الأمنية، بحسب متابعة “الحل نت”.

إقرأ:دمشق تغازل أنقرة.. أردوغان يتقارب مع الأسد؟

العلاقات السورية- العربية حل ما قبل الانهيار؟

يرى فراس علاوي، أن هناك محاولات من بعض الدول العربية، لإعادة دمشق للجامعة العربية، وهي إحدى الخطوات التي تسعى دمشق من خلالها للخلاص من تضييق الخناق المفروض عليها، وهي مستعدة لتقديم تنازلات وفق الشروط التي طرحتها الإمارات خلال زيارة وزير خارجيتها السابقة لدمشق، وزيارة الرئيس السوري بشار الأسد للإمارت.

أما رشيد حوراني، فيعتقد أن التقارب مع الدول العربية غير وارد وذلك بسبب صلابة الموقف السعودي القاضي بالابتعاد عن إيران وإخراج ميليشياتها من سورية مقابل دعم سوريا وتمويل إعادة الإعمار.

وبحسب حوراني، فإن دمشق لن تصل لمرحلة الانهيار الأخير بسبب اعتمادها على شبكات التهريب الخاصة بالآثار والمخدرات، والضائقة المالية فقط ستصيب المواطن السوري، ولكن من الممكن أن تصل للانهيار إذا زاد الضغط الشعبي المناهض ضدها بشكل علني، لذلك تعمل دمشق على تخدير الرفض الشعبي لها من خلال إطلاق سراح بعض المعتقلين، وتجديد الأمل لدى جمهور واسع من السوريين بخروج المعتقلين والمغيبين.

أما علاوي، فيرى أنه لو ذهبت الأمور في المنطقة نحو رفض دمشق، ومع توقعات بانهيار اقتصادي كبير خلال الصيف القادم في سوريا، فإن حكومة دمشق ستدخل في مرحلة معقدة تسبق الانهيار الأخير إذا لم يتم إنقاذها بجرعات اقتصادية عاجلة من الدول المساندة لها وعلى رأسها الإمارات.

قد يهمك:زيارة الأسد للإمارات: هل ستتحدى أبو ظبي العقوبات الأميركية على حكومة دمشق؟

محاولات تقوم بها دمشق في سبيل الخروج من مأزقها باتباع طرق مختلفة، وطرق كل الأبواب ومنها العربية، ولكن يبقى هناك حذر لدى جميع المتعاملين مع دمشق من أن تطالهم عقوبات أميريكية، خاصة في ظل رفض الولايات المتحدة دعم جهود إعادة تأهيل الأسد، وعدم تأييد قيام الآخرين بتطبيع العلاقات معه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة