حذرت مختصة كيميائية في معالجة الأورام السرطانية بمدينة القامشلي، شمال شرقي سوريا، من أن التلوث البيئي الناتج عن عودام السيارات المكتظة في المدينة وحراقات النفط البدائية، والمولدات الكهربائية التي تعمل بشكل مستمر، تعد من أبرز أخطر المسببات لتزايد انتشار مرض السرطان شمال شرقي سوريا.

وقالت الدكتورة بلندا عبدالرحمن، مختصة بالمعالجة الكيميائية لمرضى السرطان في مدينة القامشلي، خلال حديث لموقع “الحل نت”، إن هناك مسببات كثيرة للإصابة بأمراض السرطان، كالوراثة والتدخين والبدانة والنظام الصحي غير المتوازن، بالإضافة إلى التلوث البيئي الناتج عن مشتقات النفط واعتماد المنطقة بشكل كلي على الأغذية المستوردة واستخدام السماد الكيميائي للزراعة بدل الطبيعي، علما أن الطبيعي متوفر بكميات كبيرة لدينا.

وأضافت عبدالرحمن، التلوث البيئي ناجم عن استخدام المشتقات النفطية بكثرة من خلال الحراقات البدائية والمداخن واكتظاظ مدينة القامشلي بالسيارت ذات وقود الديزل والمولدات، واستنشاق عوادمها وكذلك انتشار الأوبئة من خلال نهر “جقجق” الملوث الذي يمر وسط القامشلي، والذي يضخ مخلفات معامل الجينز ومعامل أخرى، بالإضافة إلى انتشار أبراج الإنترنت بكثافة ضمن مركز المدن وأطرافها.

فيما أشارت المختصة الكيميائية بالأورام السرطانية إلى أنه من الصعب تحديد احصائيات دقيقة بما يخص العلاقة الوثيقة بين حدوث تطور السرطان والعوامل المسببة لها في هذه المنطقة، بسبب تنقل الأشخاص من بيئة إلى أخرى، وقدوم أشخاص من مناطق مختلفة وتغيير مكانهم ضمن المنطقة الواحدة، فضلا عن غياب مراكز الأبحاث والدراسات التي تعنى بوضع الإحصائيات الدقيقة حول أسباب الإصابة بالسرطان.

“تكاليف بالملايين”

وتشكو (ليلى. ح)، 43 عاما، وهي سيدة من مدينة القامشلي، وأم لخمسة أطفال، مريضة بسرطان الثدي من غلاء أسعار الدواء، فهي تحتاج كل 21 يوما إلى أدوية قيمتها 1500 دولار.

فيما ينتظر محمد كردي، على مدخل عيادة المختصة الكيميائية لمعالجة الأورام، للكشف عن نتائج تحاليل والده الخمسيني سليمان، التي كلفته نحو 100 ألف ليرة، مع إجراء عمليتين لتشخيص واستئصال كتلة في العفج، إحداها بمشافي القامشلي والأخرى في دمشق كلفته نحو عشرة ملايين ليرة سورية (تكلفة العناية لليلة واحدة مليون ليرة) على حد قوله.

وقال كردي، وهو شاب ثلاثيني من عامودا، في حديث لموقع “الحل نت”، إن تكلفة كل جرعة كانت حوالي 80 دولار، وهي مجانية إذا توافرت في مشافي الأورام بمناطق سيطرة حكومة دمشق، ولم يستطع السفر لمرافقة والده لأسباب أمنية.

وبحسب مصدر من مشفى “البيروني” في دمشق، إن مشكلة انقطاع الأدوية تتكرر بشكل دوري، وهو ما قد يدفع المرضى إلى شرائها على نفقتهم.

فيما قدرت مصادر نسبة المصابين بالسرطان من محافظة الحسكة ممن يرتادون مشفى “البيروني” المتخصص بمعالجة السرطانات في دمشق، وهو أحد المشافي المنتشرة في مناطق الحكومة السورية بنسب لا بأس بها.

ويتبع مشفى “البيروني” لوزارة التعليم العالي في دمشق، التي صرحت لوسائل إعلام حكومية مطلع العام الجاري، أن “مسألة نقص الدواء في بعض المشافي ترتبط بالاستجرار المركزي، وسببه العقوبات الاقتصادية والحصار المفروض على البلاد”.

“توفر المعالجة” في القامشلي

في حين تحسنت حالة رجل ستيني من مدينة منبج، جاء إلى عيادة المختصة الكيميائية، بعد أن أجرى خزعات من الكبد لورم بنكرياس في مشافي منبح بتكلفة 150 دولار، ويتابع معالجته في عيادة الدكتورة بلندا عبدالرحمن في القامشلي.

ونوهت عبدالرحمن، بأن المعالجات الكيمياوية والهرمونية والهدفية متوافرة في القامشلي، وأن السفر خارج المنطقة إلى دمشق أو إقليم كردستان العراق قد يكلف المرضى بأضعاف، علما أن تذكرة السفر لشخص واحد تكلف نحو نصف مليون ليرة سورية.

وتفاقمت معاناة مرضى السرطان في مناطق شمال شرقي سوريا، منذ بداية الأزمة السورية، بسبب غلاء الأدوية التي تباع بالدولار، إضافة إلى عدم توفر مركز ضخم للعلاج المجاني في مناطق الإدارة الذاتية واضطرارهم إلى شرائها بأسعار باهظة.

وتعالج المختصة بالعلاج الكيميائي مرضى السرطان في مركزها بمدينة القامشلي كافة الحالات على اختلاف درجات الإصابة، وتضطر لإرسال المرضى إلى مشافي دمشق في الحالات التي تحتاج لعلاج شعاعي أو يود مشع أو بعض الجراحات الدقيقة مثل استئصال المثانة الجذري، لعدم توافرها في المنطقة.

وتنتشر في مناطق شمال شرقي سوريا كل أن أنواع السرطانات، أشيعها سرطان الرئة والثدي والكولون والخصية واللمفومات.

“غياب الدعم”

في حين عزت مسؤولة صحية في الإدارة الذاتية، افتقار المنطقة للمراكز الصحية وفقدان الأدوية اللازمة لمرضى السرطان إلى غياب الدعم الدولي وعدم إيلاء المنظمات الدولية بالإدارة الذاتية كجهة رسمية.

وقالت بيريفان درويش، نائب الرئاسة المشتركة لهيئة الصحة في إقليم الجزيرة، في حديث لموقع “الحل نت”، إنهم يولون القطاع الصحي أهمية كبيرة، وأنشؤوا مراكز صحية عدة في مجال الطبقي المحوري والرنين المغناطيسي ومشفى القلب والعين بمدينة القامشلي وبأسعار رمزية.

وأضافت درويش، أنهم بدؤوا منذ سنة بإنشاء مركز صحي لمعالجة مرضى السرطان، وهو ضمن خطة المشاريع المدعومة لافتتاحه خلال العام المقبل 2023، مشيرة إلى أن تجهيزه بالأجهزة والأدوية يحتاج إلى ميزانية ضخمة وبرعاية منظمات دولية لتمويل المركز لمعالجة المرضى مجانيا.

وفي أيلول/سبتمبر 2020، افتتحت الجمعية السورية لعلاج سرطان الأطفال ورعايتهم بحلب، مركزا لمعالجة الأورام السرطانية ضمن المركز الطبي المحدث (اللؤلؤة) وسط مدينة الحسكة، بتمويل من صندوق سورية الإنسانية الذي تديره الاوتشا (مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية) بالتعاون مع مديرية صحة الحسكة.

وتحتاج مناطق شمال شرقي سوريا إلى دعم دولي بالقطاع الصحي وإيلاء الاهتمام بشكل خاص بمرضى الأورام، في ظل غياب المراكز الصحية المجانية، إضافة إلى ارتفاع أسعار الأدوية اللازمة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.