من جديد يؤكد الاتحاد الأوروبي على العوامل الرئيسية التي تحكم سياسته الخارجية إزاء الملف السوري، حيث أعلنت بروكسل يوم أمس الأحد عن تمسكها بثلاثة خطوط حمراء، فيما يتعلق بسياسة الاتحاد تجاه دمشق.

الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، قال أمس الأحد، إن الاتحاد الأوروبي متمسك بـ”خطوطه الحمراء الثلاثة”، التي تتضمن عدم المساهمة بإعمار سوريا وعدم رفع العقوبات وعدم إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع دمشق، ما لم يتم إنجاز انتقال سياسي حقيقي وشامل.

هذا التصريح والذي يتزامن مع احتضان بروكسل، اليوم الاثنين وغدا الثلاثاء، فعاليات مؤتمر الدول المانحة من أجل اللاجئين السوريين والمجتمعات المضيفة لهم، يشير إلى أن الاتحاد الأوروبي سيواصل سياسته في سوريا، وربما يزيد من حضوره في الملف السوري، لا سيما بعد دعم دمشق للأزمة التي افتعلها الغزو الروسي لأوكرانيا. فما هي احتمالات تأثير الدور الأوروبي على تحقيق تحريك إيجابي في الملف السوري؟

أوكرانيا تضع سوريا ضمن صفقة محتملة؟

بحسب إعلان بوريل، فإنه “لم تتغير المواقف السياسية للاتحاد الأوروبي؛ لأن سلوك (النظام السوري) لا يتغير”، وعليه يتوقع الصحفي والكاتب، فراس علاوي، خلال حديثه لـ”الحل نت”، بأن الحضور الأوروبي مرتبط بتطورات الملف السوري بشكل كامل.

ويضيف علاوي، أن تنامي الأحداث في أوكرانيا مع روسيا، سيكون له أثر حتمي على سوريا، ففي حال حدث صدام دولي ستكون سوريا هي أحد الملفات حال الوصول لصفقة شاملة. أما الاحتمال الآخر لسياسة الاتحاد الأوروبي القادمة، إذا لم يحدث تحرك إيجابي، فسيكون تحرك على الصعيد الإنساني أكثر من الصعيد السياسي، لأنه في الوقت الحالي يوجد انسداد في أفق الحالة السياسية.

ووفقا لعلاوي، فإن استمرار تلويح الاتحاد الأوروبي بــ”لاءاته الثلاث”، هو تأكيد على أنه يسير بنفس النهج الذي تحتذيه الولايات المتحدة الأميركية، والذي يضع عدم إعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، وعدم المساهمة في إعادة الإعمار، بالإضافة للتطبيق مخرجات القرار 2254، ضمن أولوياته حتى تتجه دمشق لتنفيذ التزاماتها.

من جهته، يؤكد الصحفي والباحث في مجال التحول السياسي داخل سوريا، عروة خليفة، أن “الغزو الروسي لأوكرانيا كان له تأثير ما، من خلال زيادة صلابة الموقف الأوروبي حول العلاقات مع النظام السوري، والتي كانت قد تعرضت لضغط معاكس من بعض الدول الأوروبية في سبيل إنهاء ملف اللجوء السوري”.

ويضيف خليفة، في حديثه لـ”الحل نت”، أنه رغم كل ذلك بقي موقف الدول الأوروبية الكبرى مثل ألمانيا وفرنسا واضحا تجاه رفض تطبيع العلاقات مع دمشق، أو تقديم أي مكافئات في سياق إعادة الإعمار.

وبالنتيجة يعتقد خليفة، أنه “ليس من المؤكد أن يكون لهذا الموقف أي أثر على المسار السياسي السوري، من ناحية تطبيق مزيد من الضغوط على النظام وحلفائه الروس والإيرانيين، ولا يمكن قراءته بما يتعدى ثبات الموقف الأوروبي على رفض إعادة تأهيل النظام”.

للقراءة أو الاستماع: توقعات بتدهور العلاقات الإسرائيلية الروسية في سوريا

دمشق فشلت في الاختبار

منذ بداية الصراع في سوريا عام 2011، كان الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه وفقا لتصريحات بوريل، أكبر مانح للمساعدات الإنسانية، و”مساعدات الصمود لسوريا والمنطقة بقيمة 27.4 مليار يورو”.

وعن أفق تصريحات بوريل التي تزامنت مع انعقاد مؤتمر المانحين في بروكسل، قال الباحث في “المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام”، رشيد حوراني، لـ”الحل نت”، أن دمشق لم تتعاون مع كافة الطلبات الأوروبية بشكل جدي، على الرغم من أن روسيا حاولت تأهيل دمشق من البوابة الأوربية حتى قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، إلا أن ملفات عديدة يطلبها الاتحاد الأوروبي من دمشق بقيت، وتعاملت معها بالمناورة.

وأوضح حوراني، أن هذه الملفات هي المعتقلين والإصلاح والانتقال السياسي الذي جاء في تصريح بوريل، ولهذا فإن الاتحاد الأوربي سيواصل سياسته الرافضة لحكومة دمشق، أو الذي حددها بخطوطه الحمراء الثلاثة، ويمكن اعتبار هذه الخطوط على أنها لبناء الثقة، أو خطوة مقابل خطوة، واختبار مدى جدية دمشق للتعاون.

أما عن زيادة الحضور الأوروبي في سوريا بشكل عام، والدول الغربية بشكل خاص فهو وارد جدا، من وجهة نظر حوراني، لأن سوريا هي واحدة من الساحات المهمة لروسيا، ومن الممكن أن يستخدمها الاتحاد الأوروبي واجهة للضغط على روسيا بسبل وصور متعددة.

وفي هذا السياق، يشير حوراني، إلى أنه يمكن القول أن زيارة مندوبة واشنطن في الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، إلى تركيا للاطلاع على وضع الحدود وإبقائها مفتوحة، تأتي في إطار توجيه الرسائل لروسيا بأن المجتمع الغربي عازم على استخدام كافة الأوراق ضدها.

وقياسا على دور الاتحاد الأوروبي خلال السنوات السابقة، والذي يتمثل بعدم وجود استراتيجية واضحة له للتعامل مع الحالة السورية، فيعتقد حوراني، أنه لن يكون هناك تحريك إيجابي للملف السوري، وسيبقى الأمر مقتصر على مواقف تتخذها هذه الدولة أو تلك.

أما في حال افتراض أن الحرب في أوكرانيا ألزمته بضرورة وضع خطة يستثمر فيها إمكانياته الهائلة والمؤثرة، ويوظف الورقة السورية، “فيمكن تحقيق مهام وأهداف كبيرة لصالح الملف السوري سواء على الصعيد الإنساني أو السياسي أو القانوني بتحريك المحاكم لمحاكمة النظام على جرائمه”.

الجدير ذكره، أن المسؤول الأوروبي علل عدم دعوة روسيا إلى مؤتمر بروكسل على عكس ما جرى في الدورات الخمس الماضية، قائلا: “ندعو الشركاء الذين لديهم مصلحة حقيقية للمساهمة في إحلال السلام في العالم ومساعدة ضحايا الصراع. لقد أثبتت روسيا من خلال عدوانها على أوكرانيا أنها لا تشارك هذه المصلحة”.

للقراءة أو الاستماع: ماكرون في “الإليزيه” مرة ثانية.. ماذا سيقدم للملف السوري؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.