يشكك مراقبون اقتصاديون في الأهداف المعلنة من قرار مصرف سوريا المركزي بإعفاء الإيداعات النقدية الجديدة من سقف السحب اليومي، والذي يهدف -بحسب المركزي- إلى تحفيز استثمار المدخرات النقدية في القطاع المصرفي.

وفيما يشكل رفع سقف السحب اليومي تخفيفا للقيود وليس إلغاء لها، جاءت صيغة القرار مبهمة وغير واضحة، كما ميزت بين الإيداعات الجديدة والقديمة، ما يعزز فرضية أن القرار يصب في صالح فئة مستهدفة.

وأصدر “مصرف سوريا المركزي” في نيسان/أبريل الماضي، قرارا بإعفاء الإيداعات النقدية الجديدة للأشخاص الطبيعيين والاعتباريين من سقف السحب اليومي، على أن تكون تلك الإيداعات تم قبولها بعد تاريخ نفاذ القرار 68 تاريخ 3- 4- 2022، والذي حدد سقف السحب النقدي اليومي بمبلغ 5 ملايين ليرة سورية.

وأوضح المصرف في تعميمه الجديد، والموجه إلى كافة المؤسسات المالية المصرفية في سوريا، أن سقف السحب النقدي اليومي المحدد وفق البند 1 من التعميم 920 تاريخ 22- 2- 2022، يبقى ساريا على كافة الحسابات والودائع المتعاقد عليها قبل تاريخ نفاذ القرار 68، وعلى الودائع التي يتم تجديدها بعد تاريخ نفاذ القرار نفسه.

وبموجب القرار الجديد، يمكن للمودع عند انتهاء أجل الوديعة، ورغبته بسحبها، أن يتجاوز السقف المحدد للسحب اليومي. وبرر المصرف القرار، بأنه يأتي في سياق التوجهات الأخيرة التي اتخذها “مجلس النقد والتسليف” على صعيد السياسة النقدية والتسليفية، بهدف تحفيز استثمار المدخرات النقدية في القطاع المصرفي.

القرارات القديمة أثبتت فشلها؟

وكان مصرف سوريا المركزي أصدر في شباط/فبراير الماضي، تعميما رفع من خلاله سقف السحب اليومي من الحسابات المصرفية من مليوني ليرة سوريا إلى 5 ملايين ليرة سورية، وإلى 10 ملايين للبيوع العقارية، وذلك بعد موجة انتقادات من قبل خبراء في الاقتصاد أكدوا أن سقف السحب اليومي لا يتناسب وقرار تحويل 15 بالمئة من قيمة البيوع عبر المصارف.

ويرى المحلل أيمن عبد النور خلال حديث لـ”الحل نت” أن مصرف سوريا المركزي بحاول التعامل وفقا لمستجدات السوق. فقد “أدت القرارات السابقة بتقييد سحب السيولة إلى تقليص كبير في النشاط الاقتصادي بينما لم تساهم في المقابل، في رفع قيمة العملة المحلية”.

و يقرأ عبد النور القرار الجديد بمحاولة حكومة دمشق “استهداف إيداعات جديدة ناجمة عن أموال المدخرين أو الحوالات الخارجية التي ينأى أصحابها -عادة- عن وضعها في المصارف بسبب القرارات السابقة المتعلقة بتقييد السحب اليومي”.

ويضيف بأن دمشق لجأت إلى إعفاء الإيداعات الجديدة من قرار تقييد السحب اليومي بـ5 ملايين ليرة كحل وسط يمكن من خلاله العمل على تنشيط السوق الاقتصادي، وتحفيزا للمواطنين الذين يدخرون أموالهم بعيدا عن المصارف لإيداعها بدون تقييد على السحب اليومي.

من جانبه ينتقد الباحث الاقتصادي يحيى السيد عمر خلال حديث لـ”الحل نت” تمييزية القرار إذ “من حيث المبدأ لا يجوز وجود عدة سياسات في التعامل مع ذات الشرائح من العملاء، فللعملاء القدامى سقف سحب محدد وللجدد سقف آخر، وهذا يقوض الثقة المصرفية المتزعزعة أساسا”.

ويتفق أيمن عبد النور مع هذه القراءة، معتبرا أن القرار “تمييزي ويخدم فئة محددة تتمثل بالتجار وبالمدخرين بعيدا عن المصارف وفق تنسيق بين هذه الفئة والحكومة”.

ويوضح بأن “القرارات السابقة المتمثلة بتقييد سقف السحب اليومي لم تحقق الغايات المرجوة منها من تخفيف قيمة القطع والقيمة النقدية الموجودة في السوق. وبالتالي المحافظة على استقرار سعر الصرف، وقد حققت هذه الإجراءات فشلا ذريعا ما يجعل الحكومة تبدأ بسياسة نقدية جديدة”.

وبالتوازي، جاءت صيغة القرار الجديد مبهمة، فهو “ينص على أنه يمكن للمودع سواء أكان شخصا طبيعيا أو اعتباريا تجاوز السقف المحدد من السحب، لكنه لم يحدد الحد الأعلى، ولم يوضح فيما إذا السحب بدون سقف” بحسب الباحث الاقتصادي يحيى السيد عمر. الذي يضيف أن تبريرات القرار بأنها أتت لتعزيز الاستثمارات النقدية، غير دقيقة، كون رفع سقف السحب يجب أن يكون على كل الودائع في حال كان الهدف تعزيز الاستثمارات.

وفيما يتعلق بتأثير القرار على زيادة الإيداعات، يوضح السيد عمر أنه “غالبا لن يكون له انعكاس واضح، وذلك كون الفائدة الممنوحة للودائع تقل بدرجة كبيرة جدا عن معدل التضخم، فالإيداع يعني تآكل أرصدة المودعين، كما أن ثقة الجمهور العام بالمصارف السورية منخفضة، ففي أي لحظة يمكن تقييد السحب أو حتى إلغاؤه”.

كما يؤكد بأن حكومة دمشق لجأت سابقا لتقييد السحب اليومي كونها تدرك غياب ثقة العملاء بالنظام المصرفي السوري، وعليه يرجح بأنه عند إلغاء التقييد لن يتبقى أرصدة كافية في المصارف، إضافة لاتخاذه التقييد أداة لمواجهة الدولرة في ظل التدهور الحاد الذي شهدته الليرة السورية سابقا.

انتقادات متعددة

وفي وسائل إعلام محلية، أثار القرار آراء متباينة حول صوابيته وتوقيته، وقدرة المصرف على التعامل بازدواجية مع حسابات المودعين السابقة واللاحقة.

ونقلت وسائل إعلام عن الخبير الاقتصادي عامر شهدا أن القرارات الصادرة هي “عملية هروب من إيجاد حلول جذرية للسياسة النقدية، فالتشجيع على الإيداع لا يتم من خلال الإعفاء من العمولات أو سقف السحب النقدي، فهذه إجراءات محدودة الأثر ولن تثمر عن ازدياد في نسب الودائع”. مؤكدا أن “التشجيع على الإيداع في الفترة الحالية هو ضرب من الخيال في ظل ما يعانيه السوق من حالة ركود وتراجع في الاستهلاك، فالإيداع حاليا يضعف الاستهلاك، وبالمقابل تشتد الحاجة للاستهلاك، ورفع القدرة الشرائية لدفع عجلة الإنتاج”.

وبيّن شهدا أن التشجيع على الإيداع برفع الفوائد غير مجد على الصعيد الحكومي إن لم يقابله فتح قنوات استثمارية توظف تلك الإيداعات، وغير مجد أيضا للمواطنين في ظل غياب دراسة لمقارنة الفائدة مع نسب التضخم الحاصل خلال فترة الإيداع للتأكد من فعالية القرار، واعتبار الفائدة المطبقة مجزية وجاذبة للإيداع.

وبالموازاة مع ذلك، نقلت وسائل إعلام محلية عن وزيرة الاقتصاد والتجارة سابقا، لمياء عاصي أن القرار “تمييزي ويتناقض مع حقوق المودعين، كما أنه يضعف الثقة بالمركزي وبقراراته”، لأنه “ينص على التمييز بين الودائع الجديدة والقديمة وإعفاء الودائع الجديدة حصرا من تطبيق سقف السحب اليومي، وإبقاء الودائع القديمة خاضعة لقيود سقف السحب”.

وأضافت عاصي “إذا سلمنا جدلا، بأن هدف تحديد سقف السحب اليومي من الودائع هو لجم جماح التضخم، يجب على الأقل أن لا تكون القرارات تمييزية بين الودائع القديمة والجديدة لأن التفسيرات لمثل هذه القرارات بأنها تفصيل على مقاس البعض”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.