تعتبر عودة اللاجئين السوريين أحد أهم القضايا المطروحة في ساحة المزايدات السياسة الداخلية في تركيا. إذ يعتبر البعض ملف اللاجئين السوريين جانبا من مفهوم الأمن القومي التركي، مما يجعله مثارا للتجاذبات السياسية الحادة.
وفي الثالث من أيار/مايو الحالي كشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال كلمة له في مراسم تسليم منازل مبنية من الطوب، في مخيم كمونة بمنطقة سرمدا التابعة لمحافظة إدلب، عن “تحضير أنقرة مشروعا يتيح العودة الطوعية لمليون سوري”.
ووعد الرئيس التركي بأن “بلاده ستستمر بمساعدة السوريين، وسيكون مئة ألف منزل على الأقل جاهزا في شمال غرب سوريا، لاستقبال اللاجئين العائدين، بحلول نهاية العام الحالي”.
وأشار الرئيس أردوغان إلى أن “المشروع سيتم تنفيذه بدعم من منظمات مدنية تركية ودولية، وسيكون شاملا بصورة كبيرة، وسينفذ في ثلاث عشرة منطقة، على رأسها إعزاز وجرابلس والباب في ريف حلب الشمالي، وشرقا في تل أبيض ورأس العين، في منطقة عمليات نبع السلام، بالتعاون مع المجالس المحلية في تلك المناطق”.
فهل الشمال السوري بيئة آمنة لعودة اللاجئين السوريين، التي يصفها أردوغان بـ”الطوعية”؟
تعقيد الوضع في الشمال السوري
“الرابطة السورية لكرامة المواطن” نظمت، بالتعاون مع منظمة “سولاريس” التركية، مؤتمرا في أنقرة، في العاشر من شباط/فبراير 2022، بعنوان “البيئة الآمنة والعودة الطوعية”، شاركت فيه شخصيات أكاديمية وسياسية وإعلامية سورية وتركية، وممثلون عن المجتمع المدني.
وعرض د.علي ظافر ساغير أوغلو، الباحث التركي، دراسة ميدانية خلال المؤتمر، أجرتها جامعة “أنقرة بيازيد”، أكدت أن “ثلاثة وخمسين بالمئة من السوريين يريدون البقاء في تركيا، ويرون أن سوريا غير آمنة للعودة، والسبب الرئيسي هو ممارسات الحكومة السورية. أما البقية فيفضل معظمهم الهجرة إلى أوروبا”.
و تابع الدكتور ساغير أوغلو أن “الوضع على الخريطة السياسية في سوريا شديد التعقيد، في ظل السيطرة القوية لقوات الحكومة السورية، بدعم روسي إيراني، فضلا عن وجود قوات حزب الله وروسيا وتركيا، وقوى أخرى كثيرة، تتشارك جميعها السيطرة على الأرض السورية، لذا فالعودة لا يمكن النظر لها من زاوية دون أخرى، فهي موضوع شامل”.
من جهتها أكدت د.زينب شاهين منجوتيك، من “مركز بون للتغيير”، خلال مداخلتها في المؤتمر، أن “الوضع في سوريا غير آمن وغير مستقر”.
أنقرة تخطط بشكل استراتيجي لعودة اللاجئين السوريين
الأستاذ طه الغازي، الناشط في قضايا حقوق اللاجئين، قال لموقع “الحل نت” إن “مشروع عودة اللاجئين السوريين من تركيا، وغيرها من دول اللجوء، قديم، ويتم التخطيط له منذ فترة”.
مذكّرا بتصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في أيلول/سبتمبر الفائت، حين أعلن عن “وجود مسار إيجابي من قبل المجتمع الدولي للعودة الطوعية”. إضافة لما أعلن عنه أوغلو عن “تنسيق بين أربع دول (تركيا العراق لبنان الأردن) للوصول لتفاهمات وتوافقات ميدانية لإعادة اللاجئين السوريين”.
ويضيف الغازي أن “آخر تصريحات الوزير التركي، حول مشروع عودة اللاجئين السوريين الطوعية، كانت خلال لقائه مع نظيره الأردني أيمن الصفدي قبل حوالي ستة أشهر، مما يعني أن ارتباط المشروع بالانتخابات التركية، وانسياق الحكومة التركية لخطابات ونداءات المعارضة، المطالبة بإعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، هو ارتباط جزئي. فأنقرة تخطط بشكل استراتيجي لإعادة السويين، بغض النظر عن تقلبات الصراع السياسي بين الأحزاب التركية”.
إعادة توطين وليس عودة طوعية للاجئين
ويشير الغازي إلى “تناقض الخطاب الحكومي التركي، فقد صرح وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، في حديثه لقناة TGRT التركية مؤخرا، أن الشمال السوري غير آمن لعودة اللاجئين السوريين، بسبب تعرضه لقصف القوات النظامية، وأيضا ما سماه ميلشيات PPK وPYD، ما أدى لسقوط قتلى من العسكريين الأتراك. في حين تعلن الحكومة التركية نيتها تنفيذ مشروع عودة طوعية لمليون لاجئ، ما يعني اعتبارها المنطقة آمنة للعودة. وهذا يطرح أسئلة كثيرة عن رؤية الحكومة التركية للموضوع”.
معتبرا أن “الطرح الحكومي التركي لا يتطابق مع المفهوم الأساسي للعودة الطوعية. فهذا المفهوم يعني عودة اللاجئ إلى بيته ومنطقته، أما نقل اللاجئين إلى منطقة جغرافية محددة سلفا، وبأعداد محددة، فلا يمكن اعتباره عودة طوعية. فضلا عن أن العودة الطوعية تتنافى من حيث المبدأ مع تحديد أعداد العائدين”.
ويشدد الغازي على أن “عودة اللاجئين السوريين، المنحدرين من مدن مثل دمشق أو دير الزور أو اللاذقية، إلى إدلب ومناطق الشمال السوري تندرج ضمن مفهوم إعادة التوطين، وليس العودة الطوعية، ما قد يؤدي لاحقا لتغيير ديمغرافي في المنطقة. وفي حال غياب التمثيل السوري عن التنسيق والإشراف على العملية، فقد تمهد إعادة التوطين لتقسيم سوريا”.
مقالات قد تهمك: العودة “الطوعية” للسوريين: ترحيل جماعي من تركيا أم خطة لجلب الاستقرار؟
عودة اللاجئين السوريين ستضاعف مشاكل الشمال
الأستاذ غزوان قرنفل، مدير تجمع المحامين السوريين، نفى إمكانية اعتبار الشمال منطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين، استنادا إلى تقارير الأمم المتحدة، والمنظمات الحقوقية الدولية، والتي اعتبرت كامل الجغرافيا السورية مناطق غير آمنة.
وفي حديثه لموقع “الحل نت” يشير قرنفل إلى “تعرض منطقة الشمال السوري لقصف متكرر من قبل الطيران الروسي والسوري، أو من قبل سلاح المدفعية التابع للقوات النظامية. إضافة لما تشهده المنطقة من اقتتال داخلي بين الفصائل التي تسيطر على المنطقة، رغم تبعيتها للجيش الوطني المعارض الموالي لتركيا؛ وما تمارسه هذه الفصائل من جرائم وانتهاكات بحق القاطنين في مناطق سيطرتها، مما يؤدي لانتهاك أغلب المعايير المطلوبة لتصنيف المنطقة آمنةً لعودة اللاجئين السوريين”.
وبحسب قرنفل “لا بد من توافر عناصر الأمان والحرية والكرامة في أي منطقة، لكي يمكن اعتبارها آمنة. وفي ظل عدم شعور الإنسان بالأمن على نفسه وأهله وأملاكه في مناطق الشمال السوري، لا يمكن اعتبارها مؤهلة لعودة اللاجئين السوريين”.
من جهته يتحدث طه الغازي عن “الفساد الأمني المنتشر في مناطق الشمال السوري، إلى جانب أشكال أخرى من الفساد. إضافة لما يعتري المنطقة من قصور خدمي. فالمنظومة التعليمية مهلهلة، وضاعف أزمتها انسحاب عدد من المنظمات التعليمية مؤخرا من المنطقة، ما يهدد بحرمان أربعة وأربعين ألف طفل من التعليم”.
مختتما حديثه بالقول: “في ظل الكثافة السكانية الكبيرة، التي تشهدها مناطق الشمال السوري، فإن عودة اللاجئين السورين، التي يسميها المسؤولون الأتراك عودة طوعية، ستؤدي إلى مضاعفة الاكتظاظ السكاني، مما يؤدي بدوره إلى تضاعف المشاكل المعيشية والصحية والتعليمية والأمنية، في بيئة غير آمنة أصلا”.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.