خلال السنوات القليلة الماضية، اتخذت العديد من الدول العربية خطوات نحو تطبيع العلاقات مع سوريا، فأعادت الإمارات العربية المتحدة فتح سفارتها هناك في عام 2018، ويقوم شركاء أميركيون إقليميون مهمون مثل مصر والأردن بالتجارة مع دمشق مرة أخرى، لكن عددا من الدول العربية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، ترددت حتى الآن في تطبيع علاقاتها مع دمشق، واشترطت هذه الخطوة بتقدم سوريا نحو حل سياسي على أساس قرار مجلس الأمن رقم 2254.

فمع دخول الرئيس بايدن البيت الأبيض، واستغلال إيران لانشغال روسيا بغزوها لأوكرانيا في توسيع نفوذها، يبدو تغيير الموقف العربي من سوريا ممكنا، وذلك استنادا إلى ما تحدث به الملك الأردني عبد الله الثاني، والذي حذر فيه، من الفراغ الذي ستتركه روسيا جنوب سوريا والذي ستملؤه إيران ووكلاؤها، يترتب على ذلك تصعيد محتمل للمشاكل على حدود بلاده، فهل آفاق هذه الخطوات الدراماتيكية للتطبيع مع دمشق بدأت بالتلاشي؟

الأسد لم يوفر المناخ المناسب

تساعد العلاقات المتجددة مع الحكومة السورية والرئيس السوري، بشار الأسد، الدول العربية على شراء النفوذ سوريا واتجاه سياساتها، وبالتالي موازنة قوة إيران وتقليل نفوذها هناك، حيث كان المطلب الأول للورقة التي قدمتها الأردن، والتي تبناها المبعوث الدولي إلى سوريا، غير بيدرسن، عبر مبادرة “خطوة مقابل خطوة”.

السبب الرئيسي في تراجع إعادة العلاقات مع دمشق، يرجعه المختصّ في الدراسات الأمنية والإستراتيجية، الدكتور عامر السبايلة، خلال حديثه لـ”الحل نت”، إلى المناخ الدولي، حيث أشار إلى أن هذا المناخ غير متوفر اليوم لموضوع الحل في سوريا.

وأشار السبايلة، إلى أن الأزمة السورية، أصبحت ينظر إليها من زاويتين، الأولى من الزاوية الروسية من جهة، وإقليميا من الزاوية الإيرانية وتداعياتها الأمنية.

وأوضح السبايلة، أن المجتمع الدولي والعربي، يرى في الوقت الحاضر، أنه ليس هناك أولوية وأرضية للمضي قدما في عملية تقديم حلول للأزمة السورية، مبينا أن سوريا اليوم هي جزء من موضوع روسيا، ووقوف دمشق في وجه روسيا له ثمن.

وبالتالي، حلفاء الولايات المتحدة من الدول العربية التي رغبت في إعادة بناء العلاقة، تتعثر جهودهم بسبب هذا الموقف الدولي من روسيا، كما إن دمشق لم تحسم موقفها من إيران في تقديم تنازلات أو ضمانات، وعليه كل هذه المعطيات، بنظر السبايلة، جعلت الأزمة السورية تفقد أولويتها بالنسبة للكثيرين، وتبدد المناخ الدولي لفكرة السكوت حتى عن بعض الإجراءات التي كانت تقوم بها بعض الدول لبداية إيجاد حل.

الفيتو السعودي

لا تزال مسألة صلاحية الحكومة السورية، حرجة لدول الخليج بشكل خاص والدول العربية بشكل عام، حيث لا تريد هذه الدول أن يتم تصويرها على أنها تضفي الشرعية عليها، مع استمرار احتضانها لإيران خصوصا، ومع ذلك، يبدو أن هناك تفاهما يتخلل تدريجيا بينهم بأن لديهم القدرة على التأثير على ما يحدث في سوريا، ولو بشكل ضئيل للغاية، وخاصة لتعويض التدخل الإيراني في البلاد.

المحلل السياسي السوري، درويش خليفة، في حديثه لـ”الحل نت”، قال إنه لم يكن لدى الدول العربية، نية كاملة للتطبيع مع دمشق، وبالنظر إلى أن الدول العربية الآن ليست كتلة واحدة في القضية السورية، إلا أن كفة المملكة العربية السعودية حول رفض التطبيع مع سوريا تكفي لتغيير مسار الأغلبية العربية، كما حدث في التصويت على تجميد مقعد سوريا في الجامعة العربية.

من جهته ذكر الصحفي السوري، عمر الحوراني، لـ”الحل نت”، أنه في الوقت الحالي، لا يزال الحوار بين السعودية وسوريا في مراحله الأولية، علاوة على ذلك، ليس من الواضح كيف تنظر إيران إلى الدفء في العلاقات بين الدول العربية وسوريا، وما إذا كان يخدم أي مصالح إيرانية، ومدى استعداد السعوديين للاستثمار في سوريا، سياسيا أو اقتصاديا.

لكن على أي حال، ومع تطور الأحداث في أوكرانيا، واستغلال إيران لذلك، يعتقد الحريري، أنه يجب  الاستفادة من هذ الأجواء من قبل دول المنطقة، والعمل بشكل استباقي مع دول الخليج لتشكيل جبهة متماسكة تتحدى “التخريب الإيراني” ومحاولتها من إحداث تغيير إشكالي في البنية الإقليمية.

استياء من سلوك دمشق

تُظهر التصريحات الأردنية الأخيرة، استياء واضحا من تصرفات السلطات السورية في جنوب سوريا، بسبب عدم قدرتها أو رغبتها في تقييد نشاط المليشيات الإيرانية، حيث ارتفع عدد مواقعها في درعا والسويداء بين فبراير/شباط وأيار/مايو 2022، بمساعدة ومشاركة الفرقة الرابعة التابعة للجيش السوري، التي تتشارك في عمليات التهريب مع هذه المليشيات.

في الـ 19 من أيار/مايو الجاري، حذر العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، من الفراغ الذي ستحدثه روسيا في جنوب سوريا، والذي ستملأه إيران ووكلاؤها، واحتمال تصعيد المشاكل على طول الحدود الأردنية.

جاء ذلك، بعد أن اتهم مدير أمن الحدود الأردني، العميد أحمد هاشم خليفات، الجيش السوري بمساعدة مهربي المخدرات والمليشيات الإيرانية، لتنفيذ عمليات تهريب على الحدود الأردنية، وبذلك، تم تحميل الحكومة السورية لأول مرة المسؤولية عن الانتهاكات والمشاكل الأمنية الواقعة على الحدود الأردنية، منذ افتتاح معبر جابر – نصيب، بين الطرفين في أيلول/ سبتمبر 2021.

تراجع الحديث بشكل ملحوظ في الأوساط العربية عن تطبيع العلاقات مع دمشق منذ شباط/ فبراير 2022، بعد غزو روسيا لأوكرانيا، فسره مركز “جسور للدراسات”، بأنه يأتي بسبب تراجع أولويات السياسة الخارجية الروسية في سوريا، وسيترك أثرا مباشرا على هذا المسار.

وأشار المركز، إلى أن المخاوف العربية من زيادة نفوذ إيران في سوريا، نتيجة تساهل روسيا، لا سيما بعد زيارة علي مملوك، رئيس مكتب الأمن الوطني، في نهاية شباط/ فبراير الفائت، ومن ثم زيارة بشار الأسد لها مطلع أيار/مايو الجاري، قد يؤثر ذلك على تنامي القناعة لدى دول عربية مؤثرة مثل الأردن والخليج بضرورة تجميد المساعي المتعلقة بتطبيع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع دمشق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة