فعّلت تركيا في الثامن والعشرين من شهر شباط/فبراير الماضي اتفاقية “مونترو”، التي لم تستخدمها منذ الحرب العالمية الثانية، لإغلاق المضيق التركي في وجه السفن العسكرية. وقد شكلت هذه الخطوة عائقا أمام خط الإمداد اللوجستي البحري الروسي إلى سوريا، وتداخلت مع قدرة موسكو على تحريك الأصول البحرية في البحر الأبيض المتوسط، ومنعتها من جلب سفن حربية إضافية إلى البحر الأسود. ولم يعد بإمكان روسيا إمداد عملياتها في سوريا أو تسليم صادراتها الدفاعية لعملائها باستخدام السفن الحربية. ومع ذلك، تكشف المراقبة الدقيقة لحركة المرور عبر المضيق التركي مواصلة روسيا عملياتها البحرية في كلا البحرين الأبيض المتوسط والأسود.

وفق تقرير نشره موقع “معهد الشرق الأوسط” وترجمه موقع “الحل نت” فإن الإغلاق الحالي للمضيق التركي بموجب مونترو ينطبق فقط على السفن الحربية، بينما يستمر العبور الحر عبر المضيق للأغراض التجارية. إلا أن روسيا تسيء استخدام هذه الميزة، من خلال استخدامها السفن التجارية المدنية لتوفير الخدمات اللوجستية لعملياتها العسكرية في سوريا وأوكرانيا. وهذه ليست المرة الأولى التي تفعل فيها موسكو ذلك. ففي ذروة حملتها في سوريا، تطلب المجهود الحربي إمدادات تفوق ما يمكن أن تحمله البحرية الروسية أو البحرية السوفييتية. فلجأت روسيا إلى شراء سفن شحن مدنية قديمة من تركيا وأعادت تشغيلها لتستخدمها في أغراضها الحربية.

اليوم، تستخدم روسيا مجددا السفن المدنية لتزويد حملاتها العسكرية في سوريا وليبيا، وإنجاز العقود الحالية، مثل بناء محطة “روساتوم” للطاقة النووية في مدينة الضبعة المصرية، أو لتصدير منتجاتها الدفاعية إلى الجزائر. كذلك تنهب روسيا السلع من الأراضي المحتلة في أوكرانيا، خاصة من ميناء محطة الحبوب سيفاستوبول سافيتا. ومن غير المعقول أن يسمح لروسيا بحصار غير قانوني لمرفأي أوديسا وتشورنومورسك، بينما تستفيد من بيع الحبوب الأوكرانية المسروقة والتي يتم تصديرها من ميناء أوكراني محتل.

وتستخدم روسيا في الوقت الحالي خمسة أنواع من السفن التجارية المدنية لأغراضها الحربية:

1- سفن شحن مملوكة لشركة “Oboro Logistika” للخدمات اللوجستية، وهي جزء من وزارة الدفاع الروسية. وهذه السفن المدنية، مثل Pizhma وSparta وSparta II وUrsa Major x-Sparta III وSparta IV، تنقل البضائع العسكرية بانتظام من نوفوروسيسك إلى سوريا ومن موانئ البلطيق، مثل أوست لوغا و كاليلينغراد، إلى نوفوروسيسك.

2- سفن الشحن (ro-ros) الدوارة التي ترفع العلم الروسي والتابعة لشركات خاصة، مثل M Leasing مقرها في موسكو، والتي تملكها الحكومة الروسية أو تعمل بالنيابة عنها، مثل Adler وAngara وLady Mariia، تحمل الصادرات الدفاعية وتنقل الأسلحة. فعلى سبيل المثال، حملت Lady Mariia، التي ترفع العلم الروسي، أسلحة من كالينينغراد إلى نوفوروسيسك. وقد حملت السفينة نفسها مؤخرا أسلحة من نوفوروسيسك على طول الطريق إلى ميانمار، وهي منطقة نزاع أخرى.

3- سفن (ro-ros) الأقدم والتي لا ترفع العلم الروسي لم تُشاهد في هذه المنطقة من قبل، إلا أنه تمت إعادتها إلى الخدمة. وتتردد الآن هذه السفن، مثل ocatepe x-Varyag وBarbaros وHızır وampiyon Trabzonspor، في ميناء نوفوروسيسك، ومن المحتمل أن تعمل كمقاولين للحكومة الروسية. وتعمل الآن هذه السفن، التي كانت تحمل شحنات عسكرية في الماضي، على إطالة أمد الحرب في أوكرانيا، من خلال توفير الإيرادات وحتى نقل الأسلحة لصالح روسيا.

4- الناقلات التي ترفع العلم الروسي وتنقل وقود الطائرات بشكل منتظم إلى قاعدة حميميم الجوية في سوريا. وقد تم توثيق العديد من الناقلات الصغيرة، خاصة Sig وYaz اللتان تحملان العلم الروسي، وهي تنقل وقود الطائرات إلى بانياس منذ سنوات. ومن الواضح أنها لا تعمل كسفن مدنية، ويجب معاملتها كسفن تابعة للبحرية الروسية. وبالتالي، فإن منعها من عبور المضائق التركية سيؤدي على الفور إلى إبعاد القوات الجوية الروسية عن المسرح السوري. ونظرا لأن “حميميم” هي أيضا محطة للتزود بالوقود للمقاتلات الروسية المتجهة إلى جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي وفنزويلا لتنفيذ عملياتها العسكرية، فإن إيقاف هاتين السفينتين سيعطل على الفور العمليات العسكرية الروسية على مستوى العالم.

5- ناقلات البضائع الضخمة التي ترفع العلم الروسي أو السوري والتي تنقل مواد مثل القمح والشعير والذرة، مثل Mikhail Nenashev وMatros Pozynich وLaodicea وSouria وFinikia.

فباستخدامها شركات وسفن مدنية، يُفترض أنها خاصة، وجدت روسيا سبيلا للتغلب على الإغلاق الحالي للمضيق التركي وتوفير الخدمات اللوجستية لعملياتها العسكرية في سوريا وأوكرانيا. إن استخدام السفن التجارية المدنية لأغراض الحرب ينتهك اتفاقية مونترو التي استخدمت لإغلاق المضائق التركية.

سوف يتغير ميزان القوى في منطقة البحر الأسود عندما تفوز أوكرانيا في حربها مع روسيا. فبعد أن كشفت روسيا عن مشاكلها العملياتية العميقة، فإنها لن تتمتع بإدراكها للتفوق بعد الآن. وسوف تخرج أوكرانيا من الحرب أقوى بجيش متمرس ودفاعات ساحلية معززة بأسلحة غربية جديدة مضادة للسفن ومن شأنها تقليل قدرة روسيا على حراسة المياه الساحلية. كذلك تهتم كل من رومانيا وجورجيا بتواجد أكبر للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في البحر الأسود.

كما سوف يتغير أيضا نهج تركيا تجاه روسيا. فأسطول تركيا البحري هو الأقوى فعليا في البحر الأسود، مدعوما بفرقاطات جديدة مسلحة بتقنيات محلية جديدة وأسطول غواصات متنام يفوق أسطول البحر الأسود الروسي بنسبة ثلاثة إلى واحد. كما أن لديها في البحر الأسود حقول غاز جديدة لحمايتها. ومن المحتمل أن تؤثر هذه التغيرات على تنفيذ اتفاقية مونترو. فعندما تم اعتماد هذه الاتفاقية، كان البحر الأسود يقع تحت سيطرة الاتحاد السوفيتي وتركيا، مع تفوق الاتحاد السوفييتي. إلا أنه الآن قد تغير كل شيء، وترغب كل من أوكرانيا ورومانيا وجورجيا مراجعة القيود التي تفرضها مونترو على السفن القادمة من دول غير واقعة على البحر الأسود عبر مياهه.

يجب على الناتو أن يكون أكثر يقظة فيما يخص السفن التي من المحتمل أن تحمل أسلحة، من خلال الصعود على متن سفن (ro-ros) المتجهة إلى البحر الأسود، والتي من المحتمل أنها تحمل شحنة مشبوهة، وتفتيشها في المياه الدولية للبحر الأبيض المتوسط. كما يجب النظر في إغلاق المضيق التركي أمام السفن التجارية العاملة لدعم المجهود الحربي الروسي.

كذلك يجب اتخاذ إجراءات لإعادة الأمن الغذائي العالمي. فروسيا تسرق اليوم السلع الأوكرانية وتبيعها، وتزود حربها من هذه المبيعات غير المشروعة. وكميات كبيرة من هذه السلع المسروقة ينتهي بها المطاف في تركيا، حتى أن البعض منها محمول بواسطة شركة الشحن الحكومية السورية SYRIAMAR بشكل غير مفهوم. ويخطئ المشترون، بما في ذلك الشركات التركية، بتورطهم في هذه التجارة الغير مشروعة. لذلك يجب على تركيا بدلا من ذلك التركيز على إعادة بناء أوكرانيا. وبينما تواصل روسيا حصار أهم موانئ أوكرانيا في أوديسا وتشورنومورسك، يجب منع سفنها من الوصول التجاري إلى المضيق التركي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.