التطبيع مع حكومة دمشق إحدى أهم مسائل الملف السوري، الذي عاد إلى الواجهة دوليا، بعد جمود استمر نحو عامين. وعلى الرغم من أن كثيرا من المراقبين توقعوا تكريس هذا الجمود مع الغزو الروسي لأوكرانيا، إلا أن تسارع الأحداث منذ مطلع الشهر الحالي، خاصة على الحدود الجنوبية لسوريا، قد يؤشر إلى أن الدول الغربية، ومنها الولايات المتحدة الأميركية، ترى أنه حان الوقت لاستخدام الورقة السورية للضغط على روسيا وإيران، وحتى الدول العربية التي تسعى للتطبيع مع دمشق.

وخلال الأشهر الأخيرة ظهرت دعوات من عدة دول لإعادة سوريا لجامعة الدول العربية، بعد أن جُمدت عضويتها عقب الاحتجاجات الشعبية في عام 2011، وكانت زيارة وزير خارجية الإمارات لدمشق، ولقائه بالرئيس بشار الأسد، نهاية العام الماضي، ثم زيارة الأخير للإمارات في آذار/مارس الماضي، أبرز محطات التطبيع العربي مع حكومة دمشق.

كيف انعكست زيارة الأسد لطهران على التطبيع العربي؟

وفي زيارة مفاجئة، هي الثانية للرئيس السوري إلى إيران، التقى الأسد، في الثامن من شهر أيار/مايو الحالي، المرشد الإيراني علي خامنئي في طهران، دون توضيح تفاصيل الزيارة. وقالت وكالة “نور نيوز”، المقربة من الأجهزة الأمنية الإيرانية، إن “الأسد التقى بالمرشد الإيراني، آية الله علي خامنئي، والرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، ليغادر عائدا إلى دمشق في اليوم نفسه”. وتدفع هذه الزيارة للتساؤل حول انعكاساتها على عملية التطبيع مع حكومة دمشق.

المحلل السياسي صدام الجاسر قال، خلال حديثه لموقع “الحل نت”، إن “زيارة الأسد لطهران هي استدعاء وليست زيارة دبلوماسية رسمية، خاصة وأنه التقى مع المرشد الخامنئي، ما يعني أن هناك تعليمات صدرت من المرشد للأسد بشكل مباشر، ودون أن تُبلغ عن طريق أحد المسؤولين الإيرانيين. وتعليمات المرشد إلزامية، وليس أمام الأسد إلا الرضوخ لها”.

أما عن زيارة الأسد للإمارات في آذار/مارس الماضي، فيعتبر الجاسر أنها “تمت بدعوة من الإمارات وطلب روسي. وعرُضت عليه فيها عدة عروض وشروط من أجل العودة للجامعة العربية، ولكنه لا يمكن أن يقبل بها دون موافقة طهران، لعدم ثقته بالمحور العربي. وهذا ما يفسر جمود عملية التطبيع مع حكومة دمشق بعد زيارة الأسد لطهران”.

وأوضح الجاسر أن “التطبيع مع حكومة دمشق لن يعيدها للمحيط العربي، فالأمر بات محسوما بالنسبة لها، ولن تقبل بفك ارتباطها مع طهران، كما أنها لا تستطيع ذلك حتى لو أرادت. والأسباب عديدة، فإيران حليف قديم لدمشق منذ ثمانينات القرن الماضي، وبعد العام 2011 استمر هذا الحلف، من خلال دعم الأسد بالمال والسلاح والميليشيات”.

حكومة دمشق ليست موضعا للثقة

وفي تصريح، اعتبره المراقبون مهما للغاية، حذّر الملك الأردني عبدالله الثاني، يوم الأربعاء الماضي، الثامن عشر من شهر أيار/مايو الحالي، من أن النفوذ الإيراني سيزداد في سوريا، لاسيما في الجنوب، بعد الأنباء عن انسحابات روسية بسبب غزو أوكرانيا.

وفي هذا الجانب يرى الكاتب السياسي حسان الأسود، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “الأردن حاول خلال السنوات الماضية أن يكون متوازنا في موقفه، فلم يقطع علاقاته بشكل نهائي مع دمشق، كما لم يقف في وجه طموحات الشعب السوري، وهذا ما جعل الأردن يوافق على تسوية مع حكومة دمشق عام 2018، حاول من خلالها إبعاد الإيرانيين عن حدوده، لعلمه أن طهران تسعى للتخريب وضرب استقرار المملكة، لكن هذا لم يحصل، لأن إيران لا يمكنها أن تقف مكتوفة الأيدي أمام رؤية الدول العربية تعيش في حالة استقرار”، حسب تعبيره.

من جهته يرى صدام الجاسر أن “تصريحات الملك عبدالله تعطي مؤشرا على تخوف حقيقي من وصول الميليشيات الإيرانية إلى الحدود الأردنية، والتي تهدف بشكل رئيسي لضرب استقرار المملكة، والوصول إلى السعودية”.

وفي سياق متصل قال المحلل السياسي الأردني نبيل العتوم إن “الأردن بات متوجسا بشكل كبير من تواجد الميليشيات الإيرانية على حدوده، خاصة مع تزايد تهريب المخدرات والسلاح، إضافة لدخول الطائرات المسيرة الإيرانية. وهذا يطرح أسئلة كثيرة في الأردن، حول الأهداف الحقيقية لإيران من هذه العمليات”.

وحول التطبيع مع حكومة دمشق يرى العتوم أن “الأردن الآن لا يثق بالحكومة السورية، لأنه عندما تم الاتفاق على إعادة فتح معبر جابر- نصيب، تم التوافق مع دمشق على إبعاد الإيرانيين لمسافة لا تقل عن خمسين كيلومترا عن الحدود الأردنية، ولكن دمشق لم تلتزم بذلك. وهناك معلومات مؤكدة بأن القوات الموجودة على المعبر هي ميليشيات تابعة لإيران وحزب الله اللبناني، ولكن بلباس الجيش السوري”.

مقالات قد تهمك: إيران في الجنوب السوري: ما الذي يقلق الملك الأردني من ضعف النفوذ الروسي في سوريا؟

هل ينهي التصعيد الحالي مع الأردن آمال التطبيع العربي مع دمشق؟

في تطور لافت، فجر يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من أيار/مايو الحالي، تورادت أنباء عن إعلان الأردن عن إغلاق أجوائه أمام حركة الطائرات المغادرة والقادمة بشكل كامل، دون معرفة الأسباب، قبل أن تقوم الحكومة الأردنية بنفي تلك الأنباء. وفي الوقت نفسه أعلن الجيش الأردني أنه في حالة اشتباك مع مسلحين على الحدود الأردنية السورية.

وقال العقيد مصطفى الحياري، مدير الإعلام العسكري في الجيش الأردني، أن “تنظيمات إيرانية تستهدف الأمن الوطني الأردني، من خلال الحدود السورية الأردنية”. مضيفا أن “تهريب المخدرات أصبح ممنهجا، والجيش الأردني يخوض حربا حقيقية على الحدود مع سوريا”. كما أشار إلى “ضبط نحو عشرين مليون حبة كبتاجون خلال العام الحالي، جرت محاولات لتهريبها من سوريا”.

وبحسب متابعة “الحل نت” أعلن الجيش الأردني اعتراضه لشحنة مخدرات قادمة من سوريا، في اليوم التالي لتحذير الملك عبد الله من التواجد الإيراني على الحدود الأردنية، وهذا  يعطي مؤشرا واضحا على إصرار الإيرانيين وحكومة دمشق على استهداف الأردن، وتاليا المحور العربي بشكل عام، ما يلقي بظلاله على إمكانية عودة التطبيع مع حكومة دمشق، بحسب مراقبين.

حسان الأسود يرى أن “الأردن تبيّن له بالدليل عدم إمكانية التطبيع مع حكومة دمشق، والتعايش مع إيران، وهو يحاول الآن أن يستنفر ما يمكن استنفاره من حلفاء لمواجهتها، سواء على نطاق عربي أو دولي”. مضيفا أنه “لا يمكن تخمين نتائج هذا التصعيد أو نهاياته، ولكن في الغالب فإن المنطقة مقبلة على صيف ساخن، وربما يكون هناك تنسيق أردني مع أطراف أخرى لمواجهة إيران جنوبي سوريا. ما قد ينهي أية إمكانية للتطبيع مع حكومة دمشق”.

وأضاف الأسود أنه “من غير الواضح بعد إذا كان الانسحاب الروسي المرتقب من جنوب سوريا سيرفع الغطاء عن دمشق والإيرانيين، وإلى أي مدى ستكون للأردن حرية الحركة في هذه المواجهة”.

إعادة إحياء فصائل المعارضة بدلا من التطبيع مع دمشق

من جهته يرى صدام الجاسر أن “الميليشيات الإيرانية، وبالتنسيق مع حكومة دمشق، ستملأ الفراغ الروسي في الجنوب دون منازع”. مضيفا أنه “يعتقد بحدوث تحرك عربي قريب لمساندة الأردن، ما يجعل عودة التطبيع العربي مع حكومة دمشق متعذرا”.

وبين الجاسر أن “ما يمكن فعله لمواجهة خطر الميليشيات الإيرانية هو إعادة إحياء غرفة الموك، وإحياء الفصائل المعارضة في الجنوب، عندها يمكن القول إن فصلا جديدا ومهما في المواجهة قد بدأ”.

يذكر أن غرفة الموك كانت مقر قيادة وتنسيق عسكري تديره الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وفرنسا والأردن، تشكلت عام 2013، وتضم عدة فصائل من المعارضة السورية المسلحة، في درعا والقنيطرة وريف دمشق وريف حلب الشمالي.

واختم الجاسر حديثه بالقول: “في حال لم يتراجع الإيرانيون عن عملياتهم على الحدود الأردنية، فلا يمكن استبعاد رؤية تحركات حقيقية لتشكيل جيش جديد من المعارضة السورية، ودخول قوات عربية أو أردنية إلى الجنوب السوري، وكل هذا قد يعكس كل المسارات الماضية للتطبيع مع حكومة دمشق”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.