يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحاول استغلال الظروف الدولية والإقليمية بغية تحقيق أهداف ومصالح بلاده السياسية على حساب الأراضي السورية، إذ لوّح قبل أيام بشن عملية عسكرية جديدة في الشمال السوري، متزامنة مع رغبة أنقرة في إحداث مساومة داخل “حلف شمال الأطلسي” (الناتو) برفض دخول دولتي فنلندا والسويد إلى الحلف.

إزاء هذه المحاولة التركية أو المساومة التي تسعى إليها، من خلال رفضها دخول دول جديدة إلى الناتو مجاورة لأوكرانيا ومن ثم إطلاق تهديدات بعملية عسكرية في الشمال السوري، تثار العديد من التساؤلات والاحتمالات حول دوافع تركيا من إطلاق التهديدات في مثل هذا التوقيت بالتحديد، سيما وأن رفض دخول كل من فنلندا والسويد المتخوفتان من أعمال عدائية روسية على غرار ما حصل في أوكرانيا، يخدم التوجه الروسي برفض دخول هذه الدول إلى “الناتو”.

وهذا الاعتراض التركي على انضمام كلا من البلدين إلى “الناتو” لم يكن السبب الحقيقي منه هو أن هذه الدول تدعم “حزب العمال الكردستاني” المحظور في تركيا، وإنما كان موقف أنقرة مدفوع ربما برغبة روسية رافضة لهذا الإنضمام، ما يعني أن تركيا متجهة لتقديم خدمة كبيرة للروس حيال هذا الشأن. وبالتالي فإن احتمالات أن تقدم روسيا للأتراك ثمنا لهذا الرفض داخل الملف السوري أمر وارد الحدوث، بحيث لن تعارض روسيا أية عملية عسكرية تركية جديدة في الشمال السوري في حال وجود صفقة غير معلنة بين الجانبين، لكن يبدو أن هذا الأمر بعيد المنال، كون أن العملية العسكرية التركية تحتاج إلى ضوء أخضر أميركي-روسي معا، وبغياب الموافقة الأميركية لهذه العملية العسكرية التركية لن يكون هناك أي اجتياح تركي جديد على الشمال السوري.

ويرجح المراقبون السياسيون إلى أنه حتى الآن كل المعطيات والمؤشرات تفيد برفض أميركي وأوروبي للعملية العسكرية التركية المزمعة، وفي حال حدثت فستكون محدودة جدا.

أميركا لن تسمح بذلك

وعقب ترؤسه اجتماعا للحكومة، قال أردوغان، مساء الاثنين الماضي، إن بلاده ستشرع قريبا في استكمال إنشاء ما أسماه “مناطق آمنة” بمحاذاة الحدود بين سوريا وتركيا.

وأشار أردوغان إلى أن العملية العسكرية ستبدأ بمجرد انتهاء تحضيرات الجيش والاستخبارات والأمن لذلك. مضيفا بالقول “سنتخذ قراراتنا بهذا الخصوص خلال اجتماع مجلس الأمن القومي، الخميس المقبل”. إلا أن هذا الاجتماع لم يخرج بمواقف واضحة حول التهديدات بالعملية العسكرية، ما يوحي بأن أنقرة كانت تريد اختبار المواقف الدولية لأي عملية عسكرية متهورة بسوريا، فكان التراجع وعدم إعلان أي موقف تصعيدي جديد ضد الشمال السوري بعد إعلان الخارجية الأميركية والأمم المتحدة رفضهم لأي تصعيد عسكري في الشمال السوري.

بيان مجلس الأمن القومي التركي، مساء أمس الخميس، أشار إلى أن “العمليات العسكرية الجارية وتلك التي ستُنفذ على حدودنا الجنوبية ضرورة لأمننا القومي ولا تستهدف سيادة دول الجوار”. دون أن يصدر أي تأكيد حول موعد العملية أو إمكانية حصولها بالأساس.

ضمن هذا السياق، يرى المحلل السياسي، بير رستم، إن “تهديدات تركيا باجتياح كل الشمال السوري وبعمق (30) كم ليس بجديد، بل كررتها في كل مناسبة خلال السنوات الماضية وذلك استكمالا لمشروعها المسمى بـ”المناطق الآمنة”، وإن ذهبنا أبعد في التاريخ فهو استحضار ل”الميثاق الملي” الذي يعتبر كل من حلب في سوريا والموصل بالعراق مع المناطق الكردية في البلدين جزء من أراضي الدولة التركية؛ يعني صراع تركيا ورغبتها في استعادة، أو بالأحرى الاستحواذ على الشمالين السوري والعراقي ليس بجديد وقد أعادت شهيتها لقضم المنطقتين مسألة الصراع في البلدين -أو بشكل أدق على البلدين-“.

وأشار المحلل السياسي لموقع “الحل نت”، إلى أن “تركيا ليست هي الوحيدة التي تريد أن يكون لها دور وحصة في المنطقة، بل هناك الروس والصينيين ومن خلال المشروع الأوراسي في إعادة رسم “طريق الحرير” التجاري، لكن هذه المرة تكون التجارة الأهم هو النفط والطاقة بدل البخور والتوابل”.

وهكذا فإن الصراع في الساحة السورية يشكل حلقة هامة للجميع، بمن فيهم الأمريكان الذين يحاولون عرقلة الصينيين وضرب مشروعهم الأوراسي وبالتالي محاولة قطع الطريق عليهم ودون السماح لهم بأن يتحولوا لقطب منافس مع حليفهم الروسي، على حد تعبيره لموقع “الحل نت”.

كما وأن الدور التركي الذي يحاول الاستفادة من الصراعات الموجودة، بالرغم من إنها تصطدم بإمكانية التوافق والتنسيق مع قطبي الصراع وهي بالأخير ترسم استراتيجيتها على عدد من الملفات الحيوية وعلى رأسها المسألة الكردية ودور “حزب العمال الكردستاني” والقضية الأخرى تتعلق بالاقتصاد وتحسين وضع الليرة التركية إلى جانب قضية الانتخابات البرلمانية والرئاسية والتي ستحدد مصير تركيا عموما وليس فقط مصير حزب “العدالة والتنمية” ورئيسها أردوغان، وفق المحلل السياسي رستم.

وفي تصريح خاص لموقع “الحل نت”، جددت وزارة الخارجية الأميركية، تأكيدها على رفض أية عملية عسكرية يمكن أن يقوم بها الجانب التركي في الشمال السوري.

المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأميركية، ساميويل وربيرغ، قال في حديث سابق يوم أمس لـ”الحل نت”، إن واشنطن تدين أي تصعيد وتدعم الإبقاء على خطوط وقف إطلاق النار الحالية في سوريا، مبديا القلق الشديد للولايات المتحدة بشأن التقارير حول زيادة النشاط العسكري المحتمل في شمال سوريا، لما في ذلك من تأثير على المدنيين السوريين.

قد يهمك: ما موقف واشنطن من العملية العسكرية التركية المحتملة في الشمال السوري؟

الدعم الروسي مستبعد

المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، قال للصحفيين، يوم الثلاثاء الماضي، إن من شأن تصعيد كهذا أن يعرض أرواح العسكريين الأمريكيين المنتشرين في المنطقة للخطر. وأضاف: “ندين أي تصعيد، ونؤيد الإبقاء على خطوط وقف إطلاق النار الراهنة”. بدورها، أكدت الأمم المتحدة تمسّكها بموقفها المُدافع عن سلامة ووحدة أراضي سوريا.

وبالعودة إلى حديثه الخاص لموقع “الحل نت”، المحلل السياسي بير رستم، الذي أردف بالقول “انطلاقا من تلك القضايا الأساسية الثلاث المذكورة أعلاه، ترسم تركيا سياساتها الاستراتيجية حيث وجدنا أن “الفيتو” بخصوص انضمام كل من السويد وفنلندا للناتو كان بخصوص مزاعم تركيا حول دعم الدولتين للعمال الكردستاني ومطالبتهما بتسليم عدد من الشخصيات الكردية بالرغم البعض منها متوفي منذ سنوات وكذلك هناك من هم ليسوا من مواليد تركيا! وهكذا فإن تخوف تركيا من القضية الكردية تجعلها أحيانا تغامر بعلاقتها مع أوربا والناتو والذهاب إلى ما يخدم مصالح الروس في سوريا، لكن بنفس الوقت ندرك بأن صاحب القرار في الشمال السوري وتحديدا في مناطق “الإدارة الذاتية” هم أمريكا وبالتالي فإن الروس حتى وإن أعطوا الضوء الأخضر لتركيا فمن دون ضوء أخضر أمريكي هي غير قادرة على شن أي حملة عسكرية، على حد قوله.

ويضيف المحلل السياسي في حديثه، “لكن ورغم كل ذلك علينا أن نأخذ تهديدات أردوغان بنوع من “الجدية” حيث يحتاج في الظروف الحالية إلى تحسين وضعه ووضع حزبه في الانتخابات القادمة وبالتالي قد يقدم على مغامرة يحقق له انتصارا عسكريا (وهميا) ولو باجتياح قرية في الشمال السوري وخاصة إذا قدمت تنازلات للناتو بخصوص انضمام السويد وفنلندا بعد وصول وفد البلدين إلى تركيا للحوار حول هذا الشأن، فحينها قد يكون الثمن هو دعم أردوغان اقتصادياً، كذلك السماح له بعملية عسكرية محدودة ولكن دون السماح باجتياح كامل على الحلفاء الكرد حيث لا مصلحة للأمريكان في ذلك.

وأوضح المحلل السياسي، أن سيناريو دعم الموقف الروسي فهو غير وارد وإن كانت تركيا تستخدمها تكتيكيا بين الحين والآخر لتحقيق بعض المكاسب، لكن الجميع يدرك بأن موقع تركيا هو مع الغرب والناتو وذلك لأسباب تتعلق بالجغرافيا الجيوسياسية لكل من روسيا وتركيا وصراعاتهما على منطقة آسيا الوسطى.

وخلص حديثه بالقول: “لا حلول حقيقية دون حل سوري شامل يجمع كل أطراف الصراع المحلي والإقليمي والدولي على سيناريو يحقق نوع من التوازن بين مختلف الأطراف وقد يطول ذاك السيناريو وخاصة العالم مشغول اليوم بالصراع الروسي-الأوكراني”، وفق تعبيره لموقع “الحل نت”.

قد يهمك: الخارجية الأميركية توضح لـ”الحل نت” أسباب رفض واشنطن للتصعيد العسكري التركي بسوريا

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.