تشهد المناطق التي يسيطر عليها “الجيش الوطني” السوري المعارض المدعوم من أنقرة حالات مستمرة من الفوضى الأمنية والاقتتال الداخلي بين الحين والآخر، ما يؤدي دوما إلى سقوط قتلى من العسكريين والمدنيين.

الأمر الذي يثير قلق المدنيين في تلك المناطق من اتساع فجوة الفوضى الأمنية بشكل كبير، وعدم قدرة هذه الفصائل على ضبط هذا الفلتان الأمني أو تأمين أي بيئة آمنة ومستقرة في تلك المناطق من الشمال السوري، لاسيما في ظل استمرار رقعة الاشتباكات والاقتتال بين تلك الفصائل.

اغتيالات ونزاع داخلي؟


بحسب مصادر محلية، يوم أمس الأحد، انفجرت سيارة مفخخة في إحدى القرى بريف مدينة رأس العين/سري كانيه شمال الحسكة، والتي تقع تحت سيطرة “الجيش الوطني”، وأدى الانفجار إلى مقتل عدد من الأشخاص.

وبحسب ما تناقلته مصادر محلية على منصة “تويتر”، فإن سيارة مدنية من نوع “جيب سنتافيه” انفجرت يوم أمس بالقرب من قرية الحويش بمنطقة العالية بريف مدينة رأس العين/سري كانيه الجنوبي.

وأسفر هذا الانفجار عن مقتل ثلاثة أشخاص وهم سائق السيارة الشاب علي الحسن الملقب بأبي النور الجوعاني والذي ينحدر من بلدة مركدة بريف مدينة الحسكة الجنوبي ووالده القادم من مدينة الحسكة والشاب أحمد الحمزة (أحمد هوشان) أبو عمار من مدينة رأس العين/سري كانيه، والذي كان برفقتهما، وبحسب مصادر محلية غير متطابقة فإن الحمزة سابقا كان ضمن جبهة النصرة 2013-2012، وأن القيادي الأخر الجوعاني كان عضو سابق مع تنظيم “داعش” الإرهابي.

وفي 25 أيار/مايو الفائت، أفاد نشطاء مدنيين، بأنه على خلفية مقتل عنصر من “أحرار الشرقية” ينتمي إلى قبيلة العكيدات، في مدينة رأس العين/سري كانيه على يد قيادي من عشيرة الموالي ضمن فصيل “الحمزات”، عمدت قبيلة العكيدات إلى حشد جميع المسلحين الموالين لها في رأس العين/سري كانييه، وريفها بريف الحسكة، وقدمت كل من عشيرة القرعان والعدوانة دعما عبر المسلحين والأسلحة للعكيدات، ليبدأ المسلحون مع ساعات الفجر الأولى من اليوم التالي هجوما عنيفا على مسلحين من عدة فصائل متواجدة في المدينة من باقي المناطق السورية.

وتمكنت عشيرة العكيدات من السيطرة على عدة أحياء في رأس العين/سري كانيه، بالإضافة للسيطرة على مقرات عسكرية وأسلحة لفصائل من خارج المدينة، وأسفرت تلك الاشتباكات عن مقتل 3 مقاتلين وإصابة 8 آخرين من الفصائل التي هاجمها عناصر العكيدات، كما تمكن الأخير من أسر 8 عناصر من الفصائل، فيما أصيب 3 مدنيين بينهم طفل وسيدة بجروح، وذلك لوقوع الاشتباكات بين الأحياء المدنية وسط حالة من الخوف والذعر، وسط وصول تعزيزات عسكرية للقبيلة إلى المدينة قادمة من الريف.

هذا ويبدو أن حالة الاقتتال الداخلي بين فصائل المعارضة، التابعة لوزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، لن تنتهي إلى هنا فقط، وسط غياب أي محاسبة أو مساءلة من قبل الطرف الراعي لهذه الفصائل (تركيا).

ومنتصف الشهر الفائت، قتل عنصر من “فيلق الشام” التابع لـ “الجيش الوطني” المدعوم من قبل أنقرة، بتفجير استهدف سيارتهم في ناحية شران بريف عفرين شمال حلب، وإزاء ذلك تبادلت الاتهامات فيما بين الفصائل في تلك المنطقة.

وقتذاك، أكد مصدر مقرب من “فيلق الشام“، فضل عدم كشف اسمه، لـ “الحل نت” أن “المتهم الأول بعملية تفجير السيارة والتي أدت لمقتل العنصر عمر محمود العمر، هم عناصر من الفيلق ذاته، لوجود خلافات بينهم، منذ بداية شهر رمضان الفائت، سببها توزيع وجبات الإفطار على عوائل العناصر“.

وأوضح المصدر أن “مشادة كلامية تطورت إلى عراك بالأيدي، حصلت بين عناصر من الفيلق، بعد عملية التفجير، على خلفية تبادل الاتهامات فيما بينهم حول الحادثة، وسط تهديدات باقتحام مقرات بعض، ما دفع بالشرطة العسكرية للتدخل لتهدئة الوضع بينهم“.

قد يهمك: “الانتقام” لغة الحوار بين فصائل “الجيش الوطني” في الشمال السوري

“شريعة الغاب”

العميد أحمد رحال، الخبير العسكري والاستراتيجي، في حديث سابق لـ”الحل نت”، يصف مشهد اقتتال فصائل المعارضة بشكل عام بأنه “شريعة الغاب، في غياب قيادة أو سلطة موحدة. ما يجعل العناصر الموجودة على الأرض تغلّب مصالحها ومنافعها الضيقة، فتحاول الاستيلاء على أكبر قدر من المنافع، من خلال السيطرة على الأراضي والحواجز الأمنية”.

ويعتبر رحال، في حديثه بأن “حالات التوحد والاندماج، التي تجريها بعض فصائل المعارضة، لا تعدو كونها محاولة لاستقواء بعض الجماعات المسلحة على أخرى، بعيدا عن أهداف تعزيز المواقع العسكرية في مواجهة القوات النظامية”.

ويتابع بالقول “تنظر قيادة فصيل “عزم” لقواتها على أنها وسيلة لسيطرة أكبر على مناطق الشمال، فيما ترى قيادة فصيل “ثائرون” في زيادة قوتها وسيلة لمنع الآخرين من الاستفراد ببعض الفصائل الأصغر والأضعف، وهذا يزيد من حالات اقتتال فصائل المعارضة”.

ضابط منشق، فضّل عدم الكشف عن هويته، يُرجع اقتتال فصائل المعارضة الداخلي إلى “الطمع في مناطق نفوذ الآخرين، إضافة لحصر الموارد الاقتصادية في هذه المناطق بالفائدة الخاصة دون العامة”.

وأردف في حديثه السابق مع “الحل نت”، إن “الطموحات العالية لقادة الفصائل والحركات، ورغبتهم في زيادة المكاسب الشخصية/الفصائلية، صارت تدفعهم لافتعال المشاكل في أي مكان، سواء كان سوقا أو قرية أو مدينة أو مخيما، لتغيير موازين السيطرة لصالحهم. وهكذا يتصاعد اقتتال فصائل المعارضة دون إمكانية في الأفق لإحلال الاستقرار”.

هذا وتشهد مناطق نفوذ المعارضة السورية المدعومة من قبل أنقرة في الشمال، فوضى أمنية وعمليات اغتيال متكررة تطال عناصر وقادة من “الجيش الوطني“، إضافة إلى عمليات تفجير سيارات ودراجات مفخخة وعبوات ناسفة، وتتسبب بأضرار مادية كبيرة في الممتلكات والمنازل، دون وجود رقيب أو حسيب على ذلك.

قد يهمك: اقتتال فصائل المعارضة: ما الأسباب الحقيقية للنزاع داخل “الجيش الوطني”؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.