تشير نتائج الدراسات المتعلقة بتعاطي المخدرات في سوريا، إلى الحاجة إلى تكريس مزيد من الاهتمام لتأثيرات الأسرة والأقران على سلوك الفرد من قبل صانعي السياسات، في تطوير الاستراتيجيات الوقائية، بالإضافة إلى ضرورة توعية الأفراد في المجتمع حول تعاطي المخدرات، وبالتالي تغيير تصوراتهم الخاطئة تجاه المخدرات من خلال عدة استراتيجيات بما في ذلك البرامج التعليمية، وكذلك ورش العمل سواء في المدرسة أو الجامعات أو وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما بعد ارتفاع معدلات الإدمان بمختلف أشكاله بين الشباب والمراهقين.

ازدهار الإدمان في سوريا

تعاطي المخدرات، يعرف عموما على أنه حالة تنتج عن الاستخدام المستمر والمتجاوز لمادة معينة (طبيعية أو اصطناعية)، والتي تسبب تسمما دوريا ومزمنا ضارا بالفرد والمجتمع، ومثل هذه المادة لها مجموعة من التأثيرات النفسية مثل التغيرات في مزاج الشخص وفكره وإدراكه وسلوكه، من خلال التأثير على الجهاز العصبي المركزي.

بشكل عام، يشير دكتور الأعصاب، عبد الرحمن أبو نبوت، إلى أن تعاطي المخدرات سواء بشكل غير قانوني أو بوصفة طبية لا يؤدي إلى حالة من الإدمان، هناك خط رفيع بين الاستخدام المنتظم للمخدرات والإدمان، ولا يزال بإمكان عدد قليل من متعاطي المخدرات التعرف على تجاوزهم لهذا الخط.

وأوضح أبو نبوت، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن تعاطي المخدرات يعد مشكلة منتشرة في مختلف البلدان، وتؤثر على كل مجتمع وعائلة تقريبا بطرق مختلفة، ووفقا لمنظمة الصحة العالمية خلال عام واحد، تعاطى أكثر من 275 مليون شخص حول العالم الأدوية مرة واحدة على الأقل، وهو ما يعادل تقريبًا 5.6 بالمئة من سكان العالم الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عاما.

وعلى مدى القرن الماضي، أكد طبيب الأعصاب، أنه تم اقتراح العديد من النظريات لوصف مسببات تعاطي المخدرات، وثبت أن الحياة الأسرية المضطربة تبدو عامل خطر رئيسي لتعاطي المخدرات بين بعض الشباب، وعلاوة على ذلك، قد يكون تأثير مجموعات الأقران، والذي يكون قويا عادة خلال سنوات تكوين الشباب، أقوى من تأثير الآباء في بعض الحالات.

وفي سوريا، وتحديدا خلال العقد الماضي وأثناء الصراع السوري، كانت هناك مجموعة كبيرة من الشباب الذين كانوا يتعاطون المواد الأفيونية، كما وجدت دراسة بين السوريين الذين فروا إلى العراق أن حوالي نصف المستجيبين، تناولوا أكثر من خمسة مشروبات كحولية في الأسبوع.

وذكر أبو نبوت، أنه حتى الآن، لا يتوفر الرقم الدقيق حول استخدام العقاقير غير المشروعة، ولكن ربما يكون قد زاد بسبب زيادة إنتاج وتجارة المخدرات غير المشروعة نتيجة للأزمة، إلا أن التصريحات الحكومية تفيد بأن هناك حوالي 2000 شخص يعانون من اضطرابات تعاطي المخدرات في سوريا، معظمهم من الشباب.

الشباب الفئة الأكثر إدمانا

عمليات ضبط المخدرات الكبرى في المملكة العربية السعودية ولبنان والأردن وأماكن أخرى في جميع أنحاء الشرق الأوسط منذ نيسان/أبريل الفائت، تشير إلى النمو الهائل في الاتجار الإقليمي لعقار “الكبتاغون” وخاصة في سوريا.

ارتفاع حالات الإدمان في سوريا بكافة أنواعها في معظم الفئات العمرية، لا سيما الشباب، وفي كلا الجنسين، خاصة خلال سنوات الحرب، هو ما أكده مدير مشفى “ابن رشد” للأمراض النفسية، الدكتور غاندي فرح، في تصريح رسمي، لصحيفة “البعث” المحلية، أمس الأربعاء.

وأوضح فرح، أن المنشطات على شكل أقراص دوائية هي من أكثر المواد التي يتاجر بها المدمنون بحكم توافرها، وأن هذه الأنواع من المنتجات تشهد ارتفاعا في نسب الاستهلاك، خاصة أن الأوضاع العامة مهيأة لزيادة حالات الإدمان.

وأكد فرح أن ما يلفت الانتباه، هو ارتفاع أعداد المدمنين بين المراهقين، حيث يراجع العديد من العائلات المستشفى للاستفسار عن بعض الأمور التي تلاحظ على أبنائهم، بالإضافة إلى الأعداد الكبيرة من المراجعين لعيادات المستشفى الخارجية التي يتراوح عدد المرضى النفسيين فيها بين 30 إلى 100 شخص يوميا، ما يدل على مدى خطورة المشكلة وتفاقم ظاهرة الإدمان.

وأضاف مدير المستشفى، أن الأطباء يعانون من ضغوط كثيرة، خصوصا وأن طبيبين نفسيين يقومان بفحص أكثر من 100 حالة يوميا، كما أن الأطباء يركزون بالأساس على المرضى النفسيين؛ لأنهم الأكثر أهمية، مع إعطاء الأولوية لأخطر الحالات بينهم.

علاج الإدمان في مركزين فقط؟

وفي حين أنه لا يوجد في سوريا سوى عيادتين لمعالجة الإدمان الأولى في مستشفى “ابن رشد”، والأخرى في مستشفى “ابن خلدون” في حلب، يشير فرح أن المستشفى مجبر على قبول أعداد كبيرة من المرضى من المحافظات الأخرى، مما يضع ضغطا إضافيا على الطاقم الطبي.

وتابع مدير مستشفى “ابن رشد”، أن هناك ندرة مستمرة في أعداد الأطباء المتخصصين، وعلماء النفس، والأخصائيين الاجتماعيين الذين يعتبرون العمود الفقري لمراكز معالجة الإدمان.

وذكر فرح حاجة المستشفى إلى بعض الأجهزة الطبية كمخطط القلب المكرر وبعض أجهزة العلاج الطبيعي، حيث أن العلاج الطبيعي جزء مهم من عمل المستشفى الذي كان في السابق مجرد مركز لمعالجة حالات الإدمان باسم “المركز الوطني لرعاية الشباب”، والذي تخصص بالعلاج الفيزيائي للمرضى الذين يدمنون على العلاج بتخفيف الألم، ومساعدتهم على التأقلم مع الأعراض، والسماح لهم بقضاء فترة العلاج براحة تامة.

كما أكد فرح على أهمية الاستثمار في مساحات المستشفى، لافتا إلى أنه تم إجراء دراسة سابقة تم خلالها تقديم مقترح لتجهيز ملعب يمكن للمرضى قضاء بعض أوقاتهم فيه، لكن المشروع لم يكتمل لأن بناء المستشفى على ثلاث مراحل فوت فرصة استغلال واستثمار المساحات الكبيرة فيها بشكل مناسب.

أما فيما يخصّ الأدوية، فقال فرح، إن “كمياتها تتفاوت وتقلّ، ما بين مدّ وجزر، منوها بحرص المشفى على تقديمها بالمجان، حتى للمرضى الذين يراجعون العيادات الخارجية في حال توفرها، لأن أدوية المرضى النفسيين كما هو معلوم غالبا ما تكون طويلة الأمد”.

يذكر أن تقريرا صدر مؤخرا عن معهد “نيو لاينز” الأميركي، كشف أن قيمة تجارة حبوب “الكبتاغون” في الشرق الأوسط، تجاوزت 5 مليارات دولار خلال العام 2021، مشيرا إلى “تورط أفراد من عائلة الرئيس السوري بشار الأسد، وكبار أركان نظامه” و”حزب الله” اللبناني في تصنيع “الكبتاغون” وتهريبه، حيث يوضح التقرير أن سوريا تعد المنتج الرئيسي لهذه الحبوب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.