الحدود الأردنية السورية، تمتد على مسافة 375 كم، وتسيطر قوات “التحالف الدولي” لمحاربة تنظيم “داعش” على جزء من هذه الحدود يصل إلى 152 كم من نقطة مخيم الركبان ومنطقة الـ 55 كم وقاعدة التنف، أما ماتبقى من مسافة تصل إلى 223 كم فهي تخضع لسيطرة الميليشيات الإيرانية والفرقة الرابعة بعد اتفاق تسوية عام 2018.

المسافة الكبيرة التي تسيطر عليها الميليشيات جعلت منها قادرة على تهريب المخدرات للأردن بشكل كبير خاصة في العام الأخير، وهذا ما دفع الأردن مؤخرا وبشكل صريح لاتهام الجيش السوري بتسهيل عمليات التهريب، واتهام الميليشيات التابعة للنفوذ الإيراني بشكل مباشر بما وصفها الأردن حربا ضده.

لذلك برزت تصريحات متعددة للجانب الأردني مؤخرا تمحورت حول خوض القوات الأردنية حربا حقيقية ضد مهربي المخدرات من الجنوب السوري، وكذلك ضد النفوذ الإيراني الذي يشغل الأردنيين مؤخرا بعد الحديث عن انسحابات روسية محتملة من الجنوب السوري.

كيف بدأ التصعيد الأخير؟

بحسب الصحفي الأردني، محمد العرسان، خلال حديثه لموقع “الحل نت”، فإن ما يجري هو انسحاب روسي من عدد من نقاط السيطرة التابعة لروسيا في درعا، وهي مناطق ملاصقة للحدود الأردنية، وهذا الانسحاب جاء نتيجة الحاجة الروسية للاستفادة من الجنود الروس الذين اكتسبوا خبرة في القتال في سوريا، من أجل الزج بهم في الحرب في أوكرانيا.

ونتيجة لهذه الانسحابات، قامت الفرقة الرابعة والميليشيات الإيرانية بالسيطرة على هذه النقاط، في المناطق الحدودية ومعبر جابر- نصيب وغيرها، وهذه المنطقة الحدودية تتسم بوعورتها وصعوبة مراقبتها وهذا ما ولد مخاوف لدى الأردن بزيادة عمليات تهريب المخدرات منها، بحسب العرسان.ونتيجة لهذه التطورات، حذر الملك الأردني عبدالله الثاني من أن “هذا الفراغ سيملؤه الآن الإيرانيون ووكلائهم، وللأسف أمامنا هنا تصعيد محتمل للمشكلات على حدودنا”، وذلك قبل أيام خلال زيارته للولايات المتحدة.

وقد فتحت تصريحات الملك، تحليلا مهما لدى خبراء أردنيين، بأن الخشية الأردنية الحقيقية أن يترك انسحاب القوات الروسية من الجنوب السوري فراغا، ستسعى إيران إلى ملئه، ما يعني أن الحدود الشمالية المحاذية للجنوب السوري ستشهد ازديادا في عمليات التهريب المنظم، وأن الأردن سيُترك وحيدا في مواجهة إيران والتنظيمات والمليشيات التابعة لها، إضافة إلى فرقتين بالجيش السوري هما (الرابعة والحادية عشرة) اللتين تعملان لحساب “حزب الله” اللبناني المدعوم من إيران، بحسب متابعة “الحل نت”.

إقرأ:نشاط إيراني متزايد في تهريب المخدرات من الجنوب السوري

تصعيد ورسائل ودعم عربي

في اليوم التالي لتحذير الملك عبدالله الثاني، قامت الميليشيات الإيرانية بإرسال شحنة من المخدرات إلى الأردن، وفي فجر الأحد الفائت اشتبك الجيش الأردني مع مجموعة من المهربين والمسلحين على الحدود مع سوريا، ما أسفر عن مقتل 4 منهم بينهم قائد المجموعة المحلي، المرتبط مباشرة بحزب الله اللبناني.

ويرى محمد العرسان، أنه إذا استمر تهريب المخدرات على هذه الحال فإن التصعيد سيزداد خلال المرحلة المقبلة ضد تهريب المخدرات، لافتا إلى أن المشكلة الأهم حاليا هي استخدام الإيرانيين للطائرات المسيرة في خرق الأجواء الأردنية ما يعني إمكانية استخدامها لأغراض غير تهريب المخدرات، وقد صرح الملك الأردني في وقت سابق أنه قد تم استهداف الأردن بطائرات مسيرة إيرانية.

 وحول تصريحات الملك الأردني، يرى العرسان، أن هذه التصريحات لا تحمل فقط رسائل داخلية، إنما تحمل رسائل خارجية موجهة لدول الخليج لأنهم مستهدفون من تهريب المخدرات، إضافة لإسرائيل والولايات المتحدة، إذ أن جميع هذه الدول معنية بمواجهة النفوذ الإيراني.

ويتوقع العرسان، أن يكون هناك دعم مادي وعسكري للأردن لمواجهة هذا النفوذ، سواء من الدول الخليجية، أو الولايات المتحدة.

وكان الصحفي الأردني، خالد المجالي، أوضح في حديث سابق لموقع “الحل نت”، إلى أنه من الممكن أن يكون الأردن قد تحدث عبر القنوات الدبلوماسية مع إيران مرارا حول قضية تواجدها في الجنوب، وطالبها بكف يد ميليشياتها في جنوب سوريا، ولكن ذلك لم يكن كافيا على ما يبدو، بحسب وصفه. مضيفا أن الأمور قد تصل لتصعيد أكبر دبلوماسيا، ويصاحبه عمليات أكثر جرأة في العمق السوري بالتنسيق مع حلفاء استراتيجيين للأردن، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، لا سيما أن الأردن يمتلك أدلة دامغة على تورط إيران في عمليات التهريب.

قد يهمك:الأردن على خط مواجهة النفوذ الإيراني في سوريا.. ما الذي سيحصل؟

إيران لن تتوقف والأردن يحذر

تجارة وتهريب المخدرات، تعتبر من الأعمدة الاقتصادية المهمة لكل من الميليشيات الإيرانية، ولحكومة دمشق، والتي تدر عليهم مبالغ مالية كبيرة في ظل العقوبات المفروضة عليهم.

ويرى العرسان، أن إيران ونتيجة للأرباح التي تجنيها من تجارة وتهريب المخدرات “لن تتنازل أبدا عن هذه التجارة، فهي تعمل على استغلال الأردن كطريق مباشر للوصول إلى دول الخليج، بعد فشلها في إنجاز سكة الحديد الممتدة من إيران إلى لبنان، مرورا بالعراق وسوريا، نتيجة تواجد قاعدة التنف في الطريق الذي يجب أن تمر منه”.

وقبل أيام، قال العقيد مصطفى الحياري، مدير الإعلام العسكري في الجيش الأردني، إن تنظيمات إيرانية تستهدف الأمن الوطني الأردني، من خلال الحدود السورية الأردنية، مضيفا أن تهريب المخدرات أصبح ممنهجا والجيش الأردني يخوض حربا حقيقية على الحدود مع سوريا، وفق ما رصد “الحل نت”.وحذر الحياري من عواقب ترك الأردن وحيدا في هذه المواجهة ما قد يشكل تهديدا لدول الجوار، لافتا إلى أنه تم ضبط 20 مليون حبة كبتاغون خلال 2022.

إقرأ:المخدرات تمول النفوذ الإيراني في سوريا.. آلية جديدة لمواجهة طهران؟

دمشق شريكة إيران في تهريب المخدرات

على الرغم من تصريحات دمشق التي تحاول من خلالها إرسال رسائل للأردنيين أنها تعمل على مكافحة المخدرات، إلا أن الوقائع أثبتت تورط الأجهزة الأمنية السورية، والفرقة الرابعة وجزء من الجيش السوري بتهريب هذه المخدرات بالتنسيق مع الإيرانيين، وبتأمين حماية للمهربين في معظم الأوقات.

وقال مسؤولون أردنيون إنهم نقلوا مخاوفهم من الزيادة الكبيرة في محاولات تهريب المخدرات إلى السلطات السورية، لكنهم لم يروا أي محاولة حقيقية لتضييق الخناق على هذه التجارة غير المشروعة، كما اتهم مدير أمن الحدود في الجيش الأردني العميد أحمد خليفات، يوم الثلاثاء الماضي، الأجهزة الأمنية السورية، وميليشيات إيران وحزب الله بعمليات التهريب.

وفي هذا السياق، قال مختصون في وقت سابق لموقع “الحل نت”، إن الأردن تأكد بشكل دقيق بأن عناصر الفرقة الرابعة الموالية لإيران هي من تقف وراء عمليات تهريب المخدرات، وقد طاردت القوات الاردنية في إحدى محاولات التهريب مؤخرا مجموعة من المهربين إلى عمق الأراضي السورية، وتمكنت من قتل عدد منهم وعند تفتيش الجثث وُجدت بطاقات يحملها المهربون تثبت انتمائهم للفرقة الرابعة.

يذكر أن تقريرا صدر مؤخرا عن معهد “نيو لاينز” الأميركي، كشف أن قيمة تجارة حبوب الكبتاجون في الشرق الأوسط، تجاوزت 5 مليارات دولار خلال العام 2021، مشيرا إلى تورط أفراد من عائلة الرئيس السوري بشار الأسد، وكبار أركان نظامه و”حزب الله” اللبناني في تصنيع الكبتاجون وتهريبه، حيث يوضح التقرير أن سوريا تعد المنتج الرئيسي لحبوب الكبتاجون.

قد يهمك:دور عربي جديد في سوريا لمواجهة النفوذ الإيراني؟

يشار إلى أن التصعيد لا يزال مستمرا على الحدود الأردنية السورية، ومن المتوقع أن تزداد حدته خلال المرحلة القادمة، في ظل تأكيد الأردن على مواجهته عمليات تهريب المخدرات بأي ثمن، وإصرار إيران وميليشياتها على هذه العمليات، ما يفتح الباب لاحتمالات مواجهة واسعة النطاق قد تعيد ترتيب أوراق الجنوب السوري بشكل كامل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.