عاد قانون التجنيد الإلزامي في العراق إلى الواجهة مجددا، بعد التصويت عليه من قبل الحكومة العراقية، برئاسة مصطفى الكاظمي، نهاية العام الماضي.

وفي ظل الانشغال بالأزمة السياسية وتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وما رافقهما من خلافات كبيرة، تم التراجع عن تشريع القانون في البرلمان العراقي لأشهر عديدة.

وأثار القانون الجدل مؤخرا، بعد الحديث عنه من قبل خالد العبيدي، رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، الذي أشار إلى أن “البرلمان يستعد لتشريع القانون”.

وينص مشروع قانون الخدمة على إلزام الذكور، بين عمر التاسعة عشر والخامسة والثلاثين، على أداء خدمة العلم. وتتراوح فترة الخدمة بين عام ونصف العام إلى عامين، لمن لا يملك شهادة أو تحصيلا علميا، وعام واحد للحاصلين على الشهادة الإعدادية، وستة أشهر للحاصلين على الشهادة الثانوية، وشهرين للحاصلين على الشهادات العليا. أما خيار دفع البدل النقدي فهو لمن لا يستطيع الخدمة.

وكان بول بريمر، الحاكم المدني الأميركي للعراق، قد أصدر قرارا، في الثالث والعشرين أيار/مايو 2003، يقضي بحل القوات المسلحة العراقية، وتسريح جميع عناصر الجيش العراقي. ومنذ ذلك الحين تحوّل نظام العمل بالجيش العراقي إلى التطوع والخدمة غير الإلزامية.

وتختلف الآراء بشأن إعادة التجنيد الإلزامي في العراق، فالبعض يراه ضرورة لبناء قوة عسكرية، قادرة على حفظ أمن البلد والتصدي للمخاطر، والبعض الآخر يؤكد أنه عودة لعسكرة المجتمع، في وقت يحتاج فيه البلد إلى تطوير القطاعات المختلفة، مثل التعليم والصناعة والزراعة والصحة وغيرها.

التجنيد الإلزامي في العراق لتعزيز الانتماء الوطني

الخبير العسكري هشام الجبوري يقول إن “عودة التجنيد الإلزامي في العراق ضروري جدا لبناء الجيش الوطني، بعيدا عن الانتماءات القومية والطائفية، التي غزت المؤسسة العسكرية بعد عام 2003”.

لافتا، في حديثه لموقع “الحل نت”، إلى أن “خدمة العلم تعزز من الانتماء الوطني، كما أنها فرصة لإعادة بناء المؤسسة العسكرية، وفقا للقيم الوطنية، بعيدا عن نفوذ الميليشيات، التي تريد بسط سيطرتها على البلاد، وجعل القرار الوطني بيدها”.

وأشار إلى أن “الجيش العراقي كان على مدى العقود السابقة جيشا وطنيا، يتمتع بالخبرة والقوة الهائلة. واعتمدت عليه دول المنطقة لحمايتها من التمدد الإيراني. وإعادة بنائه ضرورية جدا، لحماية البلاد من أطماع دول الجوار، سواء تركيا أو إيران”.

وكان حسن ناظم، المتحدث الرسمي باسم الحكومة العراقية، قد أكد أن “هناك مادة دستورية، تفيد بإعادة تشريع التجنيد الإلزامي في العراق مرة أخرى، لأن هذا المشروع يعدّ مفيدا في خلق جيل من الشباب، مؤتمن على وطنه، ولديه روح وحس وطني. كما أُدرجت في القانون عدة بنود لمن لا يرغب بالانخراط في صفوف الخدمة الإلزامية، عبر دفع بدل مالي محدد. ويتضمن كذلك بنودا تتعلق بالإعفاءات في الحالات الخاصة، مثل إعفاء التجنيد لوحيد العائلة”.

ويبلغ عدد المقاتلين في العراق حوالي مليون عسكري، ضمن تشكيلات الجيش والحشد الشعبي والشرطة الاتحادية والحشد العشائري وجهاز مكافحة الإرهاب، وكل هذه التشكيلات تستلم رواتبها من الحكومة العراقية.

وكان الجيش العراقي قد صُنّف، خلال الحرب العراقية-الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي، بوصفه أقوى الجيوش بين خمسين جيشا، من مجموع مئة وثمانية وثلاثين دولة في العالم، وفق تصنيف الموقع الأمريكي “جلوبال فاير باور”.

مقالات قد تهمك: 101 عام على تأسيس الجيش العراقي.. الأول بالانقلابات والأقدم عربيا

عودة التجنيد الإلزامي تعني مزيدا من الأزمات الاقتصادية

المحلل السياسي أحمد الأنصاري يعارض فكرة عودة التجنيد الإلزامي في العراق، باعتبارها تتعارض مع الأوضاع الاقتصادية الراهنة، وأيضا تساهم في عسكرة المجتمع.

ويضيف، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “للمواطن العراقي ذاكرة سيئة مع التجنيد الإلزامي، إذ قُتل آلاف العراقيين، في زمن الحروب، التي خاضها نظام صدام حسين مع إيران والولايات المتحدة وغيرهما”.

موضحا أن “الدفاع عن الأمن الوطني يتم الآن في الدول المتطورة عن طريق التكنولوجيا والطائرات والتسليح المميز، وليس بالضرورة عبر زيادة عناصر الجيش والأجهزة الأمنية”.

ويشير الأنصاري إلى أن “عودة الخدمة الإلزامية تتطلب إنشاء مراكز تدريب، وتخصيص رواتب لكل من يؤدي الخدمة في الجيش. وهذا يتطلب وفرة مالية، والجميع يعرف بأن سعر النفط متقلب، وقد لا تكون الأموال حاضرة في السنوات المقبلة، ما يشكل عبئا ماديا إضافيا على الدولة”.

مبيّنا أن “الفصائل المسلحة لن تقبل بفكرة عودة الجيش العراقي لسابق قوته، كون الأمر يتعارض مع وجودها، ويحد من نفوذها، لذلك ستعمد إلى محاربته بشتى الوسائل. وحتى دول الجوار لا تريد عودة التجنيد الإلزامي في العراق”.

وكان قانون الخدمة الإلزامية قد اقترح راتبا شهريا للمشمول بالخدمة الإلزامية، قد يصل إلى سبعمئمة ألف دينار.

الكُرد غير ممثلين في الجيش العراقي

طارق جوهر، مستشار برلمان إقليم كردستان، يؤكد أن “لدى الكرد ذاكرة سيئة مع الجيش العراقي، إبان حكم نظام صدام حسين”.

لافتا، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “عسكرة المجتمع وإعادة التجنيد الإلزامي في العراق غير ضروريين، وستكون لهما نتائج اجتماعية واقتصادية وسياسية سيئة. وبدلا من بحث إقرار هذا القانون، يجب التفكير بمشاريع تطوير مهارات الشباب، وإيجاد فرص العمل لهم، وتقليل معدلات الفقر”.

مؤكدا أن “نسبة تمثيل الكرد في الجيش العراقي تكاد تكون أقل من واحد بالمئة، لذا نحن ضد فكرة إعادة التجنيد الإلزامي، ونرى أن تكتفي الدولة العراقية بتطوير قدراتها الدفاعية ضد المخاطر والتنظيمات المتطرفة. ولانريد أن نكون دولة ذات قدرات هجومية، كما حدث في أنظمة الحكم السابقة قبل عام 2003”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.