قلة فرص الحصول على عمل وسوء المعاملة والعنصرية تدفع بالسوريين إلى البحث عن مكان جديد للعيش فيه.
لقد أصبحت الحياة في تركيا صعبة بشكل لا يطاق بالنسبة للعديد من اللاجئين السوريين والذين يتجاوز عددهم 3.7 مليون يعيشون في البلاد. وقد اختار البعض بالفعل اليوم مغادرة البلاد، بدلا من الاستمرار في تحمل العنصرية والبطالة والاستغلال.

“لم آخذ مكان أحد في الوظائف التركية، لم أضايق أي أحد. أنا شخص لديه أخوات. كما أنني لم أحتل منزل أحد، لكنني متهم بكل تلك التهم. وفي النهاية تعرضت للاعتداء. إلا أنني لم أذهب حتى إلى الشرطة، فذلك لن يحدث فرقا”، يقول عباس (34 عام)، في إشارة منه إلى الاتهامات الأخيرة بالاعتداء الجنسي الموجهة لعدد من السوريين، وهو لاجئ سوري غادر تركيا مؤخرا ليصل إلى فرنسا، وفق ما أفاد به تقرير نشره موقع “ميدل إيست آي” وترجمه موقع “الحل نت”.

فمنذ اندلاع الحراك الشعبي في سوريا في العام 2011، تستضيف جارتها الشمالية اللاجئين السوريين، إلا أن ارتفاع التضخم المصحوب بالانخفاض السريع في قيمة الليرة التركية أدى إلى آفاق جديدة من الاستياء والخوف من اللاجئين الأجانب.

ويرى محمد، 33 عاما، وهو مهندس سوري غادر تركيا في شهر شباط الماضي، بأن تغير المشاعر الاجتماعية جعل بقاءه في بلدة هاتاي الحدودية التركية أمرا مستحيلا، وهي منطقة متنازع عليها تاريخيا مع سوريا وتضم عدد كبير من السكان العرب. “نحن ممتنون للأمة التركية التي استضافتنا على مدى السنوات السبع الماضية، إلا أن المضايقات وقلة فرص العمل كانت أمرا مفزعا للغاية”، يقول محمد الذي كان يعمل خلال المواسم عاملا في الحقول وكذلك في البناء، وعمل مراسلا أيضا.

ويضيف محمد، الذي عبر أولا إلى اليونان ثم انتهى به المطاف في وقت سابق من هذا العام في هولندا، بأنه كان من المستحيل أن يجد وظيفة في العامين الماضيين، لأن اللوائح التركية منعته من مغادرة مدينته التي يقيم فيها حتى لو كان بغرض العمل. “أصحاب العمل الأتراك سوف يدفعون لنا أجور أقل ولا يسجلوننا. وتصبح المضايقات تهديدات عندما تبحث عن عمل نظامي براتب نظامي”، يقول محمد بأسف، موضحا بأنه كان يفضل البقاء في تركيا، إلا أن القلق من إمكانية تعرضه للعودة القسرية إلى سوريا كان السبب الرئيسي لمغادرته، كونه على قائمة الإرهاب فقط بسبب معارضته لحكم بشار الأسد.

سعت العديد من الأحزاب المعارضة إلى الاستفادة من قضية اللاجئين السوريين. وفي أعقاب حملة شنها حزب “الشعب الجمهوري” المعارض والذي وعد بإعادة السوريين بمجرد انتخابه، اندلعت أعمال شغب في أنقرة في آب الماضي، حيث قتل رجل سوري آخر تركي إثر خلاف في الشارع. وخفف حزب الشعب الجمهوري من حدة لهجته منذ ذلك الحين، حيث التقى الزعيم كمال كيليجدار أوغلو بممثلين سوريين بغية التوصل إلى طريقة لإعادة السوريين إلى بلادهم بسلام.

كذلك سعى آخرون إلى الاستفادة من هذه القضية مثل أوميت أوزداغ، السياسي اليميني ورئيس حزب النصر، حيث أثار ضجة إعلامية في الأشهر الأخيرة بسبب وعده بإعادة ملايين السوريين والأفغان والباكستانيين إلى بلادهم.

من جانبها، وعدت حكومة حزب “العدالة والتنمية” بإعادة حوالي مليون لاجئ سوري إلى شمال البلاد بالرغم من دعمها لهم في البداية.

ويقول شامل، 47 عاما، وهو لاجئ سوري آخر عاش في أورفا وكلس في تركيا على مدى السنوات السبعة الماضية، بأن نظرة تركيا فيما يخص اللاجئين السوريين قد تغيرت بشكل كبير.

“لم يكن لدي عمل خلال السنوات الثلاث الماضية، باستثناء الأعمال الشاقة باليومية مثل العتالة”، يضيف شامل الذي كانت مهنته الرئيسية تدريس اللغة الإنكليزية. وقد غادر تركيا إلى ألمانيا في كانون الأول الماضي. ويوافق شامل بأنه أصبح هناك بعض الجرائم المرتكبة من قبل سوريين في البلاد، لكن السوريون ليسوا مسئولين عن كل شيء سيء يحدث في تركيا. فكل جريمة فردية تحسب على السوريين الآن، على حد تعبيره.

الفرار إلى أوروبا

ترتكز معظم أسباب العداء تجاه السوريين على الاختلافات المفترضة من قبل بعض الأتراك في أسلوب الحياة والقومية العرقية. ومع ذلك، فقد واجه التركمان السوريون الانتهاكات ذاتها عندما فروا إلى تركيا، بالرغم من كونهم أقلية عرقية تركية في سوريا.

ويرى أحمد، 35 عاما، وهو تركماني سوري كان يقيم في تركيا قبل مغادرته إلى هولندا في شباط الماضي، بأنه تعرض لمعاملة عنصرية من قبل هؤلاء الذي كانوا بالاسم رفاقه الأتراك. “بالرغم من كوني تركماني وأتحدث اللغة التركية، إلا أنني تعرضت للمضايقات لكوني سوري. لم يكن من الممكن أن أجد عملا في العامين الماضيين، لأن أرباب العمل بدأوا يلمحون إلى أنني لا أستحق العمل لمجرد كوني من سوريا”، يضيف أحمد.

ويتابع أحمد بأنه لجأ إلى تركيا، لأنها كانت الخيار الوحيد المتاح أمامه، حيث يقول: “لو كانت كندا في شمالنا لكنا هاجرنا إليها. أنا متأكد من أن اسمي كان سيدرج ضمن قائمة الأشخاص الذين سوف يتم ترحيلهم إلى سوريا يوما ما. نحن مدرجون على قائمة الإرهاب بالنسبة للنظام بسبب مقاومة أفراد من عائلتنا للنظام في حمص”.

وكانت الحكومة التركية قد أعلنت عن خطط لبناء مساكن وتزويدها بالخدمات في المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل المدعومة من تركيا بغية إعادة ما يصل إلى مليون سوري. وأعلن رجب طيب أردوغان الشهر الماضي أن تركيا سوف تشن عملية عسكرية أخرى للاستيلاء على بلدتي منبج وتل رفعت في شمال سوريا التي تخضع الآن لسيطرة القوات الكردية.

وبالرغم من كل ذلك، فقد قال اللاجئون الذين تحدثوا إلى “ميدل إيست آي” بأنهم لا يعتقدون أن هذه المناطق سوف تكون مناسبة لاستضافة العديد من السوريين. وأشاروا إلى أن تلك المناطق تعاني من فقر مدقع مع وجود القليل من الاستثمار الخارجي ومجالات عمل محدودة جدا.

ويفضل عادل، 30 عاما والذي يعيش في تركيا ويعمل مترجما، السفر إلى أوروبا، حيث يقول: “لم يعد من الواقعي أن نعيش في تركيا أكثر. يلقي بعض الأشخاص باللوم علينا مع تدهور الاقتصاد. نحن كبش فداء عن كل شيء سيء يحدث في هذا البلد”.

ويضيف بأنه بالرغم من كونه تركماني من سوريا، إلا أنه تعرض للمضايقات، حيث يقول: “نحن نعيش في ظروف أكثر فظاعة مقارنة بالمواطن التركي، ومع ذلك تزداد معاملتنا سوءا يوما بعد يوم. لا أريد أن ينتهي بي المطاف في سجون النظام السوري بسبب بعض السياسيين الأتراك”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.