تساؤلات تتجدد مؤخرا حول طبيعة العلاقات التركية الإيرانية في الملف السوري، فالتوترات بين طهران وأنقرة هي أمر محتمل في ظل انسحاب روسي جزئي من بعض المناطق السورية، ورغبة مشتركة إيرانية تركية في الاستحواذ على نصيب أكبر من النفوذ على الأرض السورية.

لا يبدو أن التوتر بين الجانبين إذا زادت وتيرته سيكون متعلقا فقط بالرفض الإيراني للعملية العسكرية التركية المحتملة في مناطق من الشمال السوري، فطهران التي أعلنت لأكثر من مرة رفضها لهذه العملية، يدور التساؤل حول معاني تجديد رفضها العملية بعد انتهاء مباحثات “أستانا 18″، فالدولتين اللتان تتشاركان هذا المسار إلى جانب روسيا كدول ضامنة، لا يبدو توافقهما على هذه العملية فيما يشي بأن التباحث إن حصل خلال الجولة الأستانية الأخيرة فإنه قد وصل إلى طريق مسدود.

إذاً، فإن هذا الطريق المسدود لا بد أن يأخذ الجانبين إلى مسارات أخرى للرد أو التصعيد بينهما، وقد يكون استغلال الانسحاب الجزئي لروسيا أحد أبرز هذه المسارات، فالإيرانيين يتمددون في الجنوب والشرق بينما تطمح تركيا للتمدد في مناطق جديدة بغرب الفرات، وهي مناطق تحاذي مناطق النفوذ الإيراني أيضا في الشمال السوري، فكيف ستكون معالجة الأمور بين الطرفين، بخاصة وأن هناك ساحة أخرى لتصفية الحسابات إن صح التعبير، وهي منطقة إدلب لخفض التصعيد التي يحيط بها جماعات تتبع للنفوذ الإيراني، بينما تسعى تركيا لتهدئة المنطقة هناك من أجل تنفيذ مشروعها المسمى “المنطقة الآمنة” بعد شن العملية العسكرية التي تصر عليها أنقرة في مدن مثل تل رفعت ومنبج.

على الجانب الآخر فهناك دوافع مشتركة لدى الطرفين في محاولة استيعاب بعضهما داخل الساحة السورية، حيث تتجلى المصالح التركية الإيرانية في مجالات الطاقة والتجارة، بسبب اعتماد تركيا على النفط والغاز الإيراني. في المقابل، تعتمد إيران على واردات البضائع التركية، بسبب الملاءمة الجغرافية وانخفاض تكاليف النقل.

في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية، سعت عدة دول إلى توسيع أطماعها داخل الساحة السورية، ولعل أبرز هذه الدول تركيا وإيران، الأولى التي بدأت في استغلال بعض الظروف الدولية لمصالحها السياسية في داخل وخارج سوريا، والثانية التي بدأت تستغل تراجع الدور الروسي في سوريا وخاصة في بعض المناطق القريبة من إدلب. كل هذه التحركات الأخيرة شكلت عدة نقاط خلاف، وعلى رأسها ظهور خلاف إيراني تركي حول تهديدات أنقرة الأخيرة بشن عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا، وربما هذا الرفض الإيراني بشأن العملية العسكرية واجهة تحذيرية لتركيا بعدم التقدم أكثر داخل سوريا.

المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة صرح بأن الملف السوري يعتبر “موضع خلاف” بين أنقرة وطهران، مجددا موقف بلاده من العملية التي هدد بتنفيذها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مؤخرا، في شمال سوريا.

وأردف خطيب زادة في إيجاز صحفي نشرته وسائل إعلام إيرانية، يوم الاثنين: “الملف السوري موضع خلاف بين طهران وأنقرة، وأبلغنا الجانب التركي بضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية”.

وتشي هذه التصريحات بموقف رافض تبديه طهران من العملية التي تهدد بها أنقرة، في شمالي سوريا، فضلا عن خلافات أخرى على ما يبدو تنطلق من الصراع على النفوذ داخل الأراضي السورية.

ومن هذا المنطلق تبرز عدة تساؤلات حول ما إذا كانت العملية العسكرية التركية المحتملة في الشمال السوري هي موضع الخلاف الوحيد بين الأتراك والإيرانيين، أو ربما يتعدى الأمر ذلك ويصل إلى صراع نفوذ بين الطرفين في ظل تراجع حضور روسي على الأرض السورية، وفيما سيؤول إليه مصير التوترات التركية الإيرانية ومستقبل العلاقات بينهما داخل الملف السوري.

عدة ملفات خلافية بين الجانبين

ضمن سياق رفض إيران للعملية العسكرية التركية في الشمال السوري، أضاف المتحدث باسم الخارجية الإيرانية: “موقفنا من التطورات في سوريا واضح. في هذه الحالة، أوضحنا موقفنا، وحاولنا إدارة الاختلافات. قلنا في اجتماع أستانا أن الحرب ليست الحل وأنه يجب الحفاظ على وحدة أراضي سوريا”.

وضمن هذا الإطار، يرى الباحث في “المعهد الدولي للدراسات الإيرانية”، محمود حمدي، أنه “دون شك لا تعتبر الساحة السورية هي مجال التنافس الوحيد بين تركيا وإيران، فالدولتان لديهما تطلعات من أجل تعديل ميزان القوى في الإقليم لصالحهما، ومن ثم فإنهما يتنافسان على أكثر من ساحة، في آسيا الوسطى وغرب آسيا في سوريا والعراق تحديدا، وصولا إلى الخليج وبعض المناطق في أفريقيا”.

وأردف في حديثه لموقع “الحل نت”، “هذا التنافس مدفوع بعوامل تاريخية وأيديولوجية تعزز طموحات البلدين ما وراء حدودهما. هذا فضلا عن رغبة في تعزيز المصالح الاقتصادية خصوصا فيما يتعلق بخطوط إمدادات الطاقة ولا سيما الغاز التي زادت أهميتها مع الحرب الروسية على أوكرانيا، فضلا عن الوصول إلى الأسواق من أجل الترويج لتجارتهما”.

لكن مع هذا التنافس والرغبة التي تدفع سلوكهما في العديد من الساحات ومنها الساحة السورية، والتي تضررت تركيا كثيرا بوجود إيران إلى جانب حكومة دمشق، غير أن هناك مصالح مشتركة تخفف من حدة هذا التنافس في مقدمتها الضغوط الإقليمية والدولية التي يتعرض لها البلدين، فضلا عن العلاقات الاقتصادية المشتركة التي تهدأ من حدة التوتر وتجعلهم يميلان إلى استيعاب الخلافات إلى حد ما، وفق تعبير الباحث في الشؤون الإيرانية.

تضييق خناق

من جانبه، يرى الباحث في الشأن التركي، طه عودة أوغلو، أن “العملية العسكرية التركية المرتقبة قوبلت برفض أمريكي واضح بالدرجة الأولى، وكذلك روسيا رفضت هذه العملية إلى جانب إيران التي أعلنت رفضها أيضا. كما وشهدنا مؤخرا نوعا من التوتر الواضح في العلاقات الإيرانية التركية وفي مختلف الساحات، لذا فإن ما تصدره تركيا حاليا من تصريحات تضيق الخناق على إيران، خاصة الأخيرة التي حاولت قدر الإمكان الاستفادة من الفراغ الذي خلفته روسيا في سوريا وهذه العملية العسكرية التركية إذا حدثت ستخلط الأوراق بالنسبة للإيرانيين. وقد لوحظ ذلك في محادثات أستانا مؤخرا حيث تم التأكيد على ضرورة الحفاظ على خريطة نفوذ الدول الثلاث (تركيا – إيران – روسيا) في سوريا”.

وأردف الباحث في الشأن التركي لـ”الحل نت”، “أتصور أن العلاقات الإيرانية التركية علاقات تنافسية بالدرجة الأولى، تارة تنخفض وتارة تطفو على السطح، وهذا ما تابعناه خلال الأيام الأخيرة فيما يتعلق بالاتهامات الإسرائيلية لإيران باستهداف سياح إسرائيليين في تركيا، وخاصة أن سياسة تركيا مختلفة مع الدول الإقليمية مثل إسرائيل ومصر والسعودية والإمارات، وهذا بلا شك مزعج لإيران، حيث تأمل إيران في التعاون بين البلدين أكثر، وأتصور أنه في الفترة المقبلة سيكون هناك تصعيد بين البلدين، لكن الدبلوماسية ومصالح البلدين تظل هي الأهم، وهذا سيطغى على كل الخلافات”.

قد يهمك: تطور غير مسبوق.. تركيا تدعو لمواجهة إيران

صراع نفوذ في سوريا؟

حول مدى وجود توتر وصراع نفوذ بين طهران وأنقرة في ظل تراجع حضور روسي على الأرض السورية، يعتقد الباحث في الشأن الإيراني، محمود حمدي، بأن انشغال روسيا بالحرب على أوكرانيا قد أدى إلى تعزيز طموح تركيا بتنفيذ مخططا في شمال سوريا، والذي يستهدف تأمين مزيد من مناطق النفوذ للجماعات الموالية لتركيا، وإضعاف خصما تركيا في سوريا كل من إيران وروسيا.

وحول مصير التوترات التركية الإيرانية في سوريا ومستقبل العلاقات بينهما داخل الملف السوري، يقول الباحث في الشأن الإيراني، “تيار التطورات في صالح تركيا في ظل التحالفات الإقليمية والضغوط والعقوبات التي تواجهها إيران، فضلا عن الأزمة الداخلية المتفاقمة التي تحد من قدرتها على مد ميليشياتها في سوريا بالسلاح والمال، كذلك التصعيد الإسرائيلي الذي يستهدف تمركزات الميليشيات التابعة لإيران والأسلحة التي ترسلها إلى سوريا”.

وفي الوقت نفسه، فإن تركيا قد نجحت في إذابة الجليد في علاقاتها ببعض القوى الإقليمية كدول الخليج ومصر، وقد عززت الحرب الأوكرانية من أهمية ومكانة تركيا وهو ما يصب في صالح تركيا فضلا عن الانشغال الروسي وعدم قدرته على معارضة العملية العسكرية التركية في شمال سوريا ناهيك عن التفوق العسكري التركي مقابل تواضع إمكانيات حكومة دمشق ومن ورائه إيران، على حد قول الباحث الإيراني لموقع “الحل نت”.

واعتبر حمدي، بأنه إذا ما وسعت تركيا من نفوذها في الشمال السوري فقد يقود هذا إلى الصدام مع الميليشيات الإيرانية في سوريا، لكن ربما لا تصل الأمور إلى مواجهة مباشرة بين تركيا وإيران، وفق تعبيره، فمصالحهما على الصعيد الاقتصادي وبعض الملفات لا تسمح بدخول الطرفين في مواجهة.

من دون شك فإنه في حال شنت تركيا هجوما كبيرا وواسعا وامتد لمناطق نفوذ الجيش السوري وحلفائه الإيرانيين، فهذا سيولد توترا في العلاقات بين تركيا وإيران، ولكنه لن يمتد إلى تصعيدات عسكرية، إذ ترى إيران أنه من الضروري الحفاظ على الخريطة العسكرية الحالية وعدم التفريط في خسارة أي من المناطق والبلدات لاسيما المدن الاستراتيجية مثل نبل والزهراء المحاذيتين للطريق العام الذي يربط مدينة حلب بالحدود التركية، وفق مراقبين.

وتعتبر إيران من الدول الثلاث “الضامنة” في اجتماعات “أستانا” إلى جانب تركيا وروسيا. وكان موقع “المونيتور” الأميركي قد نقل، في 11 من حزيران/يونيو الجاري عن مصدر إيراني قوله إن “طهران أرسلت مسؤولا في المخابرات العسكرية إلى أنقرة لنقل اعتراضاتها”، المتعلقة بالتهديدات التركية في شمال سوريا.

وأضاف المصدر أن تركيا “تدرك جيدا” أن إيران ستدافع عن نبل والزهراء في ريف حلب، رغم أن إيران تجنبت مواجهة تركيا بشكل مباشر في سوريا حتى الآن.

قد يهمك: أوكرانيا تزيد الخلافات الروسية التركية.. تحالف وهمي؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة