الجنوب السوري ,وخاصة محافظتي درعا والسويداء، من أهم المناطق التي تحوي مناطق أثرية متنوعة، حيث تعاقبت على المنطقة حضارات مختلفة، ما جعلها تملك إرثا أثريا كبيرا، جعل منها خلال العقود الماضية مَطمعا للباحثين عن الآثار، سواء من الحكومات، أو من الأفراد، ولكن بعد العام 2011 انتشرت فوضى التنقيب عن الآثار ,وبطرق غير معتادة في هذا المجال، ما يسبب تخريبا للمواقع الأثرية كاستخدام المواد المتفجرة.

المتفجرات وسيلة للحفر

شبكة “السويداء 24” المحلية، تحدثت يوم أمس، عن تزايد إقبال الشبان على استخدام المتفجرات في عمليات الحفر, والتنقيب عن الآثار في محافظة السويداء جنوبي سوريا، ما يسفر عن وفيات وإصابات، من بينها مقتل شاب وإصابة آخر بجروح خطيرة، في حادثتين منفصلتين خلال الفترة الماضية.

يعود استخدام المتفجرات, وخاصة “الديناميت” في عمليات التنقيب عن الآثار إلى فترة جود رفعت الأسد في ثمانينات القرن الماضي، حيث كان أبرز الشخصيات المحسوبة على السلطة، ممن قاموا بنهب آثار سوريا، ومن جديد عاد هذا الأسلوب في محافظتي السويداء ودرعا بسبب الفوضى الأمنية المنتشرة فيهما.

مصدر خاص، لـ”الحل نت”، تحدث عن عملية استخدام المتفجرات، مبينا أنه يتم اللجوء للمتفجرات في حالات محددة، وهي عادة ما تحتاج إلى خبرة بكيفية وضعها، مضيفا أن استخدامها يكون في المناطق التي تتمتع بميل معين، حتى لا تتسبب بردم كامل للمكان المستهدف، وتُستعمل بعد أن يتم تحديد المكان الذي من المفترض أن يحوي الآثار.

وأوضح المصدر، أن هناك بعض المواقع الأثرية، التي تكون مغلقة بصخور ذات حجم كبير يصعب اقتلاعها أو تحريكها، واللجوء للمتفجرات يكون حلا في حال عدم وجود آليات كبيرة، حيث يتم زرع عدد من أصابع “الديناميت” في محيط هذه الصخور بحيث يكون العدد مناسبا للحجم، ويتم تفجيرها عن بُعد لعدم التعرض للأذى.

ولكن ما يجري، بحسب المصدر، أن معظم من يستعملون المتفجرات لا يملكون الخبرة بكيفية استخدامها، وهو ما يتسبب بالوفيات والإصابات، ومشيرا إلى أنه خلال الحرب في السنوات الماضية أصبح لدى الكثير من الشبان خاصة من عمل في صفوف الفصائل، أو الجيش خبرة في التعامل مع المواد المتفجرة.

إقرأ:استمرار العمل بمجمع سياحي مخالف لقانون الآثار السوري

كيف تتم عملية البحث عن الآثار؟

مصادر محلية في درعا، وضحت لـ”الحل نت”، أن هناك نوعان من المناطق الأثرية، آثار بارزة ومعروفة كالآثار في بصرى الشام، أو درعا البلد، وهذه لا تعتبر هدفا للمنقبين المحليين عن الآثار لكونها مكشوفة ومن الممكن أن تتم ملاحقتهم من الجهات المسيطرة على تلك المناطق.

أما النوع الآخر والذي يعتبر هدفا لكل الأطراف، بما فيها أجهزة الأمن والميليشيات الإيرانية، وقبل ذلك الفصائل، وتنظيم داعش، فهو المقابر القديمة، وهي منتشرة بكثرة ليس فقط في درعا وإنما في الجنوب بشكل عام، وخاصة المدافن المقدسة المعروفة بمدافن ” الدولمن” وهي تتوزع في أكثر من منطقة منها تل الأشعري غربي درعا، وهي قبور للكهنة ورجال الدين من عصور مختلفة تحتوي عادة بعض العملات والمجوهرات الثمينة، وبعض المخطوطات التي تتحدث عن تلك العصور، والتي تباع بعد تهريبها لخارج البلاد بأسعار مرتفعة جدا.

وبحسب المصادر، هناك أجهزة مختلفة للبحث عن هذه المدافن، بعضها بدائي باستخدام قضبان من النحاس، تستخدم عادة لتحديد الفراغ في الأرض، أو حتى ينابيع الماء وهي طريقة شائعة في الجنوب يطلق عليها طريقة “السياخ”، وهناك أجهزة إلكترونية بسيطة للكشف عن المعادن وتعمل على تحديد المعادن على عمق نحو مترين، لكن أبرز الأجهزة تستخدمها الميليشيات الإيرانية، والأجهزة الأمنية، وتم البدء باستخدامها بعد العام 2018، وقد شوهدت مركبة على سيارات دفع رباعي، وهي قادرة على الكشف في نطاق يصل إلى 1 كم مربع، وعمق يتجاوز المترين، كما أن هناك أسلوبا يعتمد على حل بعض الرموز الموجودة في بعض المناطق، وفي هذه الحالة لا بد من تدخل شخص مختص بالآثار.

أما عملية الحفر، فتتم بعد تحديد المكان الذي تم الكشف عليه بأحد الوسائل المذكور، ويتم الحفر عادة بعدة يدوية بسيطة، أو باستخدام حفارات صغيرة، ولكن في بعض الحالات يتم اللجوء للمتفجرات، والتي تحمل سلبيات أبرزها التسبب بالأذى للأشخاص، وحتى للمواقع الأثرية.

قد يهمك:استرجاع آثار تدمر من سويسرا.. “الحل نت” يكشف طريق تهريب الآثار إلى أوروبا

الآثار وجه لاقتصاد الحرب في سوريا

تقرير سابق لـ”الحل نت”، أشار إلى أن حزب الله والميليشيات الإيرانية في ظل العقوبات الدولية المفروضة عليهم ,وعلى حكومة دمشق يلجأوون إلى تجارة الآثار, والمخدرات لتمويل عملياتهم الأمنية والعسكرية في جنوب سوريا بشكل عام، وتدر هذه التجارة مبالغ كبيرة باتت قادرة على تمويلهم بشكل ذاتي.

الخبير الاقتصادي حسن سليمان، قال لـ”الحل نت” في وقت سابق، إن العقوبات الغربية على دمشق وحزب الله أدت إلى تضييق الخناق عليهم، وباتوا يواجهون صعوبة بدعم عمليات هذه الميليشيات في سوريا، فكان لا بد من إيجاد بديل اقتصادي يوفر الدعم والتمويل الذاتي لهذه المجموعات وفق اقتصاد يكاد يكون لا مركزيا في كل منطقة على حدة.

وأوضح سليمان، أن جنوب سوريا، بيئة خصبة لتجارة المخدرات لمجاورتها للحدود الأردنية، كما أنها منطقة أثرية بامتياز، لذلك بدأت هذه الميليشيات في الأعوام الثلاثة الأخيرة ,العمل في هاتين التجارتين بخط متوازي، دون النظر إلى الآثار الاقتصادية السلبية التي تنعكس على الاقتصاد السوري الوطني، فالمهم بالنسبة لهم هو تمويل عملهم ودفع رواتب عناصرهم، والحكومة السورية عاجزة عن وضع حد لهذه الأعمال، فيما يشارك فيها قسم كبير من الأجهزة الأمنية والعسكرية السورية، وخاصة الفرقة الرابعة والمخابرات الجوية.

وأشار سليمان، إلى أن مفهوم اقتصاد الحرب في سوريا مختلف تماما عن المفهوم العام لهذا النوع من الاقتصاد، فالدولة السورية الرسمية تكاد تكون منهارة تماما اقتصاديا وغير قادرة على تقديم أي دعم للشعب السوري, حيث تم منعها من قبل الفئة الحاكمة والميليشيات من تسخير اقتصاد الحرب المعروف عالميا لخدمة المواطن، فيما تم توجيه كل أشكال الاقتصاد لخدمة الحكومة وإيران وميليشياتها، وهذا ما سيزيد من تدهور الاقتصاد السوري الذي أنهكه الفساد الاقتصادي على كل المستويات.

إقرأ:ترميم قوس النصر بتدمر: ما مكاسب روسيا من الهيمنة على ملف الآثار السورية؟

الآثار في سوريا، كأحد أهم عوامل الجذب السياحي من جهة، وكرمزية تاريخية للبلاد باتت مستباحة من قبل كل الأطراف، فالهدف اليوم هو القدرة على الحصول على عوائد مادية بصرف النظر عن الأسلوب، وما قد يخلفه من آثار.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.