دور موسكو المتغير في سوريا بات موضوع تكهنات إقليمية مكثفة، ففي حين أن غزو أوكرانيا يستنزف القدرة العسكرية الروسية ويغير أولوياتها الاستراتيجية، إلا أنه بات من الممكن افتراض سيناريو تتخلى فيه موسكو تماما عن دورها في الحماية السياسية والدبلوماسية للقوات المرادفة لها على الأرض في سوريا كالميليشيات الإيرانية.

فعلى وقع التراجع الروسي في سوريا، وفق ما أشارت إليه عدة تقارير مؤخرا، تشير التساؤلات حول تراجع الحضور الإيراني في سوريا بفعل الانشغال الروسي وتركيز الدور الإقليمي لمواجهة الإيرانيين، لا سيما وأن الملك الأردني، عبد الله الثاني، صرح في مناسبتين خلال أقل من شهر، حول جهود عربي وإقليمية لمواجهة التهديد الإيراني في سوريا.

روسيا تعزز فرص الحرب

بحسب أحدث إحصائية، أوردتها وزارة الخارجية البريطانية، والتي صدرت في الـ23 من حزيران/يونيو الجاري، فإنه اعتبارا من آذار/مارس الفائت، كان الوجود الإيراني في سوريا يتألف من ما يقدر بـ 3000 مستشار عسكري لـ”الحرس الثوري” الإيراني، وما بين 30 ألفا إلى 50 ألفا من الميليشيات الأجنبية التابعة لها، إذ أنه ومنذ بداية العام الجاري، تم الإبلاغ عن وجود ونفوذ إيراني في جميع أنحاء سوريا، مع تركيزه في محافظات دمشق وحلب ودير الزور وحمص والقنيطرة، ودرعا.

وبحسب الباحثة في “منتدى الإعلام العربي”، منى شبلي، فإن أصداء الحرب الروسية الأوكرانية، والتي مضى عليها أربعة أشهر، وصلت إلى سوريا، وهنا الحديث ليس عن وحدات أو ميليشيات تابعة لطهران تنضم إلى القتال هناك، بل عن الجغرافيا السياسية والفراغ الذي بدأ يلاحظ نتيجة التراجع العسكري التدريجي وانسحاب روسيا من سوريا، مع ملء الوجود الإيراني لهذا الفراغ.

ووفقا للباحثة السورية، فإن روسيا دخلت المنطقة في ظل تراجع دولي سعيا لتحقيق مصالحها، وأدى ذلك إلى قيام موسكو بتحسين ميزانها التجاري والاستثماري، إلى جانب استخدام ميناء طرطوس، وكان الوجود العسكري الروسي في سوريا  (لدعم دمشق) بمثابة قوة موازنة وضبط لإيران، رغم أنها حليف للإيرانيين هناك، كما أصبح وجودها سببا لقبول إقليمي لانتشار الميليشيات الإيرانية في سوريا.

لكن نظرية الميزان الخارجي داخل سوريا على وشك الانهيار، وفقا لشبلي، ففي الأسابيع الأخيرة، كانت هناك تقارير عن مغادرة القوات الروسية، ربما إلى خط المواجهة في أوكرانيا، مما خلق مساحة أكبر للإيرانيين، فالانسحاب الروسي من سوريا قد ينتهي به الأمر إلى تكرار انسحاب أميركا من العراق، وقد يعني هذا أن السيناريو العراقي والتغيرات الديموغرافية، والميليشيات الإيرانية المسلحة، والقتل والتهجير، قد يتكرر في سوريا، وهو أمر مرفوض حاليا لدى العرب ولا سيما الدول الإقليمية مثل إسرائيل.

هل تتراجع إيران في سوريا؟

خلال الفترة القليلة الماضية، أشارت عدة تقارير إلى أن قوافل من “الحرس الثوري” الإيراني و”الحشد الشعبي” العراقي دخلت الأراضي السورية عبر مدينة البوكمال وتوجهت إلى محافظة دير الزور شرقا. وهذا يعني أن إيران تستهدف بالفعل الرابط البري مع دمشق لأغراض عسكرية، مما يعزز قدرتها على الحفاظ على وجودها العسكري في سوريا.

ووفقا لشبلي، فقد تذهب الأمور إلى أبعد من ذلك، لأن طهران لديها مشروع وأجندات خفية، إذ أعطى طلب دمشق منها التدخل في سوريا مبررا لـ”فيلق القدس” و”الحرس الثوري” الإيراني للتدخل في العراق وسوريا من خلال العمل مع الميليشيات التابعة لها في العراق و”حزب الله” اللبناني، مما ضاعف نفوذها، فمنذ عام 2014، اتخذت إيران سلسلة من الخطوات لتعزيز موقعها في سوريا ولبنان، لا سيما وجودها العسكري، فضلا عن مكانة وكلائها مثل “حزب الله” اللبناني.

لذلك، تبنت إيران سياسة بناء محاور استراتيجية، بما في ذلك العمل على بناء ممر بري يربط طهران بسوريا ولبنان عبر العراق، لإعطاء نفسها موطئ قدم على ساحل البحر الأبيض المتوسط ، حيث سعت إيران إلى استخدام الميناء البحري السوري في اللاذقية. وهذا الممر يقوي بيئتها كما يسمح لإيران بتزويد “حزب الله” بالسلاح، للظهور أنها تسيطر على أكثر من دولة عربية ولديها خبرة قتالية يمكنها نقلها إلى أي منطقة نفوذ لها.

وبرأي الباحثة، فإن “الأمن القومي العربي مطلوب اليوم، ليس فقط لوقف تمدد المشروع الإيراني، بل لمواجهته وتحرير الدول العربية من المليشيات التابعة لها، هذا هو السبيل الوحيد لوقف إرهاب طهران وميليشياتها وعرقلة طريقهم إلى الأمام، وهذا ما يسعى إليه العرب مع القمة المزمع عقدها في تموز/يوليو القادم لتشكيل ناتو عربي، والذي سيشكل مصدر ضغط على إيران للتراجع في سوريا واليمن على حد سواء”.

عوامل مهدت لنفوذ إيران

بما أن الميزان الخارجي النظري في سوريا على وشك أن يميل لصالح طهران، إذ إن انسحاب روسيا مع استمرار الوجود العسكري لإيران يمكن أن يشعل نيران الصراع داخل سوريا وحولها، اعتبر الباحث في مركز “الحوار السوري” أحمد قربي، أن هناك عوامل مباشرة وغير مباشرة تؤثر على النفوذ الإيراني في سوريا، لافتا أن الحضور الروسي في مناطق سيطرة دمشق هو “اللاعب الأساسي، وبالتالي التمدد الإيراني من عدمه مرتبط بهذا العامل”.

ورأى قربي، خلال حديث لموقع “العربي الجديد”، أن العوامل المباشرة تتلخص بأمرين، الأول التحركات الأميركية، والثاني التحركات الإسرائيلية، مشيرا إلى أنهما يهدفان إلى الحد من انتشار النشاط الإيراني داخل سوريا.

وعن القمة التي سوف يعقدها الرئيس الأميركي، جو بايدن في السعودية، فبحسب الباحث السوري، فإن للقمة هدفان: الأول محاولة واشنطن حشد الموقف الخليجي خلف الموقف الأميركي المناهض للغزو الروسي لأوكرانيا، لا سيما في ما يتعلق بالنفط وزياد الإنتاج النفطي، والهدف الثاني مناقشة تطورات الملف النووي الإيراني والتمدد الإيراني في المنطقة ككل وليس في سوريا فقط.

الجدير ذكره، أن العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، أوضح هذه الحقيقة السياسية في 18 أيار/مايو الفائت، وأكد أثناء زيارته لجامعة “ستانفورد” في الولايات المتحدة، أنه إذا ما انسحبت روسيا من الجنوب السوري، فستملأ إيران الفراغ، ووكلائها يشكلون تهديدا حقيقيا لاستقرار الأردن، وأضاف أنه منذ أن انشغلت موسكو بالحرب الأوكرانية، كانت بلاده تواجه احتمال نشوب صراع على حدودها مع سوريا.

وكان عبد الله الثاني، يشير إلى تقارير تفيد بأن إيران كانت تستفيد بالفعل من انشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا للتوسع في جنوب ووسط سوريا، إذ يمثل وجود إيران في جنوب سوريا تهديدا حقيقيا للأردن.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة