تثير قضية التطرف الديني في كردستان العراق كثيرا من الاهتمام والجدل، خاصة أن الإقليم يقدّم نفسه بوصفه المنطقة الأكثر انفتاحا وتعددية في العراق، وملجأ لكل الهاربين من الصراعات الدينية والعرقية والطائفية.

إلا أن إقليم كردستان شهد مؤخرا عددا من الحوادث المثيرة للقلق، التي دعت البعض للحديث عن “أسلمة كردستان”. فيما عُرفت بعض مدن الإقليم، مثل حلبجة ومدن هورامان بمحافظة السليمانية، بالتشدد الديني، على خلاف بقية المناطق الكردية.

 يذكر أن حلبجة فاجأت السلطات الكردية، أثناء الاستفتاء الذي أجراه الإقليم حول الانفصال عن العراق، في إيلول/سبتمر 2017، برفض معظم أهاليها للانفصال، بسبب سياسة السلطات الكردية، التي وصفوها بـ”العلمانية”.

كما أن المنطقة تضم أكبر عدد من المساجد ومعاهد تعليم القرآن والشريعة الإسلامية في إقليم كردستان، لكنها بالوقت نفسه تعتبر أقل مناطق الإقليم في نسب ارتكاب الجريمة المنظمة والعنف العشائري، حسب سجلات السلطات الامنية.

أهالي حلبجة، التي ترتبط بذاكرة العراقيين بالقصف الكيماوي، الذي تعرضت له عام 1988، من قبل نظام صدام حسين، وراح ضحيته الاف المواطنين، يؤكدون أن منطقتهم تجاوزت مشكلة التشدد، بفضل التغيرات الكثيرة التي طرأت عليها منذ عام 2003. فهل يمكن اعتبار تجربة حلبجة نموذجا عاما لمواجهة التطرف الديني في كردستان العراق؟

معقل التطرف الديني في كردستان العراق

 الصحفي والكاتب الكردي سوران كريم أرجع انتشار التشدد الديني في حلبجة ومدن هورامان لعوامل عدة، منها “استغلال المتطرفين للفطرة الدينية لسكانها” حسب تعبيره.  

وقال كريم، في حديثه لـ”الحل نت”، إن “وجود المنظمات الإسلامية المتطرفة في تلك المناطق له أسباب كثيرة، ربما من اهمها تضاريس المنطقة، لكونها جبلية ووعرة”. مبينا أنه “من الناحية العسكرية والأمنية استغلت المنظمات الإرهابية هذه التضاريس، فضلا عن جغرافيتها الحدودية مع إيران”.

موضحا أن “العامل الأهم للتطرف الديني في كردستان عموما، ومنطقة حلبجة خصوصا، هو طبيعة الأهالي المسلمين المسالمين، المرتبطين بالطرق الصوفية، فحلبجة  كانت تُعرف بعاصمة التصوف النقشبندي”.  

وأشار إلى أن “الجماعات الدينية المتطرفة استغلت هذا، وحولت المدينة الى سجن كبير، وفرضت الشريعة الإسلامية والتشدد في تسعينات القرن الماضي”. مؤكدا على أن “المتطرفين مارسوا الرعب والإرهاب بحق من يخالفهم في تطبيق شريعتهم، الرافضة للتحرر والعقلانية والاعتدال”.

ولفت الصحفي الكردي إلى أنه “بحسب بعض الخبراء الامنيين قد استضافت هذه المناطق أبا مصعب الزرقاوي، القيادي في تنظيم القاعدة، عام 1997، الذي أتى من أفغانستان عن طريق إيران، وساهم بنشر التطرف الديني في كردستان العراق في فترة وجوده”.  

مستدركا بالقول: “استمرت حلبجة ومدن هورامان على هذا الحال إلى حين سقوط النظام السابق، واستهدافها بصواريخ أمريكية من البحر الاحمر، مما دفع مسلحي التيارات الإسلامية للهروب منها”.

حلبجة وهورامان لم تعودا موطنا للتطرف الديني

من جهته اعتبر إسماعيل حمه، المتخصص بالجماعات الإسلامية الكردية، أن “مدن منطقة هورامان، التي منها حلبجة وبياره واحمد اوه، قد تجاوزت التشدد، ولم تعد مثالا للتطرف الديني في كردستان، بل أصبحت تضاهي المناطق السياحية الأخرى في الإقليم، ويرتادها السواح من مختلف المشارب”.  

وأشار، في حديثه لموقع “الحل نت”، إلى أن “السبب الرئيسي لتغيير طابع المنطقة كان القصف الأميركي، في عام 2003، لمعاقل المتطرفين، الذين كانوا يسيطرون على المدينة وأهلها. وكذلك التغييرات التي شهدتها الحياة بصورة عامة، مثل الانفتاح على الإنترنت، ونشوء نظام ديمقراطي في العراق، وبالتالي فإن التطرف الديني في كردستان العراق لا يرتبط بمدينة ومنطقة معنية وسكانها”.

مشددا على أن “المدينة باتت تخلو من النقاب، كما تضم محال بيع الخمور والمقاهي الشبابية، في الأماكن السياحية والعامة لها”. مشيرا الى “وجود كثير من النساء يقدن السيارات بدون حجاب، ولا يتعرضن للمضايقات، كما كان يحصل سابقا”.  

وكان أحمد غريب، المدير العام للسياحة في حلبجة ، قد أعلن أن “نحو خمسة وسبعين ألف سائح قصدوا الأماكن السياحية في المنطقة، خلال أيام عيد الفطر الماضي”.

التحول المدني في مواجهة التطرف

ولفت حمة الى أن “التحوّل المدني يؤدي دائما إلى انخفاض التشدد. ولذلك يبقى التطرف الديني في كردستان، الذي شهد كثيرا من التطوير، ظاهرة هامشية. وبالنسبة لحلبجة فقد تقبّل أهلها انفتاح المنطقة على السياحة، التي حسّنت الأوضاع الاقتصادية فيها. خاصة أن منطقة حلبجة تضم مصيف احمد اوه، وبحيرة سيروان، وهما من أهم معالم كردستان السياحية، التي يرتادها السواح العراقيون والعرب والأجانب”.

وأوضح الباحث الكردي أن “منطقة هورامان أصبحت نموذجا للثقافة المدنية لكل من يزورها من أبناء محافظات الوسط والجنوب العراقي. ورغم الظواهر المقلقة، فالتطرف الديني في كردستان العراق لا يمكنه التأثير على هذه النهضة المدنية”.

وكانت حكومة إقليم كردستان قد أصدرت، في آذار/مارس 2014، قرارا برفع المستوى الإداري لقضاء حلبجة، وتسميته محافظة رابعة ضمن حدود الإقليم، ومحافظة تاسعة عشرة ضمن حدود العراق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.