الحريات العامة بإقليم كردستان العراق: هل ما يزال الإقليم ملجأً للهاربين من العنف والتطرف؟

الحريات العامة بإقليم كردستان العراق: هل ما يزال الإقليم ملجأً للهاربين من العنف والتطرف؟

يتحدث كثيرون عن تراجع الحريات العامة بإقليم كردستان العراق مؤخرا. إذ يبدو أن الإقليم، الذي يتمتع بحكم شبه مستقل، يعاني من مشاكل اجتماعية كبيرة، رغم الانفتاح والتطور العمراني الذي شهده في السنوات الماضية، واعتباره من قبل كثير من العراقيين، وغيرهم من أبناء المنطقة، ملاذا آمنا من التطرف الديني وتسلط الفصائل المسلحة.
ومع أن الإطار القانوني في إقليم كردستان ينص على حماية حقوق الانسان، إلا أن الحقائق التي يتم رصدها حاليا على أرض الواقع، تشير إلى نمط قمعي متزايد، وإلى تقييد حرية التعبير والحريات الشخصية .
وتزايدت حالات انتهاكات حقوق الإنسان في إقليم كردستان حسب تقارير دولية، أشارت، في الوقت نفسه، إلى تصاعد الخطاب المتطرف، ما يهدد حالة الازدهار النسبي التي عرفها الإقليم.
وعثرت شرطة محافظة دهوك قبل أسابيع على جثة قرب ناحية مانكيش. وبحسب بيان الشرطة فإن “الجثة لشاب متحول جنسياً، كان يروّج خلال الفترة الأخيرة، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لتحوله من ذكر إلى أنثى، فقام شقيقه بقتله“.
وأثارت هذه القضية تنديدا واسعا من قبل المنظمات الدولية، وعدد من السفارات الأجنبية، من بينها القنصلية الألمانية في أربيل، التي حذرت من تراجع الحريات العامة بإقليم كردستان العراق.

الحريات العامة بإقليم كردستان و”أسلمة المجتمع”

وفي السياق نفسه شهدت مواقع التواصل الاجتماعي جدلا كبيرا بين مؤيد ومعارض للجريمة. إذ انقسمت الآراء بين غاضب من جرائم قتل المتحولين جنسيا في المجتمع العراقي، وبين من يطالب بمنع ظاهرة التحول الجنسي، التي يبدو أنها ازدادت في العراق بالآونة الأخيرة.
ووفقا لتقرير إحدى منظمات المجتمع المدني في العراق فإن “مناطق وسط العراق من أكثر الأماكن خطرا على المتحولين، حيث تبلغ نسبة الخطورة  على حياتهم 54 بالمئة. يليها إقليم كردستان بنسبة 29 بالمئة”. وهذا الأمر يثير قلق المنظمات المختصة بحقوق الإنسان والحريات الشخصية.
سالار التاوكوزي، وهو أكاديمي كردي ومتخصص في شؤون الجماعات الدينية، تحدث لـ”الحل نت” عن تراجع الحريات العامة بإقليم كردستان، مركزا على ما سماه “أسلمة المجتمع الكردي”، وهي عمليه يراها مستمرة منذ ثمانينات القرن الماضي.
ويضيف: “منذ سنوات حاولت الأحزاب والحركات الإسلامية، القريبة من تيار الإخوان المسلمين، تحويل المجتمع الكردي إلى مجتمع محافظ ومتشدد ومنغلق. بينما كان المجتمع سابقا منفتحا على كل الأديان والمذاهب والأفكار”.
معتبرا أن “الإسلام السياسي الكردي نجح  في تطبيق برامجه المستوردة من الخارج. وما يحدث في محافظات الإقليم دليل واضح علی أن المجتمع الحالي مصبوغ بصبغة إسلامية متطرفة، ما يؤدي إلى تراجع الحريات العامة”.
وعن أسباب ما يعتبره تحولا اجتماعيا خطيرا يقول التاوكوزي إن “الأحزاب الحاكمة تركت المجتمع الكردي للإسلاميين، وانشغلت بالتجارة وجني الأموال والنفط، ولم يكن لديها أي برنامج للإصلاح الاجتماعي، ومحاربة الأفكار الدينية المتطرفة”.

تراجع حريات النساء بإقليم كردستان

إلا أن تراجع الحريات العامة بإقليم كردستان العراق لا يقتصر على ظواهر قتل المتحولين جنسيا، إذ تؤكد منظمات مختصة بالدفاع عن حقوق النساء أن “مستوى الحريات، وتمثيل النساء في المؤسسات العامة، يشهد تراجعاً في الإقليم”. وتسجل مدن إقليم كردستان، بشكل شبه يومي، حوادث قتل لنساء بدواعي الشرف، كما تؤكد وسائل الإعلام والإحصائيات الرسمية وجود زيادة في حالات انتحار الإناث.

آلا كمال، الناشطة في مجال حقوق المرأة، تؤكد أن “مستوى حرية النساء يشهد تراجعا كبيرا بإقليم كردستان العراق، على عكس ما كان سائدا في السنوات السابقة، وهذا يعود لعوامل مختلفة”.
موضحة، في حديثها لموقع “الحل نت”، أنه “قد تمت زراعة أفكار التطرف في أوساط الجيل الجديد من الشباب، من خلال إقامة دورات دينية في المساجد التي لا تخضع للمراقبة الحكومية. كما أن حكومة الإقليم، وتحت ذريعة إقامة العلاقات مع الدول العربية والخليجية، بدأت تغض النظر عن الحركات المتطرفة في الإقليم، وكل هذا انعكس بشدة على الحريات العامة بكردستان العراق”.

التطرف العشائري أكثر خطورة من التطرف الديني

ضياء بطرس، الرئيس السابق لهيئة حقوق الإنسان في إقليم كردستان، يعبّر عن رأي مختلف، فهو لا يحمّل المسؤولية للإسلام السياسي بقدر عودة الحالة العشائرية بشكل قوي إلى  الإقليم، ما انعكس على الحريات العامة.
ويقول بطرس، في إفادته لـ”الحل نت”: “أكثر ما يؤلمنا، ويؤلم الجميع، أن الإقليم، الذي كان قد خطى خطوات كبيرة في ملف الحريات الشخصية، وأقر قوانين مهمة في هذا المجال، بات ساحة للفوضى الأمنية، مثل بقية محافظات العراق، بسبب انتشار السلاح المنفلت في أغلب مناطقه”.
وأضاف أن “الإقليم يتّبع نهجا جيدا في قضايا حقوق الإنسان، ومسائل الاتفاقات الدولية والانفتاح الخارجي، الأمر الذي كان من المفترض أن يقف عائقا أمام ما يحدث من اعتداءات وجرائم قتل، فضلا عن الصراعات التي تحدث بين الأهالي، في البيت الواحد أو العشيرة الواحدة”.

مقالات قد تهمك: ختان الإناث في العراق: هل بدأت الظاهرة بالانحسار داخل إقليم كردستان وخارجه؟

مختتما حديثه بالقول: “السلاح بات جزءا لا يتجزأ من حياة الناس في الإقليم. وهو أمر شديد الخطورة، خاصة في مجتمع ما يزال محافظا على طابعه العشائري، ما أدى إلى تزايد جرائم قتل النساء بدعوى الشرف. فضلا عن الاعتداء على المثليين والمتحولين جنسيا. وبالتالي فإن تراجع الحريات في إقليم كردستان العراق مرتبط بالمسألة الأمنية”.
ويأمل معظم من التقاهم الموقع أن يحافظ الإقليم على الخطوات التي أنجزها في مجال حقوق الإنسان، خاصة وأنه يعتبر المكان الذي تلجأ له أغلب العوائل، التي تتعرض للتهديدات في مدن العراق الأخرى. ولذلك فالحفاظ على الحريات العامة بإقليم كردستان العراق قد يكون ضرورة لأغلبية العراقيين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.