قد يساعد العمل من المنزل على تبسيط الأمور العملية في حياة النساء اليومية، لكنه يأتي على حساب آفاق التوظيف طويلة الأمد والصحة العقلية، حيث تتضاعف مهام العمل أكثر من أي وقت مضى، وتنقص المكافآت، مع التعرض للانتقاد بسبب ذلك.

صحيفة “إندبندنت” البريطانية إن رد الفعل العنيف ضد العمل من المنزل بلغ أدنى مستوياته مطلع شهر أيار/مايو الماضي عندما وزع النائب البريطاني جاكوب ريس موغ، ملاحظات موقعة بخط اليد “آسف لقد اشتقت إليك” على كل مكتب فارغ في مجلس الوزراء.

ولكن هذا الرجل الذي أكسبه هجومه على معايير مكان العمل بعد الوباء لقب “العضو المحترم للقرن 18” نسي أحد التفاصيل المهمة؛ وهي أن الخدمة المدنية قللت من المساحات المكتبية المهدورة؛ ما يعني أنه لا يوجد مكتب لكل فرد من العاملين في المجلس وعلى الرغم من غيابهم، فهم لا يزالون يعملون.

ولا يمثل ريس موغ وهوسه بالحضور إلى المكتب مشكلة بالنسبة لمعظم الناس، لكن مواقف أولئك الذين يشاركونه “قلقه” بشأن نظام العمل الهجين قد تكون أكثر خطورة وخبثا، متحججين بفكرة أن أولئك الذين يدافعون عن المرونة خلال سنوات كوفيد-19 هم مجرد أشخاص كسالى يستمتعون بفرصة الاستيقاظ قبل 10 دقائق من اجتماعهم الصباحي، إلا أن معظم الناس في الواقع، وخاصة النساء، لا يستمتعون بهذا النظام.

وأشارت الكاتبة هانا فيرن إلى بحث جديد نُشر مؤخرا حول تأثير العمل الهجين على النساء على وجه الخصوص، حيث وجدت شركة “ديلويت” أن 47 بالمئة من النساء العاملات في المملكة المتحدة صرحن بأن مستويات التوتر لديهن أصبحت أعلى مما كانت عليه قبل عام، وأن نصف هذه المجموعة يشعرن بالإرهاق. وفي الواقع، تقول النسبة نفسها أنهن يفكرن في ترك العمل خلال العامين المقبلين.

فوائد وتحديات

لا شك أن فوائد العمل عن بعد تشتمل على عدة مزايا ومنافع تجعله مرغوبا ومقبولا من قِبل الشركات وروّاد الأعمال وحتى العاملين نظرا لتقليل التكاليف وتخفيض عدد العاملين في مكتب واحد من قِبل الشركات، والعمل في أي وقت بدون قيود المكان والزمان – أحيانا – من قبل العاملين.

كل يوم جديد هو تحد في حياة المرأة العاملة، يبدأ لحظة استيقاظها، ولا يتوقف إلا حين يلجأ الأولاد إلى أسرتهم للنوم بأمان، فهي المسؤولة الأولى في حياة الأسرة، يدعمها الرجل فيجعل خطاها أكثر ثقة وثباتا، وتدعمه فتجعل حياته أكثر تميزا. ولأن عملها لم يعد خيارا شخصيا بل أضحى حاجة اجتماعية وأسرية ملحة، لتؤدي دورها في مجتمعها، ودورها في دعم أسرتها، بات لزاما على المؤسسات وجهات العمل دعمها في تحمل مسؤوليتها، وهذا ما أضحت ترحب به الكثير من جهات العمل متفهمة تغير المفاهيم والأولويات في حياتنا المعاصرة ولا سيما في جائحة كورونا التي قلبت كل الموازين.

فالمرأة هي الشريكة التي تسعى جاهدة لتلحق بحلم تحقيق التوازن بين العمل والمنزل، فلا تسمح لنفسها بالتقصير في أي مكان. وحققت مبادرة “العمل عن بعد” لها العديد من الفوائد إذ أعادت للأم دورها وحققت لها التوازن المنشود على الصعد كافة، سواء في عملها أو في محيط أسرتها، بالإضافة إلى إتاحة الوقت الكافي لتحقيق طموحها في مجال ريادة الأعمال.

على المقلب الآخر فإن العمل من المنزل لا يجعل العمل المأجور أكثر سعادة وأسهل جزءا من حياتنا، بل يجعل وظائفنا أكثر إرهاقا. مع ذلك، يظل العمل من المنزل أكثر جاذبية من ساعات العمل الطويلة، والتنقلات البعيدة وباهظة الثمن وغيرها.

ولا تستمتع النساء بهذا الوضع، إذ يجلب ذلك شعورا بالوحدة والإحباط، وله تأثير قوي على علاقاتهن في المنزل والعمل، لكنه يبقى الخيار الأنسب.

الأسرة والعمل

تحتاج النساء على الأغلب إلى تلك التغييرات الصغيرة التي أتاحها الوباء في الحياة العملية، إلا أن هذه التحولات لا تفتح أبواب الفرص أو توسع الآفاق. وقد تساعد في المقابل على تبسيط الأمور العملية في حياتنا اليومية، لكنها تأتي على حساب آفاق التوظيف طويلة الأمد والصحة العقلية، حيث تتضاعف مهام العمل أكثر من أي وقت مضى، وتنقص المكافآت، مع التعرض للانتقاد بسبب ذلك.

تشير العديد من الأبحاث إلى أن العمل المرن أدى إلى زيادة الصراع بين الأسرة والعمل لأنه أدى إلى توسع العمل وزيادة العبء المنزلي على الموظفين، وتشير النتائج المتكررة إلى أن النساء أكثر عرضة لتحمل المزيد من المسؤوليات المنزلية مع العمل المرن، بينما يميل الرجال بشكل أكبر لتحديد أولوياتهم والتوسع في مساحة عملهم.

وجدت دراسة أن الرجال المحترفين بوجود أطفال أو من دونهم والنساء المحترفات من دون أطفال أكثر عرضة للعمل ساعات عمل زائدة دون مقابل، خاصة عند سيطرتهم بشكل أكبر على جدول أعمالهم، لكن الأمهات المحترفات لا يتعرضن لذلك.

من الناحية التاريخية فإن ممارسات الشركات نحو زيادة العمل المرن بهدف تسهيل الموازنة بين العمل والحياة لم تؤد إلى زيادة تقدم المرأة نحو مستويات أعلى في العمل، لكنها ساهمت في الاحتفاظ بالمرأة في مستويات إدارية منخفضة.

إن “جاذبية التشابه” و”مبدأ التماثل” يشكلان الشبكات غير الرسمية، نتيجة لذلك فحتى في بيئة العمل التي لا تتضمن العمل من المنزل، تجد النساء صعوبة أكبر في الحصول على فوائد الوظيفة التي تأتي من التواصل السهل مع الرجال صناع القرار، لذا هل يساعد العمل من المنزل في سرعة تقويض هذا التمايز بتقليل فرص التواصل وجها لوجه.

إذا كانت الإجابة نعم، سيكون لذلك تأثير كبير على مسارات المهنة، فهؤلاء العاملون في المستوى المتوسط هم في مرحلة التقدم في العمل، وهذه المهام التي تحول المديرين لقادة والتدريب غير الرسمي – لكنه حاسم – الذي قد يحدث بعد اجتماع مهم أو عرض كبير، ضروري لبناء مسار قوي للتقدم.

لكن الاجتماعات الافتراضية عبر الإنترنت لن تقدم نفس هذه الفرص وآليات التغذية الراجعة، لذا هل تصبح التغذية الراجعة البناءة غير الرسمية – والضرورية لعملية التعلم – عملية أكثر ارتباطا بالنوع؟

رغم أن الكثير من الشركات تحولت للعمل عن بعد بشكل كامل، ما زال هناك الكثيرون الذين يتبعون الطريقتين في العمل، لذا ماذا سيحدث عندما يعمل بعض الأفراد في المكتب أو يسافرون للعمل بينما يعمل الآخرون من المنزل.

هل سنرى انحرافا وفقا للنوع مع نزول الرجال للعمل ومساهمتهم الواضحة نتيجة الوجود المادي بينما تبقى النساء خارج نطاق الرؤية؟ إذا لم تتعلم الشركات تقييم النتائج ومكافأة الناس وفقًا لما ساهموا به بالفعل وليس وفقا لظهورهم، فإن العمل عن بعد قد يساهم في زيادة التحيز داخل المؤسسات مما يضر بالمرأة.

يتضمن العمل من المنزل أيضا ابتعاد النساء عن مناقشات اتخاذ القرار غير الرسمية التي تكون محصورة على الرجال في العادة خاصة من يوجدون في مكان العمل، مما يجعل النساء خارج نطاق اتخاذ القرار، ويمنح الرجال مميزات حصرية أكثر من النساء.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.