آثار مدمرة للأطفال المتسولين في سوريا، هي النتيجة التي خلُص إليها العديد من النخب العلمية خلال حديثهم مؤخرا مع وسائل إعلامية محلية، حيث أدى ارتفاع عدد الأطفال المتسولين في البلاد إلى زيادة المتسربين من المدارس وتفاقم الاضطرابات النفسية والجسدية. 

معظم الأطفال المتسولين بحسب التصريحات الأخيرة غير قادرين على تلقي التعليم، وبالتالي محكوم عليهم بالفشل في المستقبل لأنهم يكبرون في السن بدون مهنة أو شهادة، وهذا الوضع له تأثير سلبي على المجتمع ككل.

مشكلة متنامية

بحسب ما تحدثت به المعالجة النفسية هالة السيد، لصحيفة “البعث” المحلية، أمس الخميس، فإن التسول أصبح ممارسة شائعة في سوريا بسبب الظروف المعيشية الصعبة وسهولة التسول مقارنة بالعمل المضني، والموضوع معقّد عند الطفل كونه يعتاد منذ نشأته على أخذ المال من الآخرين لتأمين احتياجاته، ومقارنة بوضعه وبوضع أسرته، فأخذ المال أفضل من الذهاب إلى المدرسة أو الشعور بالجوع.

تسول الأطفال في سوريا - تعبيرية
تسول الأطفال في سوريا – تعبيرية

من جهته، أوضح اختصاصي الأمراض النفسية وطب نفس الأطفال الدكتور ثائر العيد، أن هناك انعكاسات ونتائج للتسول على الأطفال، إذ يشعر الطفل المتسول بأنه أدنى مستوى من الآخرين، ويصبح ضعيف الشخصية، وغير واثق بنفسه، مشيرا إلى أن الطفل الذي يتسوّل يتعامل مع أناس أكبر منه سنا، ويقضي أغلب وقته في الشوارع والحدائق دون رقابة أو عناية، فيتعرّض في كثير من الأحيان إلى تحرش لفظي أو جسدي مما يسبّب له اضطرابات جنسية أو نفسية مستقبلا.

العيد لفت إلى أن الأطفال المتسولين أغلبهم متسرّبون من المدارس ومحكوم عليهم بمستقبل فاشل، حيث يصلون إلى عمر 15 أو 20 بدون مهنة أو شهادة، فبعض العائلات في سوريا تدفع بأطفالها إلى التسول، وكذلك هناك أطفال مُستغلون من أفراد لجمع المال مقابل أجر زهيد أو حتى لقمة العيش.

هذا الطفل طبقا لحديث العيد والسيد، سيكبر في المستقبل، وربما سيتحول إلى سارق بعد أن اعتاد في طفولته أخذ المال، أو يتحول إلى شخص بالغ لا يرضى عنه المجتمع ولا عن سلوكياته.

التأثير الاجتماعي

أحد الدوافع الرئيسية لتسول الأطفال في سوريا هو الوضع الاقتصادي وعدم وجود حل سياسي داخل البلاد، والذي أدى إلى نزوح ملايين الأشخاص وأدى إلى الفقر المدقع وزيادة عمالة الأطفال في العديد من المناطق، فالأطفال في كثير من الأحيان يفقدون إمكانية الوصول إلى التعليم ويضطرون إلى إيجاد وسائل أخرى للبقاء، مثل التسول.

ظاهرة التوسل في سوريا - إنترنت
ظاهرة التوسل في سوريا – إنترنت

تسول الأطفال هو قضية اجتماعية لها عواقب بعيدة المدى، إذ لا تمنع هذه الممارسة الأطفال من تلقي التعليم وتضر برفاههم الجسدي والعقلي فحسب، بل إنها تؤدي أيضا إلى استمرار دورة الفقر التي يمكن أن تؤثر على الأسر والمجتمعات بأكملها.

الصحيفة المحلية أشارت في تقريرها إلى أن هناك الكثير من العوامل التي تدفع الأطفال للتسول، أبرزها حاجة الأطفال أنفسهم أولا، وتشجيع أسرهم لهم ثانيا، ووجود من يقدم المساعدة لاعتبارات إنسانية وأخلاقية وخيرية، بالإضافة إلى احتمال وجود جماعات مستفيدة منهم، تعمل على توظيفهم والاستفادة منهم.

كما لفتت إلى أن ظاهرة التسول في ظروف الحرب أخذت أشكالا جديدة يمكن أن تكون أكثر خطورة مما كانت عليه في الماضي، حيث ازدادت مستويات الفقر كثيرا، واتسعت ظاهرة الأسر التي غيّرت مكان إقامتها، ونمت ظاهرة تشرد الأطفال، فجعلت شريحة كبيرة منهم التسول مصدر دخلها.

لذا فإن عواقب التسول وخيمة بحسب المعالجين النفسيين، حيث يعاني الأطفال الذين يُجبرون على التسول في الشوارع من اضطرابات جسدية ونفسية مثل سوء التغذية والتعرض لظروف الطقس القاسية والتعرض للعنف وسوء المعاملة. كما يحرمون من فرصة الالتحاق بالمدرسة، مما يحكم عليهم بمستقبل بلا تعليم أو مهارات.

الحاجة إلى العمل

مما لا شك فيه أن الأطفال المتسولين يجب أن يكونوا على مقاعد الدراسة، إلا إن القوانين وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، أدى إلى انتشار هذه الظاهرة داخل البلاد.

ظاهرة التوسل في سوريا - إنترنت
ظاهرة التوسل في سوريا – إنترنت

المحامي شبلي أبو محمود، أكد أن قانون العقوبات في سوريا ينص على أن كل من دفع قاصرا دون الـ18 من عمره أو عاجزا إلى التسول بأي طريقة كانت جرا لمنفعة شخصية، الحبس مع التشغيل من سنة إلى 3 سنوات، وبالغرامة من 50– 100 ألف ليرة، فيما يُسجن المتسوّل من شهرين حتى سنة وغرامة تصل إلى 25 ألف ليرة.

بما أن القوانين ليست رادعة بشكل كافي، فإن وضع الأطفال المتسولين في سوريا يتطلب اهتمام الوزارات والجمعيات ذات الصلة، حيث إن مستقبلهم على المحك بشكل واضح. وعلى هذا النحو، تحتاج الحكومة والمنظمات غير الحكومية إلى إعطاء الأولوية لمعالجة تسول الأطفال كقضية ملحة داخل البلاد. 

هذا لا يعني بنظر الأطباء والباحثين الاجتماعين توفير الموارد الكافية للمنظمات التي تعمل على معالجة هذا فقط، ولكن أيضا تعزيز نظام التعليم السوري وزيادة الوصول إلى الفرص التعليمية.

لارتفاع ظاهرة تسول الأطفال في سوريا آثار مدمرة على الصحة البدنية والعقلية للأطفال، وإمكانية الوصول إلى التعليم، والمجتمع ككل. بالإضافة إلى أنه يساهم بشكل كبير في تفاقم الفقر وتراكم الثروة في أيدي الأفراد الخطأ. العمل الإنساني يمكن أن يوفر التوعية والدعم للآباء من خلال خلق فرص لاستعادة الحالة المالية، وتشجيعهم في نهاية المطاف على عدم إشراك الأطفال في ظروفهم الصعبة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات