انتشار البضائع الرديئة والفاسدة في سوريا ليس بجديد. وقد نمت بالتزامن مع ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة في جميع أنحاء البلاد، فضلا عن تباين الأسعار مقارنة بالسلع المسجلة والموثوقة. لذلك يعبر المواطنون اليوم عن استغرابهم من المواد غير الفعالة المنتشرة بكثرة في الأسواق المحلية، وخاصة المنظفات التي تباع أجزاء منها في المحلات، والأخرى على الأكشاك والبسطات، بالكيلو، وبالأكياس وبالعبوات التي لا تحمل بيانات، وإذا كانت تحمل، فإنها لا تحمل سوى اسم وتقليد للماركات المحلية الأصلية والمعروفة، وهي ليست رخيصة ولكنها مقبولة نسبيا، وربما هذا ما يجعل المواطنين يقبلون على شرائها، بينما يمتنع آخرون عن تكرار التجربة مرة أخرى.

إغراء الأسعار

مواطنون بعدة مناطق من محافظة حماة أفادوا لصحيفة “الوطن” المحلية، إن المنظفات التي تباع على البسطات ضعيفة الفعالية والتأثير، وبشكل خاص سوائل الجلي ومساحيق الغسيل والمعقمات من أنواع الجل العديدة. بينما أوضح بعضهم الآخر، أنهم يشترونها لكون أسعارها مناسبة لمداخيلهم المحدودة جدا.

ونسبت الصحيفة المحلية في تقريرها المنشور اليوم الثلاثاء، عن آخرين قولهم: “لقد وقعنا ضحية إغراء أسعار هذه المواد لمرة واحدة فقط، والآن لم نعد نشتريها مرة أخرى لأن شرائها خسارة حقيقة، لذا فإن المواد الغالية أفضل وذات فعالية أكثر”، على حد تعبيرهم.

وبيّن مواطنون آخرون، أن هذه المواد الفاقدة للفاعلية لا تقتصر على المنظفات فقط، بل هناك مواد أخرى، مثل الغذائية كالأجبان والألبان، وحتى الأدوية، وقال بعضهم: “نعم، وصل الغش للأدوية، فيجب عليك أن تشتري ثلاث علب من الدواء كي تتحسن بدلا من علبة واحدة، ويجب أن تتناول ثلاث حبات دفعة واحدة بدلا من حبة واحدة كي يسكن ألمك، وحديثنا هنا عن أدوية الضغط والسكري والالتهابات المزمنة والمسكنات وغير ذلك كثير”، يضيف المواطنون للصحيفة المحلية.

قد يهمك: “نقانق بالحشرات” وأجبان فاسدة في سوريا

الفقر هو السبب

وفي سياق انتشار هذه الظاهرة، أوضح أستاذ الاقتصاد بالجامعة الوطنية بحماة إبراهيم قوشجي، أنه مع انخفاض متوسط دخل الفرد وارتفاع تكاليف الإنتاج، وتناقص الطلب على السلع الضرورية، اتجهت بعض المصانع لتخفيض تكاليفها، من خلال تغيير مواصفات المنتجات والتقليل من المادة الفعالة، وطرح المنتج بأسماء تجارية توصف بالشعبية.

وأوضح قوشجي للصحيفة المحلية، أنه من الممكن أن يكون هذا الإجراء حلّا على مستوى المصنع أو المعمل، ولكنه مشكلة كبيرة على مستوى الاقتصاد الكلي.

حيث أن المنتجات، وفق قوشجي، بالمواصفات الضعيفة ستشكل عبئا كبيرا على المستهلك، فبعض المنظفات والأدوية والأغذية غير فعالة، ما يضطر المستهلك صاحب الدخل المحدود إلى إعادة شراء المنتجات نفسها لأكثر من مرة، وهذا تبديد وهدر لدخل المستهلكين.

ووفق قوشجي، فإن الكثير من المنتجات الأساسية والضرورية المحلية، أصبحت أغلى من أسعارها في السوق العالمية وبمواصفات رديئة، على حد قوله.

وتابع في حديثه، هذا بالنسبة للسلع الاستهلاكية، وأما السلع المعمرة والمستوردة بمواصفات ضعيفة مثل الأدوات الكهربائية، فإن المستهلك سيحتاج للشراء أكثر من مرة، والمفروض أن يشتريه مرة واحد لعقد من الزمن.

على طرف آخر، أوضح مصدر في مديرية التجارة وحماية المستهلك بحماة، أن الدوريات نظمت العشرات من الضبوط بحق المخالفين من تجار وباعة، أثبتت نتائج تحليل العينات تورطهم بالغش والتلاعب بمكونات المواد، كما تم إغلاق العديد من الفعاليات ما بين أسبوع و15 يوما لارتكابها مخالفات جسيمة بهذا النوع من المخالفات.

عطور تتسبب بالسرطان

انتعاشٌ وانتشارٌ واسع النطاق تشهدها صناعة العطور في سوريا؛ ولكن هذه المرة على أساس الغش والمزاجية في الأسعار، لا سيما في المناسبات والعطل الرسمية، فالروائح الجميلة التي تفوح من محلات العطور قادرة على جذب الزبائن، على الرغم من غلائها وبيع السنتيمتر الواحد بحوالي 3 آلاف ليرة سورية، وهي بعيدة كل البعد عن الماركات المشهورة من حيث الجودة.

الاختصاصي في الأمراض الجلدية، الدكتور محمود مطر، أكد في حديثه السابق لصحيفة “البعث” المحلية، مؤخرا، أن أصحاب محال العطور يستعملون التركيبات الكيميائية والكحولية لإنتاج العطور، فمزيلات التعرق التي يتم استعمالها على نطاق واسع، تحوي بعض التركيبات الضارة والخطيرة مثل غاز “البروبان” الذي يسبب عند استعماله المتكرر تراكما على الجلد يؤدي للإصابة بالسرطان.

وبحسب مطر، فإن الدراسات أثبتت ارتباطا محتملا بين مزيلات العرق المصنعة محليا وسرطان الثدي عند النساء، ويثير هذا التساؤل حول الجهة المسؤولة عن اختبار هذه المنتجات قبل طرحها في الأسواق وكيفية تنظيمها.

ونقلت الصحيفة عن أشخاص يشترون عبوات العطور من المتاجر الشعبية، بأنهم حريصون على تعبئة أنواع معينة من العطور المقلدة للماركات العالمية، لأن الفرق في الثمن بين التعبئة والأصلي كبير جدا، لذلك يفضلون التعبئة لأنهم يستطيعون الحصول على أكثر من 10 زجاجات تعبئة مقابل واحدة أصلية، ولو كانت أقل تركيزا.

كذلك، وبحسب تقرير لصحيفة “تشرين” المحلية، مؤخرا، قامت وزارة التجارة الداخلية بإغلاق 2500 منشأة خلال النصف الأول من العام الحالي، لارتكابها مخالفات جسيمة كطرح منتجاتها بشروط لا تحمل أدنى المقومات لإتمام العملية التصنيعية.

وأوضح مدير مديرية حماية المستهلك في وزارة التجارة الداخلية، حسام نصر الله، أن عدد الضبوط العدلية التي تم تنظيمها، بلغت نحو 14 ألف ضبط منها 3200 ضبط عينة غذائية، وحول المخالفات التي تم ضبطها في الأسواق، أشار إلى أنها تركزت حسب أهميتها في مجال عدم الإعلان عن الأسعار.

المشكلة في هذه الظاهرة ليست مجرد شراء الناس لمواد تنظيف فاسدة ضارة أو مغشوشة ذا فعالية ضعيفة وبأسعار رخيصة؛ بل إن الجانب الآخر الذي لم يتطرق إليه أي مسؤول من صانعي القرار في حكومة دمشق، هو أن الناس وصلوا إلى نقطة تدهورت فيها ظروفهم المعيشية إلى درجة أصبحت فيها الصحة والسلامة خارج قائمة الاهتمامات الرئيسية.

قد يهمك: في سوريا.. مزيلات العرق والعطور “مغشوشة” والأسعار مزاجية!

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.