انتعاشٌ وانتشارٌ واسع النطاق تشهدها صناعة العطور في سوريا؛ ولكن هذه المرة على أساس الغش والمزاجية في الأسعار، لا سيما في المناسبات والعطل الرسمية، فالروائح الجميلة التي تفوح من محلات العطور قادرة على جذب الزبائن، على الرغم من غلائها وبيع السنتيمتر الواحد بحوالي 3 آلاف ليرة سورية، وهي بعيدة كل البعد عن الماركات المشهورة من حيث الجودة.

عطور تتسبب بالسرطان

الاختصاصي في الأمراض الجلدية، الدكتور محمود مطر، أكد في حديثه لصحيفة “البعث” المحلية، أمس الأربعاء، أن أصحاب محال العطور يستعملون التركيبات الكيميائية والكحولية لإنتاج العطور، فمزيلات التعرق التي يتم استعمالها على نطاق واسع، تحوي بعض التركيبات الضارة والخطيرة مثل غاز “البروبان” الذي يسبب عند استعماله المتكرر تراكماً على الجلد يؤدي للإصابة بالسرطان.

وبحسب مطر، فإن الدراسات أثبتت ارتباطا محتملا بين مزيلات العرق المصنعة محليا وسرطان الثدي عند النساء، ويثير هذا التساؤل حول الجهة المسؤولة عن اختبار هذه المنتجات قبل طرحها في الأسواق وكيفية تنظيمها.

ونقلت الصحيفة عن أشخاص يشترون عبوات العطور من المتاجر الشعبية، بأنهم حريصون على تعبئة أنواع معينة من العطور المقلدة للماركات العالمية، لأن الفرق في الثمن بين التعبئة والأصلي كبير جدا، لذلك يفضلون التعبئة لأنهم يستطيعون الحصول على أكثر من 10 زجاجات تعبئة مقابل واحدة أصلية، ولو كانت أقل تركيزا.

ومن جهته، أشار صاحب متجر يبيع إحدى العلامات التجارية المشهورة، “على وزارة الاقتصاد والتجارة الداخلية وحماية المستهلك أن تتحمل مسؤولية حماية خط عمله من باعة العطور المقلدة كما يدعوهم، لافتا إلى أن تجارته تراجعت نوعا ما أمام المد الهائل لمحلات بيع العطور المزيفة، ولكن زبائنه أصبحوا أكثر نوعية وهم لا يتخلون عن الأصلي أبدا لأنهم يعرفون قيمتها”.

الخبير في قطاع العطور، رشيد الخطيب، بيّن في حديثه للصحيفة، أن الزيوت العطرية منها النباتي الأكثر جودة ورائحة، والحيواني المستخرج من المسك والعنبر، والزيوت الاصطناعية، ومعظم الزيوت “تتركب من استرات وحموض هيدروكسيلية، وأغوال وهي تركيبات كيميائية مختلفة، تباع في محلات تعبئة العطور لرخصها ،فهي مزيج لعدة مركبات كيميائية رخيصة نسبيا”.

مصانع للعطور المغشوشة

قضية الغش في تراكيب العطور ليست وليدة اليوم في سوريا، ففي عام 2016 رصد “الحل نت”، تأسيس مصنع آلي لإنتاج العطور بمواصفات عالمية، حملت اسم “ثري ستارز”، غطت السوق المحلية حينها.

وقال صاحب المشروع، مؤيد الزين، في تصريح لوسائل إعلام محلية، إن” فكرة المعمل جاءت نظرا لعدم وجود إنتاج فعلي للعطور داخل سوريا، وأغلب العطور الموجودة في الأسواق المحلية مستوردة من الخارج وتُطرح بأسعار عالية جدا “.

وبيّن الزين آنذاك، أن “العطور ستطرح في الأسواق قريبا وستنافس العطور المصنّعة في أوروبا من حيث الجودة والتركيب والقوام ودرجة الثباتية، والتي تتجاوز 12 ساعة فعلية على البشرة”.

وبالنسبة لأسعار العبوات، أشار الزين وقتها، إلى أن “أسعارها منافسة للماركات الأخرى الموجودة في السوق المحلية، ولن يتجاوز سعر العلبة الواحدة 7500ليرة، علما أنها مطابقة للجودة العالمية التي تباع بأسعار تفوق الـ 100 دولار”، بحسب وصفه.

وأكد أن “أغلب المواد يتم استيرادها من الاتحاد الأوروبي وفق شهادات منشأ حديثة الإصدار”.

الغش مستمر في الأسواق السورية

في سوريا ونتيجة للفوضى وارتفاع الأسعار التي يعاني منها السوق، تنتشر ظاهرة الغش، وانتهاء الصلاحية في المنتجات المعروضة، وخاصة المواد الغذائية، ويعود ذلك لغياب الرقابة وتزايد الفساد والرشوة من الجهات الرقابية الحكومية، بالإضافة إلى تصاعد معدلات الفقر، ومع ازدياد هذه الظاهرة بشكل غير مسبوق، قامت الجهات الحكومية بإغلاق عدد من المنشآت خلال العام الحالي.

بحسب تقرير لصحيفة “تشرين” المحلية يوم السبت الفائت، قامت وزارة التجارة الداخلية بإغلاق 2500 منشأة خلال النصف الأول من العام الحالي، لارتكابها مخالفات جسيمة كطرح منتجاتها بشروط لا تحمل أدنى المقومات لإتمام العملية التصنيعية.

وأوضح مدير مديرية حماية المستهلك في وزارة التجارة الداخلية، حسام نصر الله، أن عدد الضبوط العدلية التي تم تنظيمها، بلغت نحو 14 ألف ضبط منها 3200 ضبط عينة غذائية، وحول المخالفات التي تم ضبطها في الأسواق، أشار إلى أنها تركزت حسب أهميتها في مجال عدم الإعلان عن الأسعار.

وبيّن نصر الله، أن دوريات الحماية سجلت ضبوط مخالفات بلغت 5300 ضبط، ومخالفات عدم تنظيم فواتير بحوالي 7600 ضبط، ومخالفات مجهولة المصدر أيضا 400 مخالفة، والغش بذات البضاعة تم تسجيل حوالي 257 مخالفة.

وحول إغلاق المنشآت، بيّن نصر الله، أن عدد الإغلاقات للمنشآت التجارية والخدمية والصناعية، التي خالفت قوانين السوق وارتكبت مخالفات جسيمة بلغ 2500 منشأة، كما تم إحالة حوالي 1212 تاجرا إلى القضاء المختص موجودا، لارتكابهم أعمالا تخالف القوانين وجرائم الغش والتدليس في البضاعة ذاتها.

وعلى الرغم من إعلان الحكومة استمرارها في ملاحقة الشركات والمعامل والتجار الذين يبيعون هذه المواد الفاسدة، إلا أن هذه البضائع لا تزال منتشرة ومتداولة في الأسواق، مما تسبب في وقوع الكثير من السوريين ضحيتها وإصابتهم بالتسمم، وبالعديد من الأمراض والأوبئة، فهذه البضائع يمكن أن تكون ذات آثار صحية خطيرة كأمراض المعدة وحتى التيفوئيد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.