تساؤلات عدة تدور حول الخيارات الممكنة التي قد تلجأ إليها أوروبا بدلا من الاعتماد على الغاز الروسي، الذي تبتز فيه موسكو القارة الأوروبية من أجل تخفيف وطأة العقوبات المفروضة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.

لقد تحولت أنظار الدول الأوروبية إلى غاز شرق المتوسط، لتأمين احتياجاتها المتزايدة من الوقود، مع المساعي لتنويع مصادر الإمدادات بعيدا عن الغاز الروسي. ووفق مراقبين اقتصاديين فإن أوروبا تترقب صفقة غاز جديدة مع القاهرة وتل أبيب، يتم بموجبها نقل غاز شرق المتوسط التي تنتجه إسرائيل إلى أوروبا بعد إعادة تسييله في المصانع المصرية.

دفعت مساعي دول القارة الأوروبية لتأمين احتياجاتها من الوقود، رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إلى التوجه نحو الشرق الأوسط، منتصف شهر حزيران/يونيو الماضي، حيث بدأت مشاوراتها في كل من تل أبيب والقاهرة من أجل استكمال مباحثات ملف الطاقة.

تصدير الغاز

أكدت فون دير لاين في كلمة خلال زيارتها جامعة بين غوريون في إسرائيل، أن الاتحاد الأوروبي، يسعى إلى تعزيز التعاون مع تل أبيب في مجال الطاقة، عبر إنشاء مشروعات لتصدير غاز شرق المتوسط إلى أوروبا عبر اليونان.

وقالت: “قطعت روسيا إمدادات الغاز عن دول وشركات غاز في عدّة دول، ردا على دعم أوكرانيا، وسلوك الكرملين عزّز من تصميمنا على الاستقلالية، ونبحث عن كيفية تعزيز تعاوننا مع إسرائيل في مجال الطاقة عبر مشروعين أساسيين”.

وأوضحت فون دير لاين أن المشروع الأول للتعاون مع إسرائيل في مجال الطاقة يتمثل في مدّ خط لتصدير الغاز يربط بين إسرائيل وأوروبا عبر اليونان.

وأضافت: “الثاني خط للهيدروجين النظيف. هذا استثمار في أمن الطاقة الأوروبي والإسرائيلي، وستسهم تلك البنى التحتية في الابتعاد عن الكربون”.

تعتمد أوروبا على روسيا في نحو 40 بالمئة من الغاز الطبيعي الذي يأتيها معظمه عبر خطوط أنابيب “يامال-أوروبا” الذي يعبر بيلاروسيا وبولندا إلى ألمانيا، و “نورد ستريم 1” الذي يذهب مباشرة إلى ألمانيا، أكبر مستهلك للغاز الروسي، مرورا بأوكرانيا.

وقد أثيرت التساؤلات بشأن إمكانية تخلي أوروبا عن الغاز الروسي بالكامل خصوصا بعدما فرضت واشنطن عقوبات على الشركة المسؤولة عن بناء خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” الروسي الذي لم يعمل بعد، وقد علقت ألمانيا المصادقة عليه أيضا، بسبب الأزمة بين روسيا والغرب.

يقول المحلل الاقتصادي، لؤي علي، لـ”الحل نت” بإنه يمكن لأوروبا التخلي عن 75 بالمئة كحد أقصى من الواردات الروسية واستبدالها بالغاز الطبيعي المسال”.

وعبر خط الأنابيب العابر للبحر الأدرياتيكي إلى إيطاليا، وخط أنابيب الغاز الطبيعي العابر للأناضول من خلال تركيا، بإمكان دول جنوب أوروبا استقبال الغاز من أذربيجان. كما يمكن للدول المجاورة نقل الغاز عبر الروابط البينية.

إلا أن بعض الدول قد تكون غير مستعدة للتخلي عن الغاز الذي تحتاجه، مثل النرويج، وهي ثاني أكبر مورد لأوروبا، بحسب علي، حيث قال رئيس وزرائها مؤخرا إن بلاده تشحن الغاز الطبيعي بأقصى طاقتها ولا يمكنها تعويض أي إمدادات تُفقد من روسيا.

لقد سعت الدول الأوروبية مؤخرا للحصول على إمدادات بديلة للغاز الروسي، واتجهت الأنظار إلى أستراليا والولايات المتحدة، وكذلك إلى قطر، المنتج الكبير للغاز الطبيعي المسال.

سفير الاتحاد الأوروبي كريستيان برغر، قال في تصريحات صحفية حول موضوع استيراد الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا، “سنستورد كل الكميات المتاحة من إسرائيل وتستطيع مصر تسييلها”، مؤكدا أن اتفاقية استيراد الغاز الإسرائيلي عبر مصر تأتي ضمن خطط الاتحاد لتأمين احتياجاته من الوقود، وتنويع الإمدادات، بعيدا عن الغاز الروسي.

من جانبها، وزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الحرار، قد قالت مؤخرا، إن الأزمة في أوكرانيا جعلت من أوروبا سوقا جديدة، لا سيما بالنسبة لإسرائيل التي لم يسبق لها أن تخيلت أن تصبح القارة العجوز سوقا رئيسية لصادراتها من الغاز.

لقد جاءت زيارة فون دير لاين إلى الشرق الأوسط، في ظل أزمة طاقة تعيشها الدول الأوروبية، عقب قرارها الاستغناء عن النفط الروسي، ورفض بعضها دفع ثمن الغاز الروسي بالروبل.

أقر الاتحاد الأوروبي، في وقت سابق من شهر حزيران/يونيو، حظرا على معظم واردات النفط الروسي في عقوبة تعدّ الأشد صرامة منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير الماضي.

نسب متفاوتة

خيارت بديلة أيضا يبحثها الأوروبيون، تتضمن نقل الغاز القطري المسال إلى القارة العجوز، إلا أن لؤي علي أشار إلى المعضلة التي تواجه صعوبة توريد الغاز المسال القطري لأوروبا، مشيرا إلى أنه لا يمكن للدوحة التخلي عن عملائها الآسيويين الذين ترتبط معهم بعقود طويلة الأجل. فلطالما رفض الاتحاد الأوروبي إبرام عقود طويلة تمتد 10 أو 15 أو 20 عاما.وإن ما يمكن تحويله للشحن إلى أوروبا قد يتراوح بين 10 و15 بالمئة فقط.

وفي الآونة الأخيرة، طالبت الولايات المتحدة قطر ودولا أخرى مثل اليابان بتحويل إمدادات غاز لأوروبا إذا تصاعد الصراع. لكن معظم الدول المنتجة تقول إن فائضها لا يكفي لتعويض الإمدادات الروسية.

ويبدو أن الأمر لا يتعلق بالكمية التي تحتاج أوروبا إليها أو السرعة فقط، إذ يتعلق أيضا بشروط البيع التي تفرضها قطر على أي شحنة غاز مسال، فضلا عن التعقيدات اللوجستية.

إذا استبدلت سوق الغاز الأوروبية 75 بالمئة كحد أقصى من الواردات الروسية بالغاز الطبيعي المسال ستعاني عجزا بنحو 25 بالمئة من الغاز الروسي، أي 10 بالمئة من حاجة الطلب الأوروبي على الغاز.

وإذا تحقق هذا السيناريو، فسيعني ذلك حرق المزيد من الفحم لتوليد الطاقة وإغلاق بعض الصناعات.

ولجأ العديد من دول الاتحاد الأوروبي إما إلى غلق محطات الطاقة القديمة التي تعمل بالفحم، أو عدم بناء محطات جديدة، تحت الضغط لتحقيق الأهداف المناخية.

غير أنه منذ منتصف العام الماضي، بدأت أوروبا في التحول إلى الفحم من الغاز بعد ارتفاع أسعار الغاز. في الوقت الذي تحتفظ فيه بعض البلدان بمحطات الفحم للإمدادات الاحتياطية.

مصادر أخرى

تهافتت أوروبا على إمدادات الغاز الطبيعي المسال بسرعة فائقة في الأشهر الأخيرة، واستوردت المنطقة، بما في ذلك المملكة المتحدة، 28.2 مليون طن بين شباط/فبراير ونيسان/أبريل، وفقا لبيانات من خدمات استخبارات السلع المستقلة، بزيادة 29 بالمئة عن نفس الفترة من العام الماضي، في حين كانت فرنسا وإسبانيا أكبر المشترين.

قال كوشال راميش، كبير محللي شؤون الغاز والغاز المسال في Rystad Energy ، لـ “CNN Business” إن النقص الوشيك أصبح واضحا في آذار/مارس عندما “أعلن الاتحاد الأوروبي أنه سيزيد واردات الغاز الطبيعي المسال بمقدار 50 مليار متر مكعب مقابل 2021”.

وقال راميش في التقرير الذي اطلع عليه “الحل نت” إن “المسرح مهيأ لعجز مستمر في الإمدادات، ارتفاع الأسعار، تقلبات شديدة جغرافيا سياسية للغاز الطبيعي المسال”.

قد يتعرض المشترون لمزيد من الزيادات في الأسعار مع ارتفاع الطلب الأوروبي. ترتبط أسعار الغاز الطبيعي المسال ارتباطا وثيقا بأسعار الغاز الطبيعي في أوروبا الذي يتم تسليمه عبر خطوط الأنابيب. تحوم الأسعار المعيارية للعقود الآجلة للغاز في أوروبا حاليا بالقرب من 30 دولارا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية – انخفاضا من 67 دولارا في آذار – لكنها يمكن أن تتجاوز 100 دولارا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، إذا قطعت روسيا فجأة شحنات الغاز بالكامل، كما فعلت بالفعل مع بولندا وبلغاريا وفنلندا.

إن آسيا كانت أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال منذ عام 2010 على الأقل. لكن بعض المشترين في المنطقة سيجدون صعوبة في التنافس مع الاقتصادات الأكثر ثراء في أوروبا، ويمكن أن يتم التسعير خارج السوق، سواء أوقفت روسيا فجأة الصنابير أم لا.

الشتاء القادم لا يزال يشكل مخاطرة كبيرة من حيث كيف يمكن لإمدادات الغاز الطبيعي المسال أن توازن بين الطلب المتنافس بين أوروبا وآسيا.

منذ تشرين الثاني/نوفمبر، قلصت الهند وباكستان بالفعل وارداتها من الغاز الطبيعي المسال بنسبة 15 بالمئة، وفقا لبيانات من شركة التحليل “فورتيكسا”، وهو اتجاه مدفوع في الغالب بارتفاع الأسعار. نتيجة لذلك، يمكن أن يتراجع الطلب في آسيا بشكل دائم، مع اضطرار بعض الدول إلى زيادة استخدامها للفحم والنفط، كما تتوقع “ريستاد إنرجي”.

يمكن للآخرين تسريع انتقالهم إلى الطاقة المتجددة. يُنظر إلى الغاز الطبيعي المسال على نطاق واسع على أنه أحد أنظف أنواع الوقود الأحفوري، ومكون رئيسي لانتقال الطاقة، لكن الأدلة مختلطة. وجدت بعض الدراسات أن الغاز الطبيعي المسال ينتج انبعاثات أقل بكثير من غازات الاحتباس الحراري على مدار دورة حياته، بينما اكتشف البعض الآخر معدلات عالية لتسرب الميثان – المكون الرئيسي للغاز الطبيعي المسال – في نقاط مختلفة أثناء إنتاجه.

تعتبر الأسعار المرتفعة نعمة لكبار مصدري الغاز الطبيعي المسال، بما في ذلك الولايات المتحدة وقطر وأستراليا.

استوردت أوروبا حوالي 45 بالمئة من غازها الطبيعي المسال من الولايات المتحدة خلال الشهرين الماضيين، وفقا لشركة “فورتيكسا”، بينما زودت قطر هذه الدول بما يزيد قليلا عن الخمس.

تحاول سلسلة من مشاريع الغاز الطبيعي المسال الجديدة أو التي تم إحياؤها الاستفادة من حاجة أوروبا الملحة لمصدر الطاقة، بما في ذلك في ألمانيا، التي لا تزال تحصل على 35 بالمئة من الغاز المستورد من روسيا.

قد تكون إمدادات الغاز المسال وتحديدا من دول كالولايات المتحدة وقطر قد تكون الخيار الأول على الطاولة، وبالفعل صعدت واردات أوروبا من الغاز المسال بنحو 62 بالمئة خلال الربع الأول من هذا العام وفقا لبيانات منصة “Kepler” المختصة ببيانات السلع.

تصل قدرات استيراد الغاز المسال في أوروبا إلى 240 مليار متر مكعب تتركز معظمها في إسبانيا على وجه التحديد، وخلال العام الماضي استوردت أوروبا بالفعل 108 مليارات متر مكعب من الغاز المسال مما يعني أن القدرات المتاحة المتبقية تقارب 132 مليار متر مكعب هذا في حال تم استثناء غياب البنى التحتية لاستيراد هذا الغاز في عدة دول أوروبية.

الدول الأوروبية ستحتاج نظريا لزيادة إمداداتها من خطوط أنابيب الغاز القادمة من دول أخرى، وقد سارعت عدة دول أوروبية إلى استخدام هذا الخيار في محاولة لتأمين الإمدادات “قبل أن يقع الفأس بالرأس”.

تأتي النرويج في المقدمة على اعتبار أنها ثاني أكبر مورد للغاز في أوروبا بعد روسيا. النرويج هذا العام تخطط لزيادة صادراتها من الغاز إلى أوروبا بنحو 4 مليارات متر مكعبة أي ما يعادل 3 بالمئة من صادرات الغاز الروسية لأوروبا.

كانت الجزائر الحل الأمثل بالنسبة لإيطاليا التي تستورد نحو 73 مليار متر مكعب يأتي نحو 40 بالمئة منها من روسيا، لكن أيضا وفقا لقدرات الخط الغاز المباشر الرابط بين البلدين وقدرات التصدير في الجزائر ستكون روما قادرة على استبدال ما يصل إلى ثلث الواردات الروسية فقط، حيث نص الاتفاق بين البلدين على زيادة الإمدادات بمقدار 9 مليارات متر مكعب إضافية.

ما سبق يبقي بعض الخيارات الأكثر محدودية مثل أذربيجان التي تصدر نحو 10 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى جنوب أوروبا، ونحو 6 مليارات إلى تركيا، والتي تستطيع في أحسن الأحوال تصدير كميات إضافية ليست بالضخمة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.