بعد تهديدات متكررة بشن عملية عسكرية تستهدف مناطق من الشمال السوري، أشارت تصريحات تركية بشكل غير مباشر إلى إلغاء العملية العسكرية، مبينة سعي أنقرة لإيجاد بدائل أخرى تضمن استمرار معاداتها لـ”الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا، وقواتها العسكرية هناك (قوات سوريا الديمقراطية، “قسد”).

الادعاءات التي استندت عليها أنقرة في عملياتها العسكرية السابقة في سوريا وحتى في تهديداتها الأخيرة لفتح تصعيد عسكري تجاه الأراضي السورية، ما تزال مستمرة، وهي الادعاء بأن “وحدات حماية الشعب” التي تشكل العمود الفقري لقوات “قسد” هي امتداد لوحدات حزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا. ولا يبدو أن الرفض الدولي لتحرك عسكري جديد يزيد من النفوذ العسكري والسياسي لأنقرة في الملف السوري، وهو ما تطمح إليه فعليا تركيا، سيثني الأخيرة عن افتعال وخلق توترات جديدة في منطقة الشمال الشرقي من سوريا، التي تسيطر على مساحة واسعة منها “الإدارة الذاتية” وقواتها العسكرية “قسد” المدعومة من “التحالف الدولي” الذي تقوده واشنطن.

وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، قال يوم أمس الأربعاء، إن بلاده على استعداد كامل لدعم حكومة دمشق في مواجهة وحدات حماية الشعب/قسد، وهو ما يفتح الكثير من التساؤلات حول طبيعة الدور التركي في سوريا والنوايا الحقيقية للتواجد العسكري لأنقرة على الأراضي السورية. فالأخيرة التي تدعي دعم بعض فصائل المعارضة المؤتمرين بتوجهاتها والعاملين بالدعم المالي والعسكري المقدم إليهم منها، باتت مستعدة لدعم حكومة دمشق بشكل كامل مقابل احتمالية افتعالها حربا في مناطق شمال شرق سوريا وتأليب دمشق على “الإدارة الذاتية” التي بالأساس كانت قد سعت لعقد جولات حوارية مع دمشق، إلا أن الطرف الأخير دائما ما كان يغلق الباب أمام أي تفاهمات.

التصريح التركي الأخير اعتبره بعض المراقبين أنه يأتي في إطار التحريض المباشر لدمشق، وعلى أنه أيضا رسالة تركية إلى الأسد تعني بمحتواها وجود رغبة مباشرة للأتراك بالتقارب مع دمشق مقابل مواجهة أو ضبط تحركات “قسد” سواء بالوسائل العسكرية أو السياسية. ما يعني أن أنقرة تريد ثمنا إضافيا لتقاربها مع دمشق يتخطى ضمت الأخيرة على كل التمدد التركي الحاصل خلال السنوات الماضية على الأراضي السورية. التصريح التركي الأخير جاء بمثابة الطلب، لكن أنقرة يبدو أنها لم تكن مدركة أن دمشق لا سلطة حقيقية لها على الأرض وليس لها قوة يمكن أن تتحرك دون موافقة الجانب الروسي الرافض بالأساس لتحقيق أي مصالح تركية جديدة في الملف السوري خلال الفترة الحالية، فضلا عن وجود القوات الأميركية في الشمال الشرقي، وهي الرافضة لأي تحرك عسكري سواء لتركيا أو لروسيا أو للقوات النظامية، بخاصة وأن أي تحرك عسكري هناك سيسمح بعودة الأنشطة الإرهابية لتنظيم “داعش”.

تصريحات الوزير التركي يضاف أمامها تساؤلات أخرى حول نوايا أنقرة من التقارب مع دمشق واحتمالات ذلك، لا سيما بعد تزايد التقارير التي تحدثت عن قرب حدوث هذا التواصل ورفعه من المستوى الاستخباراتي الذي اعترف به مؤخرا كل من دمشق وأنقرة إلى المستوى السياسي الكامل والاقتصادي وفق تقديرات مراقبين، بخاصة وأنه منذ شهر أيار/مايو الماضي انتشرت تقارير تركية أشارت إلى عدة متغيرات تركية قد تؤثر على شكل العلاقة مع دمشق، أولها خطة تركيا بإعادة أكثر من مليون لاجئ خلال الشهور القريبة القادمة، فضلا عن طرح احتمالية تطبيع علاقات بين دمشق وأنقرة بوساطة دول إقليمية، في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة التركية الحالية إلى تفعيل مبدأ “صفر مشاكل” مع دول الجوار والتي بدأت بتفعيله على أرض الواقع، فحصل التقارب التركي مع كل من السعودية والإمارات ومصر وإسرائيل وقد تنضم دمشق قريبا لهذا المسار.

إقرأ:العلاقات السياسية بين دمشق وأنقرة.. هل من جديد؟

انعطافة في الموقف التركي

وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، قال يوم أمس الأربعاء، إن بلاده على استعداد كامل لدعم حكومة دمشق في مواجهة وحدات حماية الشعب/قسد، وهو ما يفتح الكثير من التساؤلات حول طبيعة الدور التركي في سوريا، ومدى جدية تركيا بدعم حكومة دمشق.

الكاتب السياسي، حسان الأسود، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن الدول في هذه الحالات تنطلق من مصالح مختلفة، أبرزها الضبط الأمني، ومساحات التمدد وما تنظر إليه الدول على أنه مجالها الحيوي، إضافة للمصالح الاقتصادية، فلا يوجد في مقاييس الدول ومنها تركيا اعتبارات للقيم والأخلاق ومبادئ حقوق الإنسان.

لذلك من الممكن أن يكون هناك انعطافة في الموقف التركي، وفق رأي الأسود، لأن المصالح التركية تقتضي الآن تغيير موازين القوى في منطقة شمال شرق سوريا، وبالتالي فهم في حالة صراع في التزاماتهم ما بين الولايات المتحدة من جهة، والتزاماتهم تجاه الروس وخاصة اتفاقات أستانا من جهة أخرى، وبين هذه وتلك، مصالح أمنهم القومي ومصالحهم السياسية والاقتصادية، لذلك فإن هذه الانعطافة باتت أقرب من أي وقت سابق، وهي واردة من الناحية السياسية، لكنها مرفوضة أخلاقيا وإنسانيا، بحسب الأسود.

وكان الباحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية، طه عودة أوغلو، قال خلال حديث سابق لـ”الحل نت”، أن تركيا بدأت فعلا بجعل موقفها من الحكومة السورية أكثر مرونة مؤخرا، وذلك في ظل التطورات والتحولات الدولية، وبعد الدعوات والضغوط الداخلية التي تتعرض لها الحكومة من قبل أحزاب المعارضة.

قد يهمك:شكل جديد للنفوذ التركي في سوريا.. هل تستغل أنقرة الأوضاع الحالية؟

تبعات التصريح التركي

أنباء ومؤشرات عديد برزت في الآونة الأخيرة، على وجود تقارب محتمل بين أنقرة ودمشق، الأمر الذي يتكرر بين الحين والآخر، فإن المؤشرات تذهب إجمالا إلى وجود بعض التغييرات سواء في المشهد السياسي أو الإقليمي، حيث إن التلميحات السابقة كانت في أحيان كثيرة لا تتجاوز مجرد التعاون الاستخباري. ولكن تصريحات وزير الخارجية التركية الأخيرة منحت فكرة إعادة العلاقات مع دمشق مفهوما أبعد من أي مؤشرات، لما يحمله التصريح من معاني وتبعات.

وفي هذا السياق، يرى حسان الأسود، أنه من المؤكد حصول تقارب سياسي بين دمشق وأنقرة، “في السياسة لا توجد ثوابت بل مصالح مختلفة، وبالتالي يمكن مع تغيير موازين القوى الحالية أن تتغير المواقف بشكل جذري، خاصة أن حكومة أردوغان كانت قد سعت في بداية الأزمة السورية في 2011 للتواصل مع الأسد، لإيجاد حل ينقذ النظام السوري ويلبي بعضا من مطالب الشعب السوري، فأنقرة لديها استعداد دائم للتواصل مع دمشق”.

وكان الأكاديمي والباحث في الفكر السياسي، سامح مهدي، أوضح في وقت سابق لـ”الحل نت”، أن تقارب دمشق وأنقرة يبدو منطقيا في ظل التوجهات الإقليمية الجارية والساعية إلى تخفيض الصراعات القائمة وحلحلة كثير من الأزمات وعزل حالة التوتر، على خلفية وجود تناقضات جمة في ملفات مشتركة، وذلك لحساب إيجاد فرص تعاون وعمل أمام التحديات القصوى التي فرضتها أو بالأحرى كشف عنها الغزو الروسي لأوكرانيا.

إقرأ:هذه احتمالات إعادة علاقات أنقرة مع دمشق

مشروع تركي في سوريا؟

مطامع تركية باتت معلنة في الشمال السوري، فمن منطقة آمنة من أجل ترحيل أكثر من مليون لاجئ سوري، إلى عملية عسكرية تريد تنفيذها من أجل توسيع سيطرتها عسكريا وسياسيا في الملف السوري.

وتسعى تركيا لاستغلال كل الأوراق المتاحة أمامها، وتوظيفها بما يخدم مصالحها داخل الأراضي السورية. فلا تضيع فرصتها داخل الأزمة الأوكرانية بعد الغزو الروسي، فتلعب على المتناقضات بين أطراف الصراع لكسب أوراق جديدة لمصلحتها. هي أيضا تستغل تبديد فرص الحل السياسي في سوريا لإحداث متغيرات جديدة على الأرض.

حسان الأسود، يرى أن الوجود التركي على الأراضي السورية يتعارض مع مصالح الشعب السوري على المدى البعيد، كما يتعارض مع مصالح الدولة السورية على المدى البعيد أيضا، ويتعارض مع كيان المجتمع السوري، حتى لو كان هناك قبول لدى شريحة من الشعب السوري لما تدعيه تركيا من حماية لمناطق معينة.

وأضاف الأسود، أن هذا الوجود سيشكل على المدى البعيد خطرا على سوريا ووجودها، وقد يكون مصير المناطق التي تتواجد فيها تركيا كمصير لواء اسكندرون وغيره من الأراضي السورية التي اقتطعتها تركيا سابقا، مشيرا إلى أنه لا بد من أن يحصل توافق سوري سوري يفضي لحل للأزمة السورية، من أجل التخلص من آثار الوجود التركي بعد ذلك.

قد يهمك:بسبب القصف التركي.. نزوح جديد من ريفي تل تمر وأبو راسين شمالي الحسكة

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.