تصاعد الحراك الشعبي في السويداء، بعد أن ظن كثير من المراقبين أن المحافظة الجنوبية قد خضعت تماما للهيمنة الإيرانية، وعصابات المخدرات والخطف، المدعومة من الأجهزة الأمنية.

فبعد سنوات من استباحة الأرواح والممتلكات، ونشر الجريمة المنظمة، خرج آلاف الشبان، بسلاحهم الخفيف والمتوسط، من كافة مدن وأرياف المحافظة، لتدمير مقر أمني رسمي، تابع بشكل مباشر لشعبة المخابرات العسكرية الموالية لطهران. بعد أن امتنعت سلطة دمشق عن إبداء أي موقف، لمنع عمليات الخطف على الهوية، أو قتل الأبرياء. فلم تترك أمام الأهالي خيارا سوى القتال.

وفي وقائع ما سماه كثيرون “الانتفاضة الشعبية” في السويداء، قامت عصابة المدعو راجي فلحوط، التابعة لشعبة الأمن العسكري، بمداهمة محل تجاري في مدينة شهبا، بالتزامن مع الذكرى السنوية الثانية لاغتيال الشاب صقر الطويل (الذي أدى بدوره إلى انتفاضة في المدينة عام 2021)، واختطفت الشاب جاد الطويل، متهمة إياه بالانتماء إلى “حزب اللواء السوري”، المعادي للنفوذ الإيراني، وتشكيل خلية اغتيالات.

حاول وجهاء المدينة التوسّط للإفراج عن الشاب المعتقل، ولكن دون جدوى، فما كان من أهالي شهبا إلا القيام بقطع طريق دمشق-السويداء، وإغلاق المدينة بشكل كامل، وخطف عدد من الضباط، حسب ما ذكر أحد الوجهاء لموقع “الحل نت”.

المصدر أكد أن “عصابة فلحوط ردت على انتفاضة أهل شهبا بالخطف على الهوية، فصارت تعتقل كل الأشخاص المنحدرين من المدينة، ونصبت حواجز في الريف الغربي للمحافظة، وخطفت شابين من أهالي بلدة عريقة، التي تحرك عدد من رجالها في اليوم التالي تضامنا مع أهالي شهبا. وهاجموا بالأسلحة المتوسطة مقرات فلحوط المحصنة. وكان لاشتراك حركة رجال الكرامة المباشر في الهجوم الأثر الكبير في الانتصار على عصابة فلحوط، وفتح الطريق نحو اقتلاع مقرات العصابات الأمنية، وانتصار الحراك الشعبي في السويداء”.

فهل الحديث عن “انتصار” الحراك الشعبي في السويداء له ما يدعمه على أرض الواقع؟ وكيف ستتطور الأمور في المحافظة الجنوبية؟ وما موقف مختلف الأطراف الفاعلة فيها؟

موقف الهجري من الحراك الشعبي في السويداء

منذ اللحظات الأولى لعملية خطف جاد الطويل، تحرّك حكمت الهجري، شيخ العقل الأول لطائفة الموحدين الدروز، نحو أعلى سلطة في دمشق، للمطالبة بوضع حد شامل لعصابات الخطف، وتحميل الجهات الأمنية في المحافظة المسؤولية الكاملة عن الفوضى. ما اعتبره كثيرون موقفا إيجابيا من الحراك الشعبي في السويداء، ودعما له.

 مصدر مقرّب من الهجري قال لـ”الحل نت”: “اتضح لشيخ العقل أن السلطة في دمشق تخلّت بشكل نهائي عن السويداء، ولم تستجيب لأي مطلب من مطالبه. فيما فشلت مهمة وفد من مدينة شهبا، التقى مع كفاح الملحم، رئيس شعبة المخابرات العسكرية، في معالجة المشكلة من جذورها”.

مضيفا: “بعد الهجوم، الذي شنه الأهالي على مقرات فلحوط، واختباء بعض عناصر عصابته في بلدة قنوات، قام الهجري بإخطار أهالي البلدة، عبر مكبرات الصوت، بأن يتصدوا للعصابات، ويمنعوها من دخول بلدتهم، والاختباء فيها. وهو موقف أدى إلى رفع معنويات المقاتلين ضد فلحوط”.

وأكد المصدر، الذي فضّل عدم كشف هويته، أن “موقف عشائر البدو كان داعما للحراك الشعبي في السويداء، رغم كل ما قيل عن فتنة طائفية بين الدروز والبدو، وخاصة أن البدو دفعوا ثمنا باهظا، بعد استخدام السلطة الأمنية لهم وقودا للفتنة”.

وقد جاء في بيان طويل، كتبه الهجري بعد انطلاق الحراك الشعبي في السويداء: “نحن نحذّر كل من تسول له نفسه العودة والانجرار خلف الرذيلة والمعصية، أنه سيلاقي مصير الخونة بلا رحمة ولا تراجع، ونحذّر من يسيّر ويوجه أبناءنا، من المفسدين الفاسدين، المستفيدين من الممنوعات والشغب والدمار، أنهم سيلاقون نفس المصير. وكل ذلك تحت ظلال الدولة والقانون والعدالة. فإن لم تقم الدولة، بأجهزتها الأصولية، بالتصرف والمحاسبة والحماية، فلسنا عاجزين عن حمل لواء الحق، تحت ظلال العدالة والشريعة والأصالة والعادات. وسط استغرابنا، الذي اعتدناه، من نأي الجهات المختصة”.

وأضاف بيان الهجري: “نطلب من القيادة محاسبة المسؤولين، الذين منحوا العصابات شرعية الاعتقال والقتل والتعذيب والملاحقة، وهم أكبر المطلوبين على سجلات الدولة”.

حصيلة الضحايا واختفاء راجي فلحوط

أعلنت مديرية الصحة في المحافظة أن عدد ضحايا الحراك الشعبي في السويداء بلغ سبعة عشر مواطنا، منهم ستة من الأهالي، والبقية من أفراد العصابات. كما بلغ عدد المصابين خمسة وثلاثين جريحا.

وتم تشييع القتلى، بحضور مشايخ العقل، وسط إصرار المشيعين على وحدة أهالي المحافظة. فيما حملّ أهالي مدينة شهبا السلطات السورية مسؤولية الدماء التي سالت، وزرع العصابات، ومحاولة تفتيت الجبل.
لكن اختفاء راجي فلحوط، وعدم معرفة مصيره، كاد أن يذهب بفرحة الناس بما اعتبروه انتصار الحراك الشعبي في السويداء.

حركة “رجال الكرامة” أصدرت بيانا، بعد اثنتي عشرة ساعة من انتهاء الأحداث، أكدت فيه أن “فلحوط لم يكن في المقر، الذي داهمه المحتجون، وتمكّن من الفرار”. ما أثار مخاوف من عودته، وارتكابه مزيدا من الانتهاكات.

هل انتصر الحراك الشعبي؟

الدكتور عاطف عامر، الناشط المدني المعارض من السويداء، قال لـ”الحل نت”: “الحقيقة الثابتة أن الحراك الشعبي في السويداء انتصر على العصابات المرتبطة بالأجهزة الأمنية، وأن الناس تعرّفوا على أنفسهم في وحدتهم، باعتبارهم قوة لا يمكن أن تُجابه”.

مضيفا: “هذه الحقيقة لا ينتقص منها هرب راجي فلحوط، فالهدف العظيم تحقق، بقطع دابر هذه العصابات”.
ويرى عامر أن “حركة رجال الكرامة أثبتت أنها صمام الأمان الاجتماعي للسويداء، وأي اتهام لها بالتقصير في مواجهة فلحوط وعصابته غير عادل. ويصبّ في مصلحة النظام وأجهزته”، حسب تعبيره.

كثيرون من ناشطي المنطقة يرون أن استمرار الحراك الشعبي في السويداء مرهون بالاقتلاع الكامل لعصابة فلحوط، وإنجاز الخطوة التالية في مهاجمة أوكار بقية العصابات، وعدم السماح للأجهزة الأمنية ومسؤولي المحافظة بالركوب على ما حققه الأهالي، خاصة أن الجهات الحكومية لم تقم بأي رد فعل، رغم مرور أيام على الأحداث، بل أن كثيرين يتهمونها بتهريب وإخفاء عناصر العصابات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.