على الرغم من أن مجموعة “أستانا” كانت دون شك القوة الأساسية وراء التغيير في الملف السوري منذ العام 2015، إلا أن فعاليتها في تراجع حاليا. فبعد أسبوع من قمة طهران، شهدت سوريا عددا من حوادث الصراع العنيفة التي شارك فيها أشخاص كثيرون من جهات فاعلة مختلفة في جميع أنحاء البلاد. ويشير ذلك إلى أن التفاهم السابق بين هذه الدول حول الملف السوري تحوّل إلى خلاف واضح قد يشعل حربا جديدة في المنطقة.

من المتفق عليه، أن إيجاد حل للمشكلة السورية لا يزال هدفا بعيد المنال. ومع ذلك، تشعر الدول المنخرطة في الملف السوري بقلق متزايد إزاء المستوى الحالي من عدم الاستقرار، لا سيما في ضوء قرار أنقرة، ببدء حملتها العسكرية في شمال سوريا. وبالتالي، يبدو أن موسكو الغارقة في المستنقع الأوكراني، تسعى إلى إيصال رسالة قبل قمة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ونظيره التركي، رجب طيب أردوغان، في آب/أغسطس القادم، بأن الخيارات المطروحة لتدخلها في سوريا لن تمر إلا عبر طريقين رئيسين، فهل ستستجيب أنقرة لذلك؟

تركيا أمام خيارين؟

بحسب ما يستقرئه المحللون بعد قمة طهران الأخيرة، فإن العمل على تحقيق الاستقرار تدريجيا في مختلف المناطق داخل سوريا، وخلق وضع قائم أكثر استدامة، هو ما يتجه لطرحه بوتين، خلال لقائه نظيره التركي أردوغان في منتجع سوتشي الروسي على البحر الأسود، يوم 5 آب/أغسطس المقبل.

إذ يعتقد المحلل السياسي الروسي، فاتسلاف ماتوزوف، أن أنقرة باتت أمام خيارين لا ثالث لهما، هو القبول بخطة ثلاثية تتضمن إنهاء الأعمال العسكرية، والبدء في تطبيق سياسة الأمر الواقع بما يتناسب مع رؤية دمشق، أو الدخول في معركة عسكرية تنتهي بإعادة جميع المناطق لملاك الدولة السورية.

بعد اجتماع ثلاثي بين أردوغان، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في طهران، لم يسفر عن أي تطورات واضحة، ويبدو أن تركيا لا تزال تريد إجراء محادثات مع موسكو، على أمل الحصول على مباركة بوتين لشن العملية العسكرية في سوريا.

في المقابل، إلى حد ما، فإن الضوء الأخضر الإيراني لعملية تركية كان من شأنه أن يقلل أيضا من المخاطر التي يتعرض لها أردوغان. ومع ذلك، عارضت إيران حتى الآن الخطة، قائلة إنها ستكون ضارة لكل من تركيا وسوريا.

يشير ماتوزوف، إلى أن طهران وموسكو حاليا في موقف لتقييم وضعهما على المستوى الدولي، حيث تسعى موسكو لإعادة توازنها بعد التكلفة العالية التي دفعتها نتيجة غزوها لأوكرانيا، فيما تريد طهران إتمام اتفاقها النووي مع الولايات المتحدة، ودراسة تحركات العرب بعد قمّة جدّة، وفي هذه الحالة فإن تحركات أنقرة العسكرية ستخلق المزيد من المتاعب للطرفين.

نهاية المناورة

أطلق وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، قبل يومين، تصريحات “لافتة”، هي الأولى من نوعها بخصوص علاقة بلاده مع دمشق، الأمر الذي أثار جدلا، وتساؤلات عن الأسباب التي تقف وراء هذه “النبرة الجديدة”، وما إذا كانت ستفرض مشهدا مغايرا للعلاقة بين أنقرة ودمشق، خلافا لما كانت عليها السنوات الماضية.

وذكر الوزير التركي، أن بلاده أجرت سابقا محادثات مع إيران بخصوص إخراج “الإرهابيين من المنطقة”، مضيفا: “سنقدم كل أنواع الدعم السياسي لعمل النظام السوري في هذا الصدد”.

بينما يرى المحللون، أن التوغل التركي سيحدث إما عاجلا أو آجلا، هناك شكوك حول التطبيق العملي لأهداف أردوغان، في شمال شرق سوريا، حيث يرى المحلل السياسي الروسي، فاتسلاف ماتوزوف، أن “ميدان اللعب يختلف اليوم”.

وبتصور ماتزوف، فإن موسكو مهدت بمناوروات عسكرية في سوريا اليوم الأحد، لإجبار أنقرة على الجلوس مع الحكومة السورية على مستوى الوزارات من أجل حل المشاكل العالقة بين الطرفين، وللوصول إلى رؤية شاملة مستقرة على المدى القريب.

وبالتالي، وطبقا لحديث ماتزوف، فإن قمّة الرئيسين التركي والروسي، يجب أن تخرج بـ” استراتيجية واضحة المعالم للأشهر القادمة في سوريا، سواء على المستوى السياسي، أو العسكري”، مرجّحا أن أنقرة، ستوافق على الجلوس مع دمشق، خصوصا بعد تصريحات الوزير التركي، والتي أثارت حالة من الجدل الواسعة بين أوساط السوريين المعارضين للأسد، معتقدين أن الأمر يعتبر “بداية لإعادة تطبيع العلاقات”.

الأوسع من نوعها عتادا وكثافة

بحضور رئيس هيئة الأركان العامة السورية، العماد عبد الكريم ابراهيم، وقائد القوات الروسية العاملة في سورية، العماد أول ألكسندر تشايكو، إضافةً لعدد من كبار ضباط الجيشين السوري والروسي، أعلنت وكالة “روسفسنا” الروسية، مناورات مشتركة لأول مرة بين الجيش السوري و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) والقوات الروسية، في حلب.

من جانبها، قالت وكالة “سانا”، إنه “نفذ أحد تشكيلات قواتنا المسلحة وبالتعاون مع القوات الروسية العاملة في سوريا مشروعاً تكتيكيا عملياتيا بالذخيرة الحية”. وبيّنت الوكالة، أنه تم توجيه ضربات جوية مركزة من الطيران الحربي وصواريخ أرض-أرض، وتخطيط نظام التأثير الناري المركب، الذي أدى إلى تدمير الوسائط المعادية والتغطية النارية لتقدم القوات المهاجمة.

وأشارت الوكالة، إلى أن المشروع شارك فيه مختلف أنواع القوات البرية والجوية والبحرية، وصنوف القوات والقوات الاختصاصية في ظروف تحاكي في طبيعتها المعركة الحقيقية.

الجدير ذكره، أن القمة الثنائية، تأتي في وقت حساس سواء في ظل وجود عدة نقاط خلافية بين الطرفين داخل الملف السوري، أو في التطورات المتوقعة أن تشهدها أروقة الملف السوري، وذلك بعد تهديدات تركية بشن عملية عسكرية في مناطق من الشمال السوري قابله رفض روسي، وتصعيد عسكري وسياسي روسي، بدأ في استهداف مناطق من محافظة إدلب، قبل أن يتم تأجيل الجولة التاسعة من اللجنة الدستورية السورية، إلى موعد غير محدد بعد شروط روسية اعتبرها مراقبون بأنها تهدف لنسف هذا المسار.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة