لم تتمكن القمة الثلاثية التي عُقدت في طهران، في التاسع عشر من الشهر الحالي من إزالة الخلافات بين الدول الثلاث، روسيا وتركيا وإيران، على الرغم من البيان الختامي الذي جاء روتينيا، في محاولة لإظهار اتفاق الدول، في الوقت الذي حملت المباحثات خلافات تبدو عميقة بينها، وخاصة في الملف السوري.

ففي سوريا، تحاول كل من هذه الدول تحقيق مصالحها بالتنسيق مع الدول الأخرى، إلا أن بعض القضايا في الملف السوري تشكل نقاطا خلافيا لا يبدو أنه سيتم التوصل إلى حلها بسهولة، مع تعقيدات بالغة في بعضها الآخر، وخاصة الاستهداف الإسرائيلي للمواقع الإيرانية في سوريا.

خلاف إيراني روسي

باحثون في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، تحدثوا عن خلافات بشأن سوريا موجودة بين إيران وروسيا، فيما يتعلق باستمرار الهجمات الإسرائيلية، موضحين، أن الملخص الرسمي الذي نشره الكرملين لم يأت على أي ذكر للهجمات الإسرائيلية في سوريا، رغم أن الإيرانيين طرحوا الموضوع وطالبوا بإيقاف الضربات الإسرائيلية.

الخبير في الشأن الروسي، سامر إلياس، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن إسرائيل هي الخلاف الأكبر بين روسيا وإيران، وخاصة الغارات الإسرائيلية المستمرة على المواقع الإيرانية في سوريا، مبيّنا أن الجانب الروسي مستفيد من هذه الغارات من أجل تخفيف نفوذ إيران في سوريا وعلى حكومة دمشق، ولكنه في نفس الوقت لا يرغب أن تتحول سوريا إلى ساحة حرب بالوكالة بين الطرفين.

وأضاف إلياس، أن روسيا استطاعت حتى الآن الموازنة في علاقاتها بين إيران وإسرائيل، وكسبهم كطرفين حليفين في المعادلة السورية.

ولكن من جهة أخرى، يرى إلياس، أن هناك خلافا آخر بين روسيا وإسرائيل، حيث تطلب روسيا من إسرائيل إبلاغها بأي ضربة في سورية قبل وقت كاف، من أجل قواعد الاشتباك، ولكن إسرائيل لا تخبرهم إلا قبل نحو 30 ثانية من تنفيذ الضربة بحسب ما صرح به مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا لافرينتييف، وهي مدة قصيرة.

ولكن الإسرائيليين يرفضون الطلب الروسي تحسبا لقيام روسيا بإبلاغ الإيرانيين، وعلى الرغم من ذلك فروسيا لا ترغب بتوجيه ضربات إسرائيلية لمواقع تابعة للحكومة السورية، إنما تسمح فقط بضرب المواقع الإيرانية.

ولفت إلياس، إلى المشكلة المتصاعدة أيضا بين روسيا وإسرائيل، والتي تتعلق بإغلاق روسيا لمكتب الوكالة اليهودية وحله، إضافة لرفض روسيا منح تأشيرات دخول لمسؤولين إسرائيليين لمناقشة موضوع المكتب، والتي كان من المقرر أن تجري مفاوضات بشأنها يوم غد الخميس، ومن الممكن أن تتخذ روسيا من إغلاق المكتب وسيلة ضغط على إسرائيل في سوريا.

إقرأ:القمة الثلاثية في طهران.. إلغاء العملية التركية في سوريا؟

خلاف حول العملية التركية

الباحثون في المعهد الإسرائيلي، قالوا بأن قمة طهران كشفت عن مصلحة إيرانية روسية لثني تركيا عن تنفيذ عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا، لكن تصريحات الأطراف تظهر فشلهما بذلك.

وأوضح الباحثون، أن إيران تتخوف من أن تؤدي عملية عسكرية تركية جديدة إلى المزيد من زعزعة سيطرة النظام، وإلى توسع الوجود العسكري التركي في مدينة تل رفعت القريبة من بلدتي نُبل والزهراء، الخاضعتين لنفوذ الميليشيات الإيرانية.

الكثير من التحليلات التي سبقت انعقاد القمة الثلاثية رجحت بأن الملف الأهم الذي سيبحث خلالها، هو تهديدات تركيا العسكرية في الشمال السوري، وهو فعليا الأكثر تأثيرا على تطورات الملف السوري خلال الفترة الحالية. الروس من جانبهم كان لهم موقفا متقاربا عندما أعلن بوتين وجود اختلافات طفيفة مع تركيا في سوريا مشيرا إلى ان الملفين الوحيدين المتوافق عليهم مع تركيا هما اللجنة الدستورية، ومكافحة الإرهاب.

والتصريحات بعد انتهاء القمة استمرت في دلالاتها على عدم حدوث أي توافق على العملية العسكرية التركية، فوزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان، أعرب خلال مؤتمر صحفي مع نظيره السوري فيصل المقداد (الذي تصادف حضوره في طهران أثناء انعقاد القمة الثلاثية) عن “أمله بأن تجتاز سوريا وتركيا هذه المرحلة بسلام، وأن تنتبه تركيا لمخرجات قمة طهران”. فيما قال وزير الخارجية السوري من جانبه، أن دمشق تنظر إلى ما تم في القمة الثلاثية على إنه إيجابي بالرغم من محاولة الطرف التركي فرض أهدافه.

وفي هذا السياق يرى سامر إلياس، أنه بالفعل الطرفان الروسي والإيراني بحاجة لتركيا خلال المرحلة الحالية، فتركيا لم تشارك في العقوبات الغربية على روسيا، وتعول الأخيرة عليها للعب دور مهم في أي مفوضات مستقبلية حول أوكرانيا مع أوكرانيا أو الغرب، وتراهن عليها باستمرار الاستيراد الموازي أو من طرف ثالث للتخفيف من حدة النقص في الأسواق الروسية.

فتركيا، تجد نفسها في موقف قوي في تعاملاتها مع كل من روسيا وإيران، فإيران أيضا تخضع لعقوبات غربية بسبب برنامجها النووي، وتعتبر أن تركيا متنفس اقتصادي وسياسي لها.

ومن هنا يرى أردوغان، أنه لا بد من استغلال هذه القضية، موقع تركيا الجيواستراتيجي، وخاصة في ظل الحرب في أوكرانيا، وحاجة الطرفين الروسي والإيراني له في العديد من القضايا السياسية والاقتصادية، وقضايا تتعلق بالمفاوضات وتقريب وجهات النظر مع الغرب، ومع ذلك فهناك إمكانية لدى الروس والإيرانيين للتأثير على تركيا بشأن العملية العسكرية في الشمال السوري، من خلال منح بعض الامتيازات لتركيا مقابل الحد من العملية، أو فتح تفاهمات تكون مناسبة لتركيا ولأردوغان على أبواب الانتخابات في العام القادم، ليستطيع تقديمها على أنها إنجاز تم دون إراقة للدماء، وسمحت لتركيا بإبعاد ما تعتبره خطرا على حدودها من جهة أخرى، بحسب إلياس.

وكان سامر إلياس، قال خلال حديث سابق لـ”الحل نت”، أن تركيا في الأغلب ستطلق العملية العسكرية، لكن ضمن حدود، من بينها مراعاة مخاوف إيران حول مدينتي نبل والزهراء والوضع في حلب، وأيضا يجب أن تأخذ تركيا بعين الاعتبار المخاوف الروسية، من أن تظهر روسيا كطرف ضعيف في المعادلة السورية.

قد يهمك:توترات روسية تركية جديدة في سوريا؟

لا تزال عدة ملفات في سوريا تحمل العديد من التعقيدات والتداخلات، فمن جهة القصف الإسرائيلي الذي يشكل محورا للخلاف الروسي الإيراني والروسي الإسرائيلي، والعملية العسكرية التركية التي تشكل خلافات بين الدول نفسها إضافة إلى المخاوف من نتائجها، فيما يبقى الترقب سيد الموقف لما سيجري في هذين المحورين خلال الأيام القادمة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.