خلافات حادة بين الجزائر والمغرب، اتخذت واجهات متعددة من الشد والجذب، منها ما هو دبلوماسي تمثل في إعلان الجزائر قطع علاقاتها الرسمية مع الرباط في جهة واحدة وسحب السفراء في 2021، وأيضا المناوشات العسكرية بين الجانبين خلال الفترات الماضية، إلى جانب الخطاب المتداول في الإعلام من الجهتين بالجزائر والمغرب يزيد من تعميق الهوّة بين شعبين ودولتين يجمعهما أكثر مما يفرقهما، إذ إن تصعيد حدّة النزاع يفوّت عليهم آفاقا رحبة للتعاون، وسينعكس حتما على نهضة وتقدم شمال إفريقيا برمتها.

التوترات السياسية المتصاعدة بين البلدين تلقي بظلالها على العلاقات الاقتصادية بينهما، حيث سجل التبادل التجاري بين المغرب والجزائر انخفاضا حادا خلال الخمس سنوات الأخيرة، بحسب معطيات “مكتب الصرف المغربي” التي تكشف تأثير الخلافات السياسية الملموس على التدفقات التجارية والاستثمارية، الضعيفة أصلا، بين البلدين.

قيمة الصادرات المغربية نحو الجزائر بلغت في العام الماضي حوالي 80 مليون دولار، أي ما يمثل 0.1 بالمئة من إجمالي صادرات الرباط، بحسب ما نشره موقع “الصحيفة” الإخباري بينما وصلت وارداتها من الجزائر إلى حوالي 166 مليون دولار، أي حوالي 0.3 بالمئة من مشتريات المملكة من الخارج. كما سجلت قيمة صادرات المغرب إلى الجزائر، خلال الخمس سنوات الأخيرة، تراجعا متواصلا، حيث انتقلت من 191 مليون دولار في عام 2017، إلى 160 مليون دولار في العام الموالي، ثم 150 مليون دولار في 2019، وصولا إلى 127 مليونا في 2020، ثم 100 مليون دولا.

بين السياسية والاقتصاد

المعطيات الخاصة التي تحصّلت عليها “الصحيفة”، أظهرت المبادلات التجارية بين المغرب والجزائر، قد سجّلت تراجعا هو الأسوأ من نوعه منذ عقود، بحيث فقدت الجزائر لقب ثاني أكبر شريك تجاري للمغرب في إفريقيا، وتجاوزتها كل من مصر وتونس في الصادرات إلى هذا البلد في تحول “غير مسبوق”.

دوريات لحرس الحدود الجزائري في وجدة على الحدود مع المغرب (فادل سينا/ فرانس برس)
دوريات لحرس الحدود الجزائري في وجدة على الحدود مع المغرب (فادل سينا/ فرانس برس)

الإحصائيات التي حصلت عليها “الصحيفة” للفترة الممتدة ما بين 2017 و2022، سجلت تراجعا حادا على مستوى حجم التبادل التجارية، سواء تعلّق الأمر بالصادرات أو الواردات، وهو ما يعكس من جهة حجم الخسائر المالية الكبيرة التي تكبّدتها الشركات في البلدين، بسبب الأزمات السياسية المتتالية وما ترتب عنها من قرار بقطع العلاقات الدبلوماسية والذي اتخذته الحكومة الجزائرية بصفة أحادية.

قد يهمك: تصعيد جزائري ضد المغرب.. القطيعة إلى نقطة اللاعودة؟

من جهته يقول الكاتب والمحلل السياسي توفيق بوقاعدة، لـ”الحل نت” بأن أي توتر بين بلدين وقطع العلاقات الدبلوماسية وكذلك قطع الخطوط الجوية وغلق الحدود، سوف يؤثر حتما على العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، بين الدولتين وخاصة إذا كانت الدولتين جارتين وتربطهم علاقات تمتد إلى قرون من الزمن، بالتالي فأن المتضرر الأساسي  بشكل أكبر هي العلاقات الإنسانية، بالإضافة للعلاقات الاقتصادية على الرغم من أن حجم العلاقات الاقتصادية بين الجزائر والمغرب لم تكن بالشيء الكبير جدا والذي ممكن أن يؤثر بشكل واسع على بنية الاقتصاد لكلا الطرفين.

المحور الأساسي في العلاقات الاقتصادية وفق بوقاعدة، يتمثل بأنبوب الغاز الذي كان يمر على الأراضي المغربية والذي كانت تستفيد منه المغرب من خلال عائداته أو كذلك من المستحقات التي تأخذها كـ”غاز مسال” يساهم في سد احتياجاتها من الغاز الطبيعي. هذه التأثيرات كانت واضحة حتى قبل قطع العلاقات الدبلوماسية.

 هناك نوع من الفتور في عدم تطوير العلاقات الاقتصادية والتبادلات التجارية بين الدولتين وأن ما كان يقوم بها هو مؤسسات خاصة في حدود دنيا، بحسب بوقاعدة، حيث يرى بأن التجار تأثروا بشكل كبير من قطع العلاقات، بالإضافة إلى العمال المغاربة الذين كانوا ينشطون بمختلف المهن اليدوية في الجزائر، بالتالي فأن لقطع العلاقات كانت آثارا اقتصادية وخاصة على مستوى الأشخاص المرتبطين تجاريا بين الدولتين.

ضعف الصادرات

الصفائح الحديدية والفولاذية، تأتي في مقدمة صادرات المغرب نحو الجزائر بقيمة 26 مليون دولار، تليها المنتجات البلاستيكية المتنوعة بقيمة 7.8 مليون دولار ثم الملابس والمنتجات النسيجية بقيمة 7 مليون دولار، ثم مستخلصات القهوة والشاي التي بلغت من قيمة الصادرات نحو الجزائر 6.5 مليون درهم، وصولا إلى العبوات والبراميل المعدنية بقيمة 5 مليون دولار وصولا إلى السيارات السياحية بقيمة 5.4 مليون دولار، بحسب ما نقلته “الصحيفة” عن “مكتب الصرف” المغربي.

 صادرات الجزائر نحو المغرب بدورها سجلت انخفاضا متواصلا، منتقلة من 535 مليون دولار عام 2017 إلى 166 مليون دولار السنة الماضية، ويرجع الهبوط المسجل أساسا إلى قرار الجزائر إيقاف ضخ الغاز عبر خط أنابيب “المغرب الكبير- أوروبا” الذي ينقل الغاز نحو القارة الأوروبية عبر الأراضي المغربية، وذلك بعد 25 عاما من استمرار العمل به.

الصادرات الجزائرية من الغاز والبترول والمواد الهيدروكربونية الأخرى تراجعت من 570 مليون دولار عام 2017 إلى 60 مليون دولار العام الماضي، ونفس الأمر بالنسبة لزيوت البترول والتشحيم التي تأتي كثاني أكبر صادرات الجزائر نحو المغرب إلى 38 مليون دولار، فيما حققت التمور والزجاج الاستثناء، مع انتقال صادرات الأولى إلى الضعف تقريبا خلال العام الماضي.

في هذا الصدد، يعتقد بوقاعدة بأن الخاسر الأكبر من تأثير التجاذبات السياسية هو مستقبل العلاقات التجارية لكلا الدولتين المحوريتين في شمال إفريقيا والتي كان يمكن أن يكون لهما أثر كبير في تعزيز بنية اقتصادية قوية لكل كل منهما على حدا.

الواردات في انخفاض

بالنسبة للواردات من الجزائر صوب المغرب، فلم تتجاوز قيمتها الإجمالية السنة المنصرمة 1.694 مليون درهم وفق المعطيات الرسمية لـ”مكتب الصرف”، منتقلة من 5.353 مليون درهم في 2017، ثم 6.960 مليون درهم في 2018، فـ 4.955 مليون درهم في 2019، ثم بلغت 4.012 مليون درهم في 2020، وصولا إلى 5.869 في 2021.

اقرأ أيضا: دعوات للحوار بين الجزائر والمغرب.. إنهاء التوتر خارج القمة العربية؟

قرار الجزائر القاضي بوقف تصدير الغاز الطبيعي إلى المغرب، أدى إلى انهيار التبادل التجاري بين البلدين بشكل كبير، سيّما وأن واردات الرباط من جارتها الشرقية تتمحور أساسا حول الغاز والبترول والمواد الطاقية، بتقدير رسمي بلغ 1.694 مليون درهم. وفق “الصحيفة”.

في هذا الصدد، انحدرت الواردات المرتبطة بغاز البترول والمواد الهيدروكربونية الأخرى من 4.591 مليون دولار درهم و 5.704 مليون درهم، 4.265 مليون درهم، و 3.381مليون درهم 4.863 مليون درهم لسنوات 2017 – 2018- 2019- 2020-2021 على التوالي إلى 605 مليون درهم فقط في 2022. ونفس الوضع انعكس على واردات المغرب من الجارة الشرقية في زيوت البترول والتشحيم التي تأتي ثانية في 2022 بقيمة 381 مليون درهم.

موقف المستثمرين

المحلل السياسي توفيق بوقاعدة، يرى بأن المستثمرين الاقتصادين في كلا البلدين لا يمكن أن يكون لهم تأثير على قرارات الدولتين، وخاصة  أنهم لا يعيشون في دولتين ديمقراطيتين حتى يمكن  لهم أن يؤثروا على صناعة القرار، وخاصة أن  كلا الطرفين يعتبر بأن العلاقات الجزائرية المغربية هي علاقات أمنية، وأن قطع العلاقات هو ذو بعد أمني، وبالتالي هناك محاذير كثيرة جدا تجعل كلا المستثمرين  من كلا البلدين حذرين جدا في قول شيء مخالف لما تقوله سلطة الدولة التي يعيشون بها،  لذلك لا يمكن أن يكون هناك أي تأثير وبالتالي الكل ملتزم بما أفضت إليه القرارات السياسية في قطع العلاقات وكذلك في منع تنقل المواد سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بين الدولتين.

المتضرر الأكبر من استمرار تصاعد الخلافات والتوترات السياسية بين الدولتين هم مواطني الدولتين أساسا وخاصة المقيمين على حدود الدولتين والتي تربطهم علاقات قرابة وعلاقات مصاهرة وعلاقات اقتصادية ممتدة على مدى قرون من الزمن، وهذه التوترات لديها تأثيرات على المورد الاقتصادي لكلا الطرفين، فكان يمكن لأنبوب الغاز الجزائر العابر للمغرب أن يشكل موردا إضافيا لمداخيل الجزائر، وأيضا يمكن لهذا الأنبوب أن يشكل مصدرا أساسيا لسد احتياجات المغرب من الغاز الطبيعي.

هذه التجاذبات السياسية أثرت حتى على رؤية البلدين في الجانب الأمني وخاصة بعد استدعاء المغرب للكيان الصهيوني، وفق بوقاعدة، بالتالي رأت الجزائر بأن هذا الاستدعاء هو تحديدا متجه نحوها وبالتالي زادت الأعباء الأمنية للجزائر في حماية حدودها الغربية، وكذلك في زيادة تكلفة صادراتها من الأجهزة لمراقبة الحدود، وأيضا مراقبة أي تحركات مشبوهة يمكن أن تهدد الأمن الجزائري، كذلك المغرب كانت تكلفته اقتصادية وخاصة أن المغرب يعاني من أزمات اقتصادية متعددة الأوجه، وبالتالي هذه التوترات سوف تأثر بشكل كبير على البنية الاقتصادية والبنية السياسية والأمنية وكذلك العلاقات الإنسانية التي تربط البلدين.

قد يهمك: تحت درع الرياضة.. الصراع بين الجزائر والمغرب يتصاعد؟

عودة العلاقات الجزائرية المغربية إلى سابق عهدها ليس بالأمر السهل ويحتاج إلى عمل متعدد الجوانب والمستويات من وجهة نظر بوقاعدة، لأن الحديث عن عودة العلاقات طبيعية بين البلدين في الفترة الراهنة مستبعد جدا نظرا لمؤشرات ومعطيات الواقع وكذلك للإرهاصات وتخوفات كل طرف من الطرف الآخر، وبالتالي العلاقات الجزائرية المغربية تحتاج إلى إرادة سياسية قوية بين الطرفين.

أخيرا، الخلافات السياسية المتواصلة منذ عقود بين كلا من الجزائر والمغرب، تضيع فرصا وفوائد اقتصادية مهمة لكلا منهما،  وتبعد حلم بناء قطب اقتصادي مغاربي متكامل قوي إقليميا ودوليا، حيث يبقى شعب المنطقتين وشعوب المنطقة المغاربية عامة، “الخاسر الأكبر” في معادلة تستمر فيها الخلافات والتوترات السياسية في التصاعد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات