قضية الصحراء الغربية والاختلاف على الترسيم الحدودي بين المغرب والجزائر، ساهمتا في تعميق فجوة الخلاف بين الجارتين الواقعتين في إقليم شمال إفريقيا، على مدار أكثر من ثلاثين عاما، على الرغم من أن الجانبين يشتركان بخط حدود يمتد لأكثر من 1500 كيلو متر، ويتشاركان نفس اللغة والتاريخ.

خلال المرحلة الأولى من الصراع، اتخذ شكلا دبلوماسيا في المحافل الدولية، وذلك من خلال التأثير على القرارات الدولية في محاولة لتحقيق المصالح بعيدا عن الحرب المباشرة، إلا أن السنوات القليلة الماضية شهدت مناوشات عسكرية بين الجانبين، فيما يؤشر أن الخلاف اتخذ أشكالا أكثر حدة ومليء بالتهديدات، ما يوحي بأن التوتر بين الجارتين قد يصل فعلا إلى نقطله اللاعودة.

التصعيد الأخير بين الجانبين، دفع كل منهما لشراء كميات كبيرة من الأسلحة، حيث اندلع سباق تسلح بين الجانبين، حتى أصبحت المنطقة وجهة مهمة لصادرات الأسلحة، وبدأ الجانبان يصعّدان حدة التصريحات السياسية، ما أثار المخاوف حول احتمالية حدوث سيناريوهات تنعكس سلبا على الإقليم الشمال إفريقي.

تصعيد رئاسي

التصعيد بلهجة التصريحات جاء هذه المرة عبر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الذي قال في تصريحات نقلها موقع “القدس العربي”، إن العلاقات مع المغرب وصلت إلى نقطة اللاعودة، في تأكيد على فشل جميع المساعي الدبلوماسية التي حاولت تقريب وجهات النظر بين الجانبين لا سيما خلال العام الفائت.

آخر هذه المساعي كانت دعوة الملك المغربي أواخر العام الماضي، الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إلى زيارة المغرب بهدف الحوار، إلا أن التوتر المتصاعد بين الجانبين منع هذا اللقاء من الانعقاد، وتبادل الجانبان وقتها الاتهامات حول إفشال محاولات عودة العلاقات الدبلوماسية بين الجارتين.

العلاقات بين الجانبين، تشهد توترا منذ عقود بسبب دعم الجزائر لجبهة “البوليساريو” التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية، بينما يعتبرها المغرب جزءا لا يتجزأ من أرضه ويقترح منحها حكما ذاتيا تحت سيادته.

ذروة الخلاف بين الجانبين كانت منذ تموز/يوليو عام 2021 حتى الآن، حيث تصاعدت حملات الهجوم اللفظي بين البلدين عندما أعلن عمر هلال، سفير المغرب لدى الأمم المتحدة تأييده الصريح لحق سكان منطقة القبائل في تقرير مصيرهم ردا على الدعم الجزائري لـ “جبهة البوليساريو”، وهو ما أثار غضب الحكومة الجزائرية التي سارعت لاستدعاء سفيرها لدى المغرب للتشاور. 

جذور الخلاف

في الوقت نفسه أكدت تقارير إعلامية ونفتها المغرب حول تورط المغرب باستخدام برنامج “بيغاسوس” للتجسس الإلكتروني؛ لاستهداف هواتف شخصيات عامة ومسؤولين سياسيين وعسكريين جزائريين، الأمر الذي زاد من حدة التوتر بين الجانبين، وأدى إلى اتهام الجزائر المغرب بدعم جماعتين تدرجهما الجزائر على قوائم المنظمات الإرهابية وهما “رشاد” و”ماك” الانفصالية في منطقة القبائل، وحمّلته بدون دليل مادي، مسؤولية الحرائق التي اجتاحت الحياة البرية في الجزائر. 

الخبير في الشؤون الإفريقية رامي زهدي، رأى أن الحديث عن وصول العلاقات إلى نقطة اللاعودة لا يبدوا دقيقا في أروقة السياسية، خاصة في ظل حاجة الدولتين إلى إيجاد أرضية مشتركة للاتفاق، مشيرا إلى أن استمرار الخلاف والتوتر بين الدولتين الجارتين، سيكون له انعكاسات سلبية على الشمال الإفريقي على مختلف الأصعدة.

زهدي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “نقطة اللاعودة هي نقطة وهمية في السياسة، التعبير مبالغ فيه من قبل الجزائر على الرغم من قطع العلاقات الدبلوماسية، أعتقد أن الجانبين هما بحاجة ماسة لإيجاد نقطة تلاقي بدلا من الحديث عن نقطة لا عودة، حتى الآن ما تزال الجزائر ترى أن المغرب تعمل ضد مصالحها الاستراتيجية”.

قد يهمك: بوتين يتحدى قرار اعتقاله.. هل تستطيع الجنائية الدولية وضعه في “قفص الاتهام”؟

أساس الخلاف بين الجانبين تمثل خلال العقود الأخيرة، بصراع على الحدود المشتركة، لكن دعم الجزائر لجبهة “البوليساريو” فاقم أزمة الصراع الثانية، وأفضل مرحلة من العلاقات الثنائية بين المغرب والجزائر كانت المرحلة التي يمكن وصفها بـ”مرحلة الفتور”، بخلاف ذلك فقد كانت العلاقات متوترة جدا حتى وصلت في بعض الأحيان إلى المناوشات العسكرية.

هناك أيضا حالة من انعدام الثقة بين الجانبين مؤخرا، ما يقلل من فرص عودة العلاقات الدبلوماسية، وهنا أوضح زهدي أن “هناك تنافس بين الجزائر والمغرب كذلك على زعامة إقليم شمال إفريقيا ومن يكون له دور أوسع في القارة السمراء، كذلك التنافس على مصادر الطاقة جنوب المتوسط”.

تخفيف التوتر؟

برأي زهدي فإنه ليس هناك طريقة لتخفيف التوتر بين الجانبين، إلا إعلاء مصالح الدولتين، وربما يكون ذلك من البوابة الاقتصادية. فالجانبين يمكنهما التعاون في المجال الاقتصادي وتحقيق مكاسب قوية بعيدا عن الخلافات السياسية، عبر تعزيز الشراكات التجارية، خاصة وأن الدولتين تشتركان في اللغة والجذور والتاريخ.

كذلك فإن استمرار الخلافات والتوتر بين الجزائر والمغرب سيكون له انعكاسات سلبية على قارة إفريقيا، فهو سيضعف وفق زهدي العمل الإفريقي المشترك، ويضعف دور إقليم الشرق الأوسط، لأن ما يحدث  شمال إفريقيا يؤثر على الشرق الأوسط، فضلا عن تأثير هذا الخلاف على جهود دمج الاقتصاد الإفريقي بالاقتصاد العالمي، بسبب الانشغال بحل الخلافات الداخلية في القارة.

الجزائر تتهم المغرب بممارسة أعمال عدائية ضدها اضطرتها لقطع العلاقات كليا، وإعلان ذلك في 24 آب/ أغسطس 2021، تتمثل هذه الأعمال بـ”الاستيلاء على أراض جزائرية إلى “قيام دبلوماسي مغربي بالحديث عن حق تقرير المصير لشعب القبائل الشجاع”، في حين تبرر المغرب هذه التصرفات بدعم الجزائر لجبهة “البوليساريو”.

التوتر بين المغرب والجزائر زادت حدته، إثر عودة العلاقات بين المغرب وإسرائيل، ضمن صفقة تضمنت اعترافا أميركيا بمغربية الصحراء وافتتاح الإمارات والبحرين لقنصليتين لهما لدى المغرب في الصحراء، إضافة لإقامة الرباط علاقات مع تل أبيب في مجالات عسكرية وأمنية، كما أوقفت الجزائر تصدير الغاز إلى المغرب، وأغلقت أجواء البلاد أمام الطائرات المغربية في أيلول/سبتمبر من العام 2021.

لكنّ الخصومات بين المغرب والجزائر تعود إلى بداية الاستقلال، فكان هناك حرب عرفت بحرب “الرمال” عام 1963، وقد بدأت جذور الخلاف بين البلدين بعدما ضمَّت سلطات الاستعمار الفرنسي منطقتَي بشار وتندوف إلى الأراضي الجزائرية، وهما منطقتان يرى المغرب حقه التاريخي فيهما، وأنهما جزء من أراضيه التاريخية.

يبدو أننا على أعتاب حرب دعائية خلال الفترة القادمة بين الجانبين، ذلك في وقت يستبعد فيه مختصون أن يصل التصعيد إلى الحرب المباشرة، خاصة وأن الحرب لم تعد فقط في يد الأنظمة السياسية بالمغرب والجزائر، وإنّما في أيدي القوى الخارجية وفي ظل ما يحدث في أوكرانيا والتوترات العالمية خاصة في جنوب شرق آسيا، وما يحدث في تايوان والصراع مع الصين، كل هذا سيجعل من القوى الكبرى لا تسمح بمثل هذه الحرب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة