بعد مرور أكثر من عام على بدء الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، واستمرار القوات الروسية بمحاولات قضم المزيد من المناطق الأوكرانية، أصبح ملف جرائم الحرب المرتكبة في أوكرانيا، من أبرز الملفات التي تعمل عليها الجهات الدولية وفي مقدمتها “المحكمة الجنائية الدولية”، حيث يعمل فريق المدعي العام منذ أشهر على جمع الأدلة والوثائق المتعلقة بهذا النوع من الجرائم.

الجهود الدولية في ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب في أوكرانيا، طالت مؤخرا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعلى الرغم من عدم توجيه اتهام مباشر للقوات الروسية أو أية مجموعات رسمية تابعة للجيش، إلا أن مذكرة اعتقال صدرت من “المحكمة الجنائية الدولية” ضد بوتين، فهل تستطيع المحكمة تنفيذ ما جاء في المذكرة.

الرئيس الروسي يواجه اليوم تُهما تتعلق بارتكاب جرائم حرب، إذ تشتبه “المحكمة الجنائية الدولية”، في مسؤوليته عن ترحيل أطفال ونقل أشخاص دون سند قانوني من أوكرانيا إلى روسيا منذ بدء الحرب على أوكرانيا، إلا أن بوتين قرر على ما يبدو إرسال رسائل إلى الغرب والمجتمع الدولي بأنه غير مهتم بالقرارات الدولية، ما يعني أنه قرر تحدي الإرادة الدولية، فإلى أي مدى يمكن أن يصمد بوتين بوجه الإرادة الدولية.

مذكرة اعتقال بحق بوتين

مذكرة الاعتقال صدرت يوم الجمعة الفائت، وبعد يومين من إصدار المذكرة وتحديدا يوم الأحد، ظهر بوتين في زيارة مفاجئة في مدينة ماريوبول ضمن مقاطعة دونيتسيك، وهي إحدى الأقاليم الأربعة التي أعلنت روسيا ضمها لأراضيها بعدما سيطرت عليها خلال المعارك الدائرة لأكثر من عام، ما يوحي برسائل عديدة يسعى بوتين لإيصالها إلى الغرب بعد مذكرة التوقيف.

من ناحية توقيت زيارة بوتين إلى ماريوبول، فإنها تأتي بعد نحو شهرين من زيارة الرئيس الأميركي جو بادين إلى أوكرانيا، وحديثه من هناك عن استمرار مواجهة التحركات العدائية للقوات الروسية، كذلك تأتي في إطار استمرار الاستعدادات الأوكرانية لشن هجوم معاكس جنوبي البلاد، لاستعادة المناطق التي احتلتها القوات الروسية خلال الأشهر الأخيرة، ذلك ما يوحي بالتأكيد أن بوتين يسعى لمواجهة القانون الدولي.

من مؤشرات هذه الرسائل كذلك، تصريح الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف، الإثنين، حيث قال إن قرار “المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ستكون له عواقب وخيمة على القانون الدولي”، كذلك أصدر “الكرملين” بيانا اعتبر فيه أن جميع القرارات الصادرة عن “المحكمة الدولية” غير ملزمة لروسيا ولرئيسها من الناحية القانونية.

قد يهمك: قمّة كوريا الجنوبية واليابان.. من وراء اللقاء التاريخي للأعداء؟

خبير القضاء الجنائي الدولي البروفيسور أيمن سلامة، رأى أن “المحكمة الجنائية الدولية” على الرغم من أنها لا تملك قوى قضائية لتنفيذ مذكرة التوقيف، إلا أن القرار سيكون له تأثير واسع في الأوساط الدولية، خاصة وأن كافة الدول الأعضاء في المحكمة ملزمة على التعاون بشأن تنفيذ القرار ومتابعة التحقيقات بشأن جرائم الحرب المرتكبة في أوكرانيا.

إمكانية التنفيذ

سلامة قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية البالغ عددها 123، ملزمة بتنفيذ ما جاء في مذكرة التوقيف حول اعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما أنها ملزمة بتقديم الأدلة والشهود والوثائق التي قد تساعد  المحكمة في التحقيقات ضد بوتين ومستشارته”.

مذكرة التوقيف خصت بوتين كشخص، بعيدا عن الدولة الروسية، بالتالي فإن بوتين لن يستطيع منذ لحظة إصدارة المذكرة السفر أو الوصول لأراضي الدول الأعضاء في المحكمة وأبرزها دول الاتحاد الأوروبي، وهنا تجدر الإشارة إلى أن أوكرانيا والولايات المتحدة الأميركية ليستا أعضاء في المحكمة إلى جانب إسرائيل.

دول الاتحاد الأوروبي تفاعلت مع قرار المحكمة، فيما يبدو أن هناك رغبة في تنفيذ ما جاء في المذكرة، فقد أكد وزير العدل الألماني ماركو بوشمان، أن بلاده ستضطر إلى اعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إذا وصل إلى أراضيها، التصريحات التي اعتبرها سفير روسيا في ألمانيا سيرجي نيتشايف، “غير مسؤولة وتظهر رغبة في زيادة تصعيد الصراع مع موسكو” بحسب تصريحات نقلها موقع “الجزيرة نت”.

مذكرة التوقيف الدولية، حتى وإن لم يتم تنفيذها في المدى المنظور، لكنها ستساهم بالتأكيد في زيادة العزلة الدولية على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يواصل حملته العدائية في أوكرانيا، غير آبه بالقوانين الدولية، فبعد ألمانيا اعتبرت  وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا أن “إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتهمة ارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا هو قرار بالغ الأهمية”.

وحول إمكانية تنفيذ المحكمة لقرارها وأثره على بوتين، أشار سلامة إلى أنه بالرغم من صعوبة أن تقوم المحكمة نفسها باعتقال كل من تصدر بحقه مذكرة اعتقال، إلا أن المذكرة ستكون لها أثر ودلالة كبيرة على الصعيد السياسي والدولي، وأضاف “إذا قارنا حالة بوتين بحالة الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، فإن الأخير عندما صدرت بحقه مذكرة توقيف عام 2009 لم يستطع خلال 10 سنوات مغادرة السودان إلا لتسع دول فقط، لذلك بوتين لن يغامر أو يخاطر إلى الدول 123 الأعضاء في المحكمة وخاصة دول الاتحاد الأوروبي”.

سلامة أشار كذلك إلى أن مذكرة التوقيف بحق بوتين، تعتبر أسرع مذكرة توقيف بحق رئيس دولة، وذلك بسبب تعدد الجهات التي عملت على جمع الأدلة المتعلقة بمسؤولية بوتين عن ارتكاب جرائم حرب، حيث عمل فريق المدعي العام في “المحكمة الجنائية الدولية” إلى جانب جهات عديدة، كمنظمة “الأمن والتعاون الأوروبي والاتحاد الأوروبي”، الذين وجدوا أدلة على أن الجيش الروسي قام باختطاف أطفال ونقلهم قسرا إلى روسيا”.

أثر القرار سياسيا ودوليا

من التأثيرات التي سيعاني منها بوتين بعد المذكرة، أن جميع الدول الأعضاء في المحكمة، ستكون حذرة في التعاون مع روسيا بشأن دعوتها لحضور أية مؤتمرات دولية يمكن لروسيا أن يكون لها ممثلا فيه، بالتالي فإن بوتين لن يكون بمقدوره تمثيل روسيا في أية محافل دولية ضمن أراضي هذه الدول البالغ عددها 123، وإلا سيكون تحت خطر الاعتقال وتسليمه للمحكمة الجنائية في لاهاي.

مؤخرا ساهمت إطالة مدى الحرب في أوكرانيا، في عزلة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقيادته المركزية في موسكو على المستوى الدولي، إذ يؤكد محللون أن كل دقيقة تستمر فيها الحرب يعني خسائر متزايدة لروسيا على المستوى السياسي والعسكري والاقتصادي، خاصة مع زيادة العزلة الدولية، وارتفاع وتيرة الخسائر الاقتصادية التي لم تعد تستطيع موسكو تعويضها.

الجانب الغربي استغل بدوره هذه النقطة في الحرب، فاتخذ سياسة من شأنها جر روسيا إلى حرب استنزاف طويلة تحقق التوازن العسكرية في الميدان، وتضمن عدم الوصول بالتصعيد الغربي ضد موسكو إلى نقطة تهدد ربما بلجوء روسيا إلى السلاح النووي، وهو ما نشهده منذ أشهر، حيث أن استمرار الحرب وعدم حسمها يُعد بمثابة خسائر إضافية لموسكو.

على الرغم من محاولات روسيا التقليل من أهمية مذكرة التوقيف الصادرة عن “المحكمة الجنائية الدولية”، وعدم وجود قوة قضائية للمحكمة لتنفيذ ما جاء في المذكرة، إلا أن جميع المعطيات تقود إلى أن المذكرة ستكون لها من الأثر السياسي والدولي الكبير ضد بوتين، ذلك ما قد يؤدي ربما إلى قبول بوتين الجلوس على طاولة المفاوضات والقبول بتقديم التنازلات لإنهاء الحرب، خاصة وأن روسيا كدولة أُنهكت كثيرا على الصعيد العسكري والاقتصادي من جراء استمرار عمليات غزوها لأوكرانيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة