مع مرور نحو عامين على شن روسيا غزوها ضد أوكرانيا، فإن الوضع الإنساني المأزوم يبدو مرتهناً بحجم التعقيدات البالغة في المشهد السياسي الدولي الذي تصعد على تخومه ملامح خريطة تتمزق بفعل الصراع والرغبة في الاستحواذ والسيطرة والنفوذ، ولكن كيف مزّقَت موسكو “محادثات السلام” وجعلتها “محادثات احتلال”؟

فموسكو التي تراكم بآلياتها العسكرية أجساداً متهالكة ومشوهة نتيجة الحرب الهمجية، لا تتورع عن ممارسة كافة الانتهاكات التي تمس السيادة والقوانين الدولية، وبحق المدنيين، فقط، بدعوى وجود “حقوق تاريخية” لها بينما تخفي وراء ذلك جملة أهداف جيوسياسية واستراتيجية. 

وقد قضى في ذلك الصراع ما يزيد عن 10 آلاف مدني، فضلاً عن إصابة نحو 20 ألفاً آخرين، وفق تقديرات الأمم المتحدة، والتي تشير إلى حجم الدمار الذي خلفته موسكو في البنية التحتية لكييف حيث إن إعادة الإعمار ستكلف بحسب ترجيحاتها ربما مئات المليارات من الدولارات.

فيما لا تأخذ هذه الإحصاءات في الاعتبار عدد الضحايا في الأراضي المحتلة في أوكرانيا حيث لا تستطيع المنظمات الدولية الوصول إليها بسبب الحظر الروسي، وفق فيتالي فيديانين، المتحدث باسم سفارة أوكرانيا لدى دولة الإمارات العربية المتحدة. وهناك العديد من المدن التي سوتها موسكو بالأرض أو دمرت بشكل شبه كامل، مثل فولنوفاخا وسيفيرودونيتسك وليسيتشانسك وماريوبول، وحيث قد يكون هناك آلاف من الأوكرانيين القتلى الذين لا يعرف أحد عنهم شيئاً بعد. ويضيف: “لقد وجدنا مقابر جماعية في المدن المحررة، على سبيل المثال في بوتشا وفي إيزيوم. إنه أمر مخيف حتى أن نتخيل ما يمكن أن نجده في الأراضي المحتلة بعد تحريرها”.

وفي هذا المقال الذي يتزامن مع الذكرى الثانية للحرب الروسية الأوكرانية، خص الدكتور فيتالي فيديانين، المتحدث باسم سفارة أوكرانيا لدى دولة الإمارات العربية المتحدة “الحل نت”، بمقاربته للوضع السياسي والعسكري في أوكرانيا، بينما ساهم برؤية مشتركة مع كاتب السطور لطرح زاوية عن أحوال الحرب وربما أهوالها من خلال اقترابه المباشر وصلاته العضوية بالأحداث التي تجعله بتماس مع تفاصيلها وملابساتها. 

ظروف مأساوية في أوكرانيا

ربما، لم تشهد خطوط المواجهة، على مدار العام الأخير، تباينات استراتيجية مؤثرة، في ظل سيطرة موسكو على المناطق ذاتها التي تصل نسبتها نحو 18 بالمئة، منها شبه جزيرة القرم التي تم ضمها عام 2014، وكذا دونيتسك ولوغانسك وأخيراً أفدييفكا. ورغم ذلك، فإن الخسائر البشرية الفادحة تبدو هي النتيجة المستمرة والتي تجعل المدنيين تحت وطأة ظروف صعبة. فهذه الحرب الاستنزافية لا تبدو في الأفق احتمالات تسوية سياسية سريعة.

فيما أوضحت الممثلة العليا للأمم المتحدة في أوكرانيا، دينيس براون، أن نحو 8.5 مليون أوكراني يعيشون في ظروف صعبة بالقرب من مناطق القتال ومعرضون لخطر الحرمان من المساعدات الإنسانية الأساسية، بما في ذلك الغذاء والماء.

وتلح براون على ضرورة مواصلة الدعم العسكري والاقتصادي لأوكرانيا من قبل المجتمع الدولي، مشيرة إلى الاحتياجات الإنسانية للمدنيين في مناطق الصراع وهي احتياجات أساسية في ظل ندرة توافر الكهرباء والمياه، كما هو الحال خيرسون وزابوريجيا ودونيتسك وخاركيف. 

وفي العام 2023، وصلت الإمدادات الأممية لنحو 11 مليون شخص. كما أن الولايات المتحدة، خصصت أكثر من 60 مليار دولار من الدعم لأوكرانيا، منذ بداية الغزو الروسي في شباط/ فبراير 2022، منها 65 بالمئة فقط للمساعدات عسكرية.

فيتالي فيديانين

هاجمت موسكو مدينة أفدييفكا الأوكرانية، مؤخراً، بالقنابل الموجهة ما أدى لانسحاب القوات الأوكرانية أمام القصف العنيف الجوي والمعارك الصعبة والتدمير الهائل والحصار. وقال قائد المنطقة الجنرال الأوكراني أولكسندر تارنافسكي، “وفقا للأمر الذي تلقيناه، انسحبنا من أفدييفكا إلى مواقع معدة مسبقاً”. 

ويشير تقرير لـ”فرانس برس“، إلى أن “أوكرانيا كانت مرغمة للتخلي عن هذه المدينة التي صارت مدمرة إلى حد كبير، في مواجهة نقص متزايد في الموارد، وتعطل المساعدات العسكرية الأميركية، في حين عززت روسيا قواتها بالمزيد من العناصر والذخيرة قبل أيام من الذكرى السنوية الثانية لبدء غزو أوكرانيا في 24 شباط/ فبراير”.

ورجح “البيت الأبيض” سقوط “أفدييفكا” وقال: “تواجه خطر السقوط تحت السيطرة الروسية”، كما ألقى “البيت الأبيض” إثر سقوط المدنية باللوم على تعطل المساعدات من “الكونغرس”. ويشير تقرير الوكالة الفرنسية، إلى “تعرض جزء كبير من المدينة للتدمير، لكن نحو 900 مدني من أصل 32 ألف قبل الغزو الروسي، ما زالوا يقيمون فيها وفق السلطات المحلية”.

“البنتاغون” كان قد أشار، إلى أن الحسابات في ساحات المعارك في أوكرانيا “تغيرت بشكل جذري منذ أن نشرت القوات بأعداد كبيرة، إذ يمكن للأسلحة الدقيقة وأساطيل الطائرات المسيّرة والمراقبة الرقمية أن تصل لأبعد من الخطوط الأمامية، ما يشكل خطراً جسيماً على الأفراد أينما كانوا”.

موسكو مزّقت “عملية السلام”

يقول مسؤولون لصحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، إن الحرب “تظل فرصة لـ”صياغة استراتيجية دفاعية جديدة للمستقبل” ثم عمل “دراسة سرية.. لاستخلاص الدروس المستفادة من الحرب”. 

وقد عمدت موسكو إلى ضرب منشآت الطاقة بأوكرانيا، في شتاء العام الماضي، الأمر الذي تسبب في انقطاع الكهرباء عن ملايين الأشخاص في منازلهم وملاذاتهم لمدد طويلة. في حين تواصل موسكو الاستراتيجية ذاتها باستهداف البنى التحتية الحيوية للتأثير على المدنيين وضرب أو شل قدرات المقاومة الأوكرانية في مواجهة الحرب، كالمصانع وقطاعات النفط والغاز وغيرها. 

يقول الدكتور فيتالي فيديانين، المتحدث باسم سفارة أوكرانيا لدى دولة الإمارات العربية المتحدة، إن حرب روسيا العدوانية الشاملة ضد أوكرانيا لها هدف “استعماري”. فقبل عامين شنت روسيا الحرب العدوانية واسعة النطاق ضد أوكرانيا. ومع ذلك، فإن العدوان الروسي على أوكرانيا مستمر منذ 10 سنوات. بدأ الأمر في عام 2014 عندما احتلت روسيا شبه جزيرة القرم وغزت منطقة دونباس الأوكرانية الشرقية. 

وبين عامي 2014 و2022 عقدت أوكرانيا نحو 200 جولة من محادثات السلام مع روسيا بأشكال مختلفة وعلى مختلف المستويات. ووافق الجانب الأوكراني على وقف إطلاق النار نحو 20 مرة. ومع ذلك وعلى الرغم من كل الجهود التي بذلتها كييف لإيجاد حل دبلوماسي سلمي، في 24 شباط/ فبراير 2022، مزقت روسيا عملية السلام وشنت حرباً واسعة النطاق ضد أوكرانيا.

ويكمن السبب وراء هذه الخطوة “الهمجية” بحسب فيديانين، في هدف بوتين الاستعماري وهو احتلال أوكرانيا وتدميرها كدولة مستقلة. هذا هو الرد على أسئلة الكثيرين، وخاصة في العالم العربي، الذين يتحدثون اليوم عن الحاجة إلى وقف عاجل لإطلاق النار وإجراء محادثات السلام. 

ووفق حديث المتحدث باسم السفارة الأوكرانية في أوكرانيا، والذي خص “الحل نت” به، يواصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المرتبط بالعقل في القرون الوسطى إرسال آلاف الجنود والمعدات العسكرية إلى أوكرانيا ويضرب بانتظام المدن الأوكرانية المسالمة بالصواريخ والطائرات المسيّرة، مما يؤدي إلى مقتل المدنيين وتدمير البنية التحتية. ومن الواضح تماماً أن روسيا ليس لديها اليوم أي نية لوقف الحرب العدوانية أو سحب قواتها من أراضي أوكرانيا السيادية أو البحث عن حل دبلوماسي. وما تسميه موسكو “محادثات السلام” هي في الواقع “محادثات احتلال”. 

ضم الأراضي الأوكرانية

من جهة أخرى، تريد روسيا إضفاء الشرعية على الأراضي المحتلة ثم استعادة الإمكانات العسكرية المدمرة ومحاولة الاستيلاء على الأراضي التالية في أوكرانيا. ويقول فيتالي فيديانين، المتحدث باسم سفارة أوكرانيا لدى دولة الإمارات العربية المتحدة: “لا يوجد بلد في العالم يريد السلام أكثر من أوكرانيا. ويعمل الأوكرانيون ببطولة على تمهيد الطريق إلى سلام حقيقي وعادل والذي يمثل تحرير كامل أراضي أوكرانيا واستعادة السيادة الأوكرانية داخل الحدود المعترف بها دوليا. نعم، نحن بحاجة إلى الدعم والمساعدة من الدول الشريكة. وإننا ممتنون لجميع الدول للمساعدة التي أتاحت لنا الدفاع عن أنفسنا وحماية أرضنا وشعبنا ضد الاحتلال الاستعماري الموسكوي”. 

ويردف: “اليوم نعمل على زيادة إنتاجنا من الأسلحة ولكننا نتوقع ونعتمد أيضاً على زيادة المساعدات العسكرية وخاصة الطائرات الحديثة وأنظمة الدفاع الجوي والصاروخي وذخائر المدفعية ومعدات الحرب الإلكترونية والمركبات المدرعة. في عام 2022 حررت القوات المسلحة الأوكرانية جزءاً كبيراً من الأراضي المحتلة وفي عام 2023 تمكن الجيش الأوكراني من دحر الأسطول الروسي في البحر الأسود وفتح الممر البحري لتصدير الحبوب للعالم دون مشاركة موسكو. وفي عام 2024 جاء دور تدمير تفوق الغزاة الروس في الجو”.

بل إن دعم أوكرانيا وانتصارها هو أفضل وسيلة لحماية العالم من زعزعة الاستقرار وسلسلة الصراعات المماثلة في جميع أنحاء العالم. ومن خلال تصريحات “وكلام الدكتاتور الموسكوي يتبين أنه منفصل تماماً عن الواقع ويعيش في العصور الوسطى ويحاول احتلال الدول المجاورة بقوة السلاح. وإن أوكرانيا ليست الهدف الوحيد لبوتين الذي يبرر بشكل علني هجوم هتلر على بولندا”، بحسب ما يوضح فيتالي فيديانين.

لكنه يلمح في حديثه، إلى أنه “لا داعي للتساؤل إلى متى ستستمر هذه الحرب. يجدر أن تسأل عما فعلته لمساعدة أوكرانيا. وفي الوقت نفسه ينبغي لنا أن نتذكر دائماً أن تكاليف المساعدات لأوكرانيا ستكون أقل بكثير من تكاليف الأزمة العالمية التي سيواجهها العالم إذا نجحت موسكو في حربها العدوانية. فإن الجهود الحقيقية لتحقيق سلام مستدام وعادل مدرجة في صيغة السلام التي اقترحها رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي. واليوم هذه هي صيغة السلام الجادة الوحيدة التي تضمن استعادة احترام ميثاق الأمم المتحدة ووقف الأعمال الحربية وضمان الأمن الغذائي والنووي والبيئي وأمن الطاقة. وتعمل أوكرانيا الآن بنشاط على التحضير لقمة السلام العالمية في سويسرا. ويجب لهذه القمة أن تثبت وتشير إلى الدولة المعتدية الوحدة العالمية حول المبادئ الأساسية: احترام الحدود القائمة المعترفة وتفوق قوة القانون على قانون القوة. ويجب على العالم أن يظهر موقفاً موحداً أمام المعتدي، الذي عليه أن يتفاوض على شروط العالم وليس العكس”.

وبينما وافق المشرعون الألمان، مؤخراً، على تسليم “المزيد من أنظمة الأسلحة والذخائر بعيدة المدى الضرورية” إلى كييف، فقد سبق لوزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس، أن أعلن عن قبوله تقديم مساعدات بقيمة 1.1 مليار يورو، إثر تدشين اتفاقية تعاون أمني مشتركة برلين وكييف، وهو الاتفاق الذي وصفه الرئيس الأوكراني بأنه “وثيقة ثنائية غير مسبوقة حقاً”.

وتتضمن “حزمة ميونيخ”، وفق موقع “الحرة” الأميركي، قذائف دبابات وقطع مدفعية متنقلة، إضافة إلى منظومتي دفاع جوي من طراز “سكاي نيكس” و100 صاروخ” آيريس تي إل إس” مضاد للطائرات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
4 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات