إعلان مشروع القانون المقدم من الحكومة المصرية بتدشين “صندوق هيئة قناة السويس” بشكل مباغت، ومن ثم إعلان مجلس النواب المصري موافقته بشكل مبدئي على المشروع، أثار ردود أفعال واسعة بين المتخصصين والمسؤولين، لتتسع دائرة الخلاف إلى ساحة مواقع التواصل الاجتماعي.

حيث أن المؤيدين يرونه ذراعا استثماريا يفتح الباب أمام شراكات مع وكلاء ملاحيين عالميين، على رأسهم الوكيل الإماراتي، لشراء وتأسيس شركات والمشاركة في تطوير القناة وتوسعة أرصفتها لزيادة حركة التجارة الدولية، في حين يرونه المعارضين كمقدمة لبيع أصل من أصول الدولة.

من هنا تبرز عدة تساؤلات حول اعتراض عدد من أعضاء “مجلس النواب” المصري على مشروع القانون الجديد فيما يتعلق بـ”قناة السويس”، هل هو حقا بيع لأصول مملوكة لهيئة القناة، وما سرّ تأسس صندوق استثماري جديد، وكيف سيُدار الصندوق، وما تبعاته ككل.

خلاف على القانون

“مجلس النواب” المصري، وافق خلال جلسته العامة، يوم الإثنين الماضي، على المادة (15 مكررا “3”) من مشروع القانون التي حددت موارد الصندوق في مصادر عدة، تشمل رأسمال الصندوق، ونسبة من إيرادات هيئة “قناة السويس”، أو تخصيص جزء من فائض أموال هيئة “قناة السويس” لصالح الصندوق بعد الاتفاق مع وزير المالية، وعائد وإيرادات استثمار أمواله، إضافة إلى الموارد الأخرى التي تحقق أهدافه، ويقرها مجلس الإدارة، ويقبلها رئيس مجلس الوزراء.

“قناة السويس” بمصر “أ.ف.ب”

الجلسة العامة التي نوقش فيها مشروع القانون الجديد، شهد خلافا، إذ أعلنت عضو مجلس النواب مها عبد الناصر رفضها لمشروع القانون الجديد الذي يتضمن تأسيس صندوق خاص بـ”قناة السويس”. وقالت إنها ترفض “فكرة إنشاء صناديق جديدة”، لافتة إلى “عدم وجود وحدة لموازنة الدولة”.

الناصر أضافت “الحكومة لديها إصرار على تكرار الأساليب الاقتصادية نفسها وتنتظر نتائج جيدة”، وطالبت بحضور رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي للرد على تساؤلات أعضاء البرلمان وممثلي الشعب المصري، مضيفة أن “تأسيس صندوق جديد لقناة السويس في وقت تتعرض الدولة لأزمة اقتصادية أمر غير مُلّح في الوقت الحالي”، مطالبة الحكومة المصرية بالتوقف عن الاقتراض الذي كبّل الاقتصاد بالديون، حسبما نقله موقع “اندبندنت“.

كذلك، عبّر عضو مجلس النواب أحمد فرغلي، عن تخوفاته من تأسيس صندوق خاص بالقناة. مبينا أن “الاعتراض الأول يتمثل في فلسفة إنشاء الصندوق من الأساس، فإن كان السبب ليكون للهيئة ذراع للاستثمار، فهو أمر محقق من خلال قانون الهيئة ذاته، الذي يمنحه حق الاستثمار والدليل أن لديها سبع شركات”.

قد يهمك: اجتماع اقتصادي برعاية واشنطن.. تطور للعلاقات “العربية-الإسرائيلية” في 2023؟

فرغلي أشار إلى أن الهيئة تدخل ضمن هيكل المساهمين في شركة “بورسعيد لتداول الحاويات” بنسبة تصل إلى 38 بالمئة، قائلا “إذاً لا يوجد أي داع لتدشين صندوق سيادي لقناة السويس إذا كانت تستطيع المساهمة في شركات وتدخل في استثمارات، وأنه كان من الممكن تعديل قانون الهيئة وإضافة ما يلزم لتحقيق أكبر استفادة من القناة بشكل عام، لكن أن يتم إنشاء صندوق جديد فهو أمر غير مفهوم وغير واضح الأهداف”.

غير أن رئيس الأغلبية البرلمانية أشرف رشاد، قال إن “قناة السويس كنز مصر الأول”، مؤكدا أنه “يوافق على مشروع القانون بعيدا من الحلول الروتينية”، مشددا على أن “التشريع يهدف في المقام الأول إلى طرح حلول غير روتينية أو تقليدية، ويسعى إلى تسهيل الأمور وليس تعقيدها”، لافتا إلى أن “التشريع الجديد يُسهم في خلق حلول جديدة”.

كما أن رئيس هيئة “قناة السويس”، أسامة ربيع، أفاد يوم أمس الخميس، أن صندوقا سياديا مقترحا للقناة يمكن أن يرحب بمشاركة مستثمرين أجانب، لكن لن يكون لهم سيطرة على الممر المائي.

ضمن هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي، ورئيس “المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية”، الدكتور رشاد عبده، أن “مشكلتنا كأي دولة من دول العالم الثالث هي وجود فجوة بين أحلام الرئيس وإمكانيات الدولة”، حيث أنه منذ نحو أقل من الشهرين كان له كلمته خلال “المؤتمر الاقتصادي.. مصر 2022″، وقد تحدث عن فكرة إنشاء “صندوق قناة السويس”، ومدى أهمية أن يكون هناك ملاءة مالية ضخمة لهذا الصرح العملاق، وأن الهيئة اعتادت أن توجّه دخلها إلى الموازنة العامة “وزارة المالية” فقط.

عبده أوضح أثناء حديثه لموقع “الحل نت”، أن الرئيس السيسي، سأل رئيس الهيئة الاقتصادية لـ”قناة السويس” عما تملكه الهيئة في ذلك الوقت من أموال، فأجاب، “لا يوجد”. وقال “قلتله إزاي مؤسسة عملاقة زي دي ميكنش لها ملاءة مالية بـ 300 أو 400 مليار”، وبالتالي من هنا أتت فكرة إنشاء صندوق إيرادات الهيئة مع العمل على تنميتها، وعدم إنفاق أي شيء إلا بالعودة إليه أي إلى الرئيس.

رغبة في أعمال تطويرية

الخبير الاقتصادي، عبده أشار إلى السيسي منوّها أنه بعد تدشين صندوق للحصول على جانب من أموال الهيئة سيقوم بعمل مشاريع استثمارية تخدم بعد ذلك على احتياجات “قناة السويس” في حال احتياجاتها من معدات أو إذا كانت هناك رغبة في أعمال تطوير وتوسعة. الأمر الذي حتما سيساعد اقتصاد البلاد ككل ويزيد من إيرادات القناة.

قد يهمك: أزمة الحكومات تلازم ليبيا.. ما مصير الدبيبة والمجالس الثلاثة؟

بالتالي، وفق عبده، أثار هذا الأمر ردود أفعال واسعة بين المتخصصين والمسؤولين، وشهدت الجلسة العامة لـ “مجلس النواب” المصري خلافا، بالتالي فإن غياب الشفافية ومباغتة المواطنين بالحديث عن المسألة في البرلمان بعث بتخوفات عميقة من وجود احتمالية لبيع أصل من أصول الدولة.

نتيجة للأزمات العالمية؟

رئيس هيئة “قناة السويس” أسامة ربيع، قال إن “فلسفة الصندوق تستهدف تحقيق الاستدامة الاقتصادية للهيئة ومجابهة أي طوارئ”، متابعا خلال مناقشة مشروع القانون بـ”النواب” أنه “لا يخفى علينا ما يمر به العالم من أزمات وكل سفن الحاويات من شرق آسيا تمر من قناة السويس وتوقفت، لكن بسياسة مرنة استطعنا عمل دراسات تسويقية قدمنا من خلالها تخفيضات من 45 إلى 75 بالمئة لسفن الساحل الشرقي الأميركي تحديدا، إذ إننا لسنا البديل الوحيد له”.

بحسب ما صرح به ربيع، فإن “تجارة الحاويات حققت خسائر في الوقت الذي حققت فيه الهيئة زيادة 8 بالمئة”، كما أنه أشار إلى جملة الأزمات العالمية، التي كانت تقف وراء تدشين هذا الصندوق الاستثماري، فقال “الأزمات العالمية المتلاحقة سبب رئيس لتأسيس الصندوق، إذ إن مشكلة مركب إيفر غيفين تم حلها في ستة أيام فحسب”، مستدركا “لو استمرت تلك الأزمة لستة أشهر كانت ستتحول إلى مشكلة كبيرة، علاوة على الأزمة الأوروبية والحرب الروسية الأوكرانية تدفعنا إلى تحقيق فائض لاستخدامه في الصندوق المزمع إنشاؤه”.

ماذا قيل عن المشروع وكيف سيُدار؟

الرئيس السيسي، كان قد تحدث عن فكرة إنشاء صندوق هيئة “قناة السويس”، ومدى أهمية أن يكون هناك ملاءة مالية ضخمة لهذا المكان المهم، وذلك في كلمته خلال المؤتمر الاقتصادي الذي عُقد مؤخرا، لافتا إلى أن الصندوق به نحو 80 مليار جنيه، ومن المتوقع أن يصل إلى 300 أو 400 مليار جنيه خلال 4 سنوات، وبالتالي تكون الملاءة المالية الكبيرة، وفق موقع “الشروق” المصرية.

المتخصص في شؤون الاقتصاد هاني توفيق، روّج لما سماه “رؤية خاصة في شأن قانون قناة السويس” ملخصها استبدال مديونية الدولة قصيرة الأجل بسندات طويلة الأجل “30- 50 سنة” يصدرها الصندوق، قائلا على صفحته الرسمية على منصة “فيسبوك”، “ما يقلقني في هذا القانون هو مزيد من تجاهل مبدأ شمولية ووحدة الموازنة العامة للدولة”.

كما أن وزير التموين الأسبق جودة عبد الخالق، أشار إلى أن “الأزمة الدائرة فيما يخص تأسيس صندوق خاص بقناة السويس هو غياب المعلومات والبيانات التي تبين للمواطنين الهدف من التدشين”، مبينا أنه “يجب أن تفصح الحكومة عن تبعية الصندوق الجديد والجهة الرقابية التي ستتابع دوران رأسماله وتوضح مجلس إدارة الصندوق والأدوار المنوطة به، وهل ستتم إدارته بنفس أسلوب إدارة صندوق مصر السيادي الذي تأسس من قبل أم لا؟”.

في خضم كل هذه التخوفات من هذا المشروع، فقد أصدر مجلس الوزراء عبر مركزه الإعلامي بيانا رسميا، لتبدد مخاوف السكان، حيث نفى خلاله المزاعم التي تشير إلى اعتزام الحكومة إنشاء صندوق هيئة “قناة السويس” كباب خلفي لبيع القناة.

البيان الرسمي أكد أنه “تواصل مع هيئة قناة السويس التي نفت تلك الأنباء، مؤكدة أنه لا صحة لاعتزام الحكومة إنشاء صندوق هيئة قناة السويس كباب خلفي لبيع القناة”، مشددة على أن القناة وإدارتها “ستظل مملوكة بالكامل للدولة المصرية وتخضع لسيادتها، كما سيظل كامل طاقم هيئة القناة من موظفين وفنيين وإداريين من المواطنين المصريين”.

طبقا لبيان مجلس الوزراء فإن “الهدف من إنشاء صندوق مملوك لهيئة القناة هو زيادة قدرة الهيئة على المساهمة في التنمية الاقتصادية المستدامة لمرافق هيئة القناة وتطويره من خلال الاستغلال الأمثل لأمواله وفقا لأفضل المعايير والقواعد الدولية لتعظيم قيمتها”.

إيرادات القناة

القاهرة، تعتمد على عائدات “قناة السويس” في دعم خزانة الدولة، إذ تمثل عائدات القناة نحو 1.5 بالمئة من إجمالي الناتج الاقتصادي لمصر، إلا أنها تُعد مصدرا مهما للعملة الأجنبية خصوصا مع تطور عائدات القناة في الفترة الأخيرة بعد أن سجلت في تموز/يوليو الماضي أعلى إيراد شهري في تاريخها، إذ وصل إلى 704 ملايين دولار أميركي بعد عبور 2103 سفن المجرى الملاحي في أكبر معدل لعبور السفن على أساس شهري، طبقا لتقارير صحفية.

أيضا، قبل سبع سنوات شقت الحكومة المصرية قناة جديدة على طول القسم الشمالي من القناة، لتعزيز حركة الشحن العالمية واستيعاب تدفق السفن التي تنقل النفط والملابس والإلكترونيات وغيرها من السلع بين أوروبا وآسيا، وبلغت كلفة المشروع نحو 8.5 مليار دولار.

قد يهمك: أثر الغزو الروسي لأوكرانيا على الشرق الأوسط.. الحقائق الأساسية والاحتياجات الماسة

بحسب الخبراء، فإن إنشاء الصندوق سيتبعه مضاعفة إيرادات القناة، على اعتبارها تركز في الشريان الملاحي، والصندوق يركز في الأنشطة الاستثمارية لأصولها، وأن الممر الملاحي غير قابل للبيع أو الشراء، وإنما أصول القناة من شركات وترسانات ومبانٍ وأراضٍ وموارد.

بالتالي وفي ظل التوقعات التي تشير إلى مضاعفة إيرادات القناة إلى أكثر من 8 مليار دولار، فإن مشروع القانون يهدف إلى دخول هيئة “قناة السويس”، من خلال الصندوق، في شراكات مع مستثمرين عرب أو أجانب، لتحسين وضعها المالي، بعيدا عن تخوفات الأهالي والآخرين من أن القناة ستُباع، وهو في النهاية يأتي في مصلحة تنمية وتطوير ومساعدة اقتصاد البلاد، وسط المتغيرات والأزمات العالمية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.