التعقيدات السياسية والأمنية، ربما هو الوصف الأقرب للدقة بالنسبة للأوضاع التي تشهدها ليبيا خلال السنوات القليلة الماضية، في ظل وجود ثلاثة مجالس تتصارع فيما بينها على طريقة إدارة البلاد، إضافة لوجود حكومتين في ذات الوقت.

الاتفاق على تشكيل حكومة تتوافق عليها المجالس وكل الأطراف المتصارعة، هو التحدي الأكبر الذي تواجهه البلاد، بعد فشل العديد من المبادرات السابقة لتشكيل الحكومة، ليعلن مجلس الأمن الدولي عن مبادرة جديدة، فما مصير المجالس الثلاثة المتصارعة وحكومة الدبيبة بعد إعلان المجلس.

مبادرة دولية

مجلس الأمن الدولي أصدر بيانا اليوم الخميس، دعم فيه عقد “حوار ليبي شامل” يفضي إلى “تشكيل حكومة موحدة“، قادرة على الحكم في جميع أنحاء البلاد، وتمثيل الشعب الليبي بأكمله.

المجلس أكد التزامه بدعم الحوار الشامل لتشكيل حكومة موحدة، مشيرا إلى “أهمية الحوار الليبي لنجاح عملية المصالحة، التي تستند إلى مبادئ العدالة الانتقالية“، وذلك في إطار الجهود الدولية لحل عقدة المشهد السياسي في البلاد.

مجلس الأمن دعا الجهات الفاعلة إلى “الحفاظ على الهدوء على الأرض“، والالتقاء تحت مظلة الأمم المتحدة، للاتفاق بسرعة على مسار لوضع اللمسات الأخيرة على التسوية السياسية، بما في ذلك الأساس الدستوري اللازم لإجراء الانتخابات.

الخبير في الشؤون الإفريقية رامي زهدي، قلل من أهمية دعوة مجلس الأمن الدولي، لتفكيك التعقيد السياسي في ليبيا، معتبرا أن تشكيل حكومة تمثل كافة مكونات الشعب الليبي، يحتاج إلى توافق الأطراف المتنازعة على أن يكون القرار نابع بشكل وطني من الداخل الليبي.

زهدي قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “فيما يتعلق بإعلان مجلس الأمن الدولي التزامه بدعم حوار ليبي شامل ينتج عنه تشكيل حكومة موحدة لتمثيل الشعبي الليبي بأكمله، من حيث الشكل هو إجراء شكلي جيد ومطلوب، لكن من حيث المضمون يجب أن نفكر تحديدا، هل الشعب الليبي ينتظر أن يتدخل مجلس الأمن كأكبر مؤسسة أممية ليطلب من الأطراف المتنازعة أن تتوحد من أجل تشكيل حكومة أو أن تجلس في حوار سياسي شامل“.

تأكيد على الجهود الداخلية

زهدي افترض أن جدوى هذا الإعلان ربما تكون جيدة على الصعيد السياسي، لكن لا يجب التعويل عليها، طالما أن الأطراف المختلفة لم تصل إلى إرادة وطنية حقيقية لإدارة حوار وطني ليبي شامل، يفضي إلى تشكيل حكومة تستطيع أن تنتقل من المرحلة الانتقالية إلى مرحلة أخرى من إعادة الدولة الليبية إلى ما يجب أن تكون عليه.

بطبيعة الحال، فإن مجلس الأمن لا يملك أكثر مما فعل حتى الآن، وحول ذلك أضاف زهدي “ما زلت أعول كثيرا على الشعب الليبي والأطراف المختلفة في البلاد، ولن يستطيع أي طرف خارجي أن يتدخل لوضع إطار أو حل للمشاكل الليبية إلا الليبيين أنفسهم، بالتأكيد حكومة موحدة وتمثيل الشعب الليبي، وإبداء قدر كبير من العدالة السياسية والمجتمعية أمر تحتاجه ليبيا وبشدة لأنه عند تمثيل الشعب الليبي بالكامل في حكومة موحدة سوف يدافع الجميع عن هذه الحكومة، بدلا من أن يعمل ضدها“.

قد يهمك: سباق إسرائيلي إيراني “محموم” لإعادة العلاقات مع السعودية.. التوقعات والتبعات؟

من أجل نجاح هذه الخطوات نحو تشكيل حكومة موحدة، أوضح زهدي أن الاختلافات بين المجالس الثلاثة في البلاد يجب أن تنتهي، وهي “مجلس الرئاسي ومجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة”، معتبرا أن المجالس المتعددة تدعم مزيدا من الانقسامات ويقوض السلطات بينهم، “ما يجعلنا نرى مزيد من الانقسام والإقصاء السياسي، وبالتالي مجلس موحّد هو ما تحتاجه ليبيا وإجراء هام جدا”.

ليبيا تعاني منذ أكثر من عام من انقسام وجمود سياسيين، نتيجة رفض الحكومة المنتهية ولايتها برئاسة عبد الحميد الدبيبة، تسليم السلطة للحكومة المكلفة من البرلمان ويرأسها فتحي باشآغا.

حكومتان!

حاليا، توجد في ليبيا حكومتان متنافستان، ففي شباط/فبراير الماضي عيّن البرلمان، الذي يتخذ من شرقي ليبيا مقرا له، فتحي باشاغا رئيسا للوزراء في تحد لعبد الحميد الدبيبة، الذي يتخذ من طرابلس مقرا له.

الدبيبة الذي عُين رئيسا لحكومة وحدة وطنية في آذار/مارس 2020، كجزء من جهود إحلال السلام التي ترعاها “الأمم المتحدة“، رفض التنحي عن منصبه قبل إجراء انتخابات جديدة، بحسب تقارير صحفية.

وتضمنت مهام حكومة الدبيبة، قيادة ليبيا إلى انتخابات يوم 24 كانون الأول/ديسمبر 2021، لكن الانتخابات أُلغيت وسط انقسامات حادة بشأن أسسها القانونية، وترشح عدة شخصيات مثيرة للجدل.

منتصف شهر نيسان/أبريل الفائت، شهدت العاصمة الليبية طرابلس، حشدا عسكريا ضخما للميليشيات من مختلف المناطق بالآليات والأسلحة الثقيلة، عقب محاولة رئيس الوزراء الجديد المعيّن من قبل البرلمان، فتحي باشاغا، دخول العاصمة لممارسة سلطاته وواجباته.

بحسب وسائل الإعلام آنذاك، شوهدت أعداد كبيرة من الآليات العسكرية، قادمة من مصراتة والزنتان والزاوية تحمل أسلحة ومقاتلات متوسطة وثقيلة متجهة نحو طرابلس.

تلك المجموعات المسلحة وصلت إلى العاصمة طرابلس، التي أُفيد بأنها تابعة لحكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، مرددة شعارات “يوم الحسم اقترب“.

وأدى ذلك إلى فوضى أمنية في الشوارع، خاصة مع إعلان عدة كتائب محسوبة على رئيس الوزراء المنتهية ولايته عبد الحميد الدبيبة، حالة النفير العام.

محللون ومراقبون للوضع الليبي، اعتبروا كذلك أن دعوة مجلس الأمن، تمثل رفع للغطاء الدولي ونزع الاعتراف عن الحكومة المنتهية ولايتها، ودعم لكافة الجهات الأخرى لأخذ زمام المبادرة والبدء بخطوات الحوار وتشكيل الحكومة.

تعثر الانتخابات

بسبب الخلافات بين مؤسسات الدولة، حول قانونَي الانتخاب الرئاسي والبرلماني، تعثر إجراء انتخابات في 24 كانون الأول/ديسمبر 2021، وتقرر إجراء تلك الانتخابات خلال ملتقى الحوار السياسي بين أطراف النزاع الذي انعقد أول مرة في تونس برعاية أممية، في تشرين الثاني/نوفمبر 2020.

بعد فشل إجراء انتخابات في كانون الأول/ديسمبر الماضي، دخلت ليبيا في صراع جديد بعدما كلّف مجلس النواب حكومة جديدة برئاسة فتحي باشآغا، لتتصارع مع حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دوليا برئاسة عبد الحميد الدبيبة، الذي يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة تأتي عبر برلمان جديد منتخب.

كما لم تتمكن ليبيا خلال 2022 من إجراء الانتخابات؛ جراء تعثر لجنة مشتركة من مجلسي النواب والأعلى للدولة في التوافق على قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات.

سبب تعثر أعمال اللجنة، التي تشكلت بمبادرة من الأمم المتحدة، كان “هو خلاف على شروط الترشح للانتخابات الرئاسية، والتي منها مشاركة العسكريين ومزدوجي الجنسية“، وفق تقارير صحفية.

قانون المحكمة الدستورية الذي سنّه مجلس النواب، من دون ذكر نصاب الجلسة، أو عدد الحضور، أو المصوّتين، يُعد خطوة غير سليمة قانونا ودون أساس دستوري، بل إنها “مخالفة لكل ما يؤسس للمحاكم الدستورية وفق النظم القانونية المعاصرة“، بحسب تصريح لعضو مجلس الدولة الأعلى، فتح الله السريري، لموقع “الجزيرة نت“.

المشاورات حول المناصب السيادية والسلطة التنفيذية والقاعدة الدستورية عُلّقت مع مجلس النواب، “إلا إذا ألغى ما سنّه بخصوص المحكمة الدستورية التي تحتاج إلى نص دستوري لا تشريعي، مع الالتزام التام بنصوص الاتفاق السياسي الليبي“.

انسداد سياسي

تعليق التواصل بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، يدل على أن لكل منهما حسابات خاصة به وبمن يقف وراءه، بالنسبة لمجلس النواب، يوجد ارتباط وثيق بينه وبين كل من “الجيش الوطني” الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، داخليا، وبمحور الاعتدال العربي، خارجيا، وبالنسبة لمجلس الدولة، وبالنظر إلى هيمنة جماعة “الإخوان” عليه، يبدو مرتبطا بمحور التنظيم الدولي، وعلاقاته المتشعبة في المنطقة والعالم، بحسب مراقبين للوضع الليبي.

لهذا يمكن القول إن الخلاف الأساسي بين المجلسين، فيما يتعلق بكثير من الأمور، يخص بندا رئيسا، ألا وهو حق العسكريين “المقصود المشير خليفة حفتر” في الترشح لانتخابات الرئاسة أم لا، وعلى هذا تجري المفاوضات بين المجلسين، وفق تعبيره.

لقد وافق مجلس النواب لمجلس الدولة على وضع عراقيل أمام من هم تحت الملاحقة القضائية، لمنعهم من الترشح، بحسب حتيتة، حتى لو لم تكن قد صدرت بحقهم أحكام نهائية “المقصود بالطبع هو ترشح سيف الإسلام القذافي للرئاسة“.

لكن أطماع مجلس الدولة من خلفه “جماعة الإخوان“، تبدو أطماعا كبيرة، ولا يريد مجلس الدولة أن يكتفي بإبعاد سيف، بل يريد حاليا أن يبعد المشير حفتر أيضا، من أي انتخابات مقبلة. لهذا ما زالت المفاوضات بين المجلسين، على وضع قاعدة دستورية تفضي لانتخابات، مفاوضات تراوح مكانها.

“تاريخ ليبيا المميز”

لعقد من الزمن، فشلت كل المحاولات في إقامة حكومة شرعية لأنها تجاهلت “تاريخ ليبيا المميز“، وفقا لتحليل لصحيفة “وول ستريت جورنال“.

تأسست المملكة الليبية في عام 1951، وطيلة 18 عاما، كانت ليبيا ديمقراطية برلمانية متطورة، ولكن في عام 1969، تمت الإطاحة بالديمقراطية الوليدة في ليبيا، بعد انقلاب القذافي وإلغاء الملكية في البلاد، حسب “وول ستريت جورنال“.

بحسب “واشنطن بوست“، فقد دمرت الصراعات الداخلية والأزمات السياسية المتتالية، الدولة الغنية بالنفط، وتسببت في انقسام البلاد بين حكومتين، يدعم كلا منهما مليشيات مسلحة وحكومات أجنبية.

إذا فتشكيل الحكومة يحتاج بالدرجة الأولى إلى توافق الجهات الداخلية والمجالس المتصارعة على طريقة إدارة البلاد، لتبقى الدعوات الدولية مجرد محاولة لتحقيق الخطوات المذكورة التي من شأنها أن تمهّد لحل التعقيد السياسي والوصول إلى حكومة يتوافق عليها الجميع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.