على إثر تسارع الأحداث التي أبتدئها أنصار “التيار الصدري” منذ صباح أمس السبت، بتظاهرات حاشدة اقتحموا من خلالها مجلس النواب العراقي، وأعلنوا امن داخله اعتصاما مفتوح، أعلن رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، تعليق الجلسات حتى إشعار آخر، فيما أصدرت كتلة “امتداد” التي كانت قد انبثقت من ساحات الاحتجاج التي اجتاحت البلاد أواخر عام 2019، بيان طالبت فيه حل البرلمان. 

ودعا الحلبوسي القائد العام للقوات المسلحة في بيان، إلى اتخاذ التدابير اللازمة لحماية المؤسسات، وحماية المتظاهرين، كما طلب من المحتجين الحفاظ على سلميتهم وحفظ ممتلكات الدولة.

وناشد الحلبوسي جميع الكتل السياسية إلى عقد لقاء وطني عاجل، لإنجاز حوار وطني فاعل ومسؤول تكون مخرجاته من أجل الوطن.

وفي تطور آخر، قالت “امتداد” في بيان اطلع عليه موقع “الحل نت”، قالت: “لقد إستشعر الشعب ومنذ اليوم الأول في ثورة تشرين الخالدة إن كل مشاكل الحكم والفشل الذريع طيلة السنوات الماضية، قد تجذرت ونمت من خلال دستور لا يلبي طموحات الجماهير و نظام الحكم وتشكيلته التي بنيت على المحاصصة وتقاسم المغانم وعملت على تشتيت الشعب إلى مكونات وأعراق وغيبت المواطنة والعدالة الاجتماعية”.

وبناء على ذلك، تبنت الحركة قضية التعديلات الدستورية وسعت ولا تزال تسعى لتغيير شكل النظام إلى رئاسي أو شبه رئاسي، وإكمال دور المؤسسة التشريعية وحماية المؤسسات القضائية من التدخلات الحزبية والتقسيم الطائفي”، بحسب البيان.

كما بينت أنه “وما المشكلات المستعصية اليوم في عملية تشكيل الحكومة وتأخير مصالح الشعب، إلا دليلا واضحا على صدقية وأحقية متبنياتنا ونتاجا لفشل النظام وآليات تشكيل الحكومة، الذي يؤدي في كل مرة إلى حكومة فاشلة في كل المعايير”.

وتابعت الحركة: “وفي ظل هذا الشلل الحكومي، نؤكد على سعينا إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة وفق قانون انتخابي عادل تسبقها خطوات تشريعية عبر تعديل دستوري يطرح لاستفتاء شعبي وتشكيل محكمة اتحادية عليا مستقلة”.

وكان رئيس الجمهورية برهم صالح، قد علق في وقت سابق من مساء أمس السبت، على تظاهرات أنصار زعيم “التيار الصدري”، مقتدى الصدر، التي شهدت اقتحاما للمنطق الخضراء، داعيا إلى، عقد حوار يبحث في جذور الأزمة.

اقرأ/ي أيضا: العراق يغلي.. أنصار الصدر يقتحمون البرلمان والقوات الأمنية تستخدم قنابل الغاز

المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار

صالح قال في بيان، إن “الظرف الدقيق الذي يمر ببلدنا اليوم يستدعي من الجميع التزام التهدئة وتغليب لغة العقل والحوار وتقديم المصلحة الوطنية العليا فوق كل اعتبار، وحماية الوطن بسواعد كل أبنائه ليظل قويًا ومنيعًا وعصيًا لا تفرقهم خلافات داخلية”.

وأضاف أنه “لتدارك الأزمة الراهنة والحؤول دون أي تصعيد، نؤكد الحاجة المُلحّة لعقد حوار وطني صادق وحريص على مصلحة الوطن والمواطنين، هادف لضمان حماية أمن واستقرار البلد وطمأنة العراقيين، وترسيخ السلم الأهلي والاجتماعي وتحصين البلد أمام المتربصين لاستغلال الثغرات وإقحام العراقيين بصراعات جانبية”.

وأشار إلى أن “الحوار المطلوب بين الفرقاء السياسيين يجب أن يبحث في جذور الأزمة التي شهدتها البلاد في الفترة الماضية، وإيجاد الحلول المطلوبة لتجاوزها والوصول بالبلد إلى بر الأمان والاستقرار، فالأوضاع العامة في البلد ومطالب شعبنا الصابر تضعنا جميعًا على المحك، وتستدعي عملًا جادًا نحو تصحيح المسارات ورفع الحيف والظلم ومحاربة الفساد، وترسيخ الدولة المقتدرة الحامية والخادمة لكل العراقيين، ولا خيار أمامنا سوى تحقيق ذلك”.

وأشار إلى أن “العراق ينتظر منا الكثير، والعراقيون يستحقون الأفضل في العيش الكريم الحر ويتطلعون بنفاد صبر لتجاوز الإخفاقات، وضحى خيرة رجاله وشبابه من أجل رفعة الوطن وكرامة أبنائه”.

بدوره، دعا القائد العام للقوات المسلحة، رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، المتظاهرين في وقت سابق من مساء أمس السبت، إلى التزام السلمية وعدم التصعيد.

وقال في بيان صدر عن مكتبه، وتلقى “الحل نت”، نسخة منه، إن “الكاظمي، وجه القوات الأمنية بحماية المتظاهرين”، داعيا “المتظاهرين إلى التزام السلمية في حراكهم، وعدم التصعيد، والالتزام بتوجيهات القوات الأمنية التي هدفها حمايتهم، وحماية المؤسسات الرسمية”.

الكاظمي أكد أيضا، أن “استمرار التصعيد السياسي يزيد من التوتر في الشارع بما لا يخدم المصالح العامة”، مشددا على أن “القوات الأمنية يقع عليها واجب حماية المؤسسات الرسمية، فضلا عن ضرورة اتخاذ كل الإجراءات القانونية لحفظ النظام”.

اقرأ/ي أيضا: بعد اقتحام البرلمان.. أنصار الصدر يتوجهون لمجلس القضاء ويعلنون اعتصاما مفتوح

موافق القوى السياسية

من جانبه، أعلن رئيس تحالف “النصر” ورئس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، مساء السبت، استعداده لتبني مبادرة لحل الأزمة بين زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر و”الإطار التنسيقي”.

وقال العبادي في بيان له: “من منطلق المسؤولية الشرعية والوطنية، ندعو القادة إلى الحوار والاتفاق، على أن يكون العراق وأمنه ومصالح أبنائه هو الكلمة السواء التي يجب أن نتفانى في سبيلها، إنقاذًا من الفتن والمنزلقات”.

العبادي أضاف، “أملي من الإخوة والكتل جميعا، اعتماد لغة الحوار وتغليب المصلحة الوطنية على الخلافات كافة التي قد تعصف بأمن واستقرار البلاد، ومن هذا المنطلق نعلن استعدادنا لتقريب وجهات النظر بين الإخوة للخروج من عنق الأزمة، وإبعاد الوطن والمواطنين عن أي فتنة لا سمح الله”.

بالمقابل، دعا زعيم “تيار الحكمة” عمار الحكيم، مساء السبت، إلى حوار مباشر بين “التيار الصدري” و”الإطار التنسيقي”، وتغليب لغة العقل والحوار للوصول إلى الحلول المناسبة والناجعة ﻹنقاذ البلد.

وأيضا، دعا زعيم تحالف “الفتح” هادي العامري، مساء أمس السبت، إلى التهدئة بين “التيار الصدري” و”الإطار التنسيقي” وإطلاق حلول سلمية للتفاهم والتناول من أجل حل ما وصفها في بيانه “المعضلة السياسية”.

في حين كان “الإطار التنسيقي” قد دعا في وقت سابق من أمس السبت، أنصاره إلى تظاهرات مضادة لتظاهرات زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، وبهدف حماية شرعية الدولة ومؤسساتها، قبل أن يعود ليؤجلها في محاولة لمنح فرصة للحوار على حد تعبيره.

وحمل “الإطار” في بيانه، الجهات السياسية التي تقف خلف هذا التصعيد والتجاوز على الدولة ومؤسساتها كامل المسؤولية عما قد يتعرض له السلم الأهلي نتيجة هذه الأفعال المخالفة للقانون.

وأكد أن “الدولة وشرعيتها ومؤسساتها الدستورية والسلم الأهلي خط أحمر، وعلى جميع العراقيين الاستعداد للدفاع عنه بكل الصور السلمية الممكنة”.

من جهتها، أصدرت بعثة الأمم المتحدة في العراق، مساء أمس السبت، بيانا دعت فيه إلى التهدئة في العراق.

اقرأ/ي أيضا: العراق.. “الإطار” يدعو لتظاهرات مضادة و“يونامي” تحذر من التصعيد

موقف أممي

“يونامي” قالت في تغريدة تابعها “الحل نت”، إن “التصعيد المستمر مقلق للغاية”، مشيرة إلى أن “أصوات العقل والحكمة ضرورية لمنع المزيد من العنف”، مضيفة إنه “يتم تشجيع جميع الجهات الفاعلة على التهدئة من أجل مصلحة جميع العراقيين”.

وكان المتظاهرون الذين احتشدوا بدعوة من الصدر والتيار الصدري الذي يتزعمه أزالوا حواجز خرسانية ودخلوا المنطقة الخضراء -التي تضم مباني حكومية ومقار بعثات أجنبية- متجهين إلى البرلمان العراقي، حيث أعلنوا بدء اعتصام داخل البرلمان.

وأعلن أنصار التيار الصدري بدء اعتصام مفتوح داخل مبنى البرلمان، وذلك بعدما اقتحموه للمرة الثانية خلال 4 أيام.

كما أن ذلك يأتي في ظل رفض زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، لمحاولات غرمائه الشيعة في “الإطار” المضي في تشكيل حكومة جديدة، وهذا ما عبر عنه جمهور التيار في اقتحام المنطقة الخضراء معقل الحكومة العراقية، الأربعاء الماضي، ودخولهم مجلس النواب احتجاجا على إعلان “الإطار” ترشيح محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة.

رفض التيار الصدري، جاء في إطار الرد على إقصائهم من عملية تشكيل الحكومة، بعد فوزهم في أكبر عدد من مقاعد البرلمان العراقي بـ73 مقعدا، في الانتخابات المبكرة التي أجريت في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر 2021، وتشكيلهم أكبر تحالفا نيابيا بـ180 مقعدا، مع تحالف “السيادة”، والحزب “الديمقراطي الكردستاني”.

التحالف الثلاثي، الذي سمي بـ”إنقاذ وطن”، بقيادة الصدر، فشل في المضي بمشروع تشكيل حكومة “أغلبية وطنية”، لعدم تمكنهم من حشد العدد النيابي المطلوب دستوريا لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في ثلاث مرات، بسبب تشكيل تحالف “الإطار” لما سمي بـ”الثلث المعطل”.

والثلث المعطل، هو حشد 110 مقعدا نيابيا، من أصل 329، ما يمنع جمع الحضور القانوني 220 نائبا للمضي في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، الذي تكمن أهميته في تكليف مرشح الكتلة الأكبر في تشكيل الحكومة.

سبب ذلك كان لعدم توصل القوى السياسية لتفاهمات مشتركة، وبسبب تمسك “إنقاذ وطن” بمشروع “الأغلبية” الذي تستثني مشاركة بعض أطراف “الإطار”، وهذا ما لم يقتنع “الإطار” به الذي ظل يدعوا لحكومة “توافقية”، يشترك الجميع فيها.

استمر الصراع أكثر من 7 شهور على الانتخابات المبكرة، وبقي الانسداد السياسي حاضرا طول تلك المدة، وهذا ما أدى إلى تعقيد المشهد أكثر.

نتيجة ذلك، انسحب الصدر من العملية السياسية، ووجه أعضاء كتلته في تقديم استقالتهم من البرلمان العراقي في الثاني عشر من حزيران/يونيو الماضي، لينفرط تحالف “إنقاذ وطن”، وتستبشر بعدها قوى الإطار التي اعتقدت حينها إن انسحاب الصدر، سيسهل من عملية تشكيل الحكومة.

استمرار العقد السياسية

لكن الإطار ظل يراوح مكانه، حتى أن توصل إلى تفاهمات داخلية أفضت إلى ترشيح رئيس تيار “الفراتين”، وعضو مجلس النواب، محمد شياع السوداني، إلى رئاسة الحكومة يوم الاثنين الماضي.

وعلى الرغم من التوصل إلى مرشح لرئاسة الحكومة، إلا أن الصراع داخل البيت الكردي ما زال مستمرا حول منصب رئيس الجمهورية، الذي يشغلونه منذ العام 2005 ضمن عرف سياسي يمنحهم المنصب، مقابل رئاسة الحكومة للشيعة ورئاسة البرلمان للسنة.

الصراع داخل البيت الكردي، سببه تمسك “الديمقراطي”، أكبر كتلة كردية بـ 31 مقعدا، بأحقية المنصب، مقابل محاولات حزب “الاتحاد الوطني”، بـ 17 مقعدا الحفاظ على المنصب الذي يشغلونه منذ 3 ولايات رئاسية.

هيمنة “الاتحاد الوطني – اليكتي”، على رئاسة العراق طيلة تلك المدة، هو نتيجة اتفاق سياسي حصل ما بين زعيم “الديمقراطي – البارتي” مسعود بارزاني، وزعيم غريمه الراحل جلال الطالباني، يمنح رئاسة إقليم كردستان للبارتي، مقابل ذلك.

لكن هذه المرة، يسعى البارتي إلى فك مبدأ التوازن مع اليكتي، والعمل بموجب الأحقية الانتخابية، وهذا ما لم يقتنع به اليكتي، ليبقى التدافع حول المنصب منذ انتهاء الانتخابات.

لكن البارتي يراهن على اصطفافه مع الإطار، صاحب 83 مقعدا نيابيا، ودوره في ترجيح كفة الإطار على التيار الصدري في موضوع تشكيل “الثلث المعطل”، لإعادة سيناريو 2018.

يذكر أن سيناريو 2018، شهد أيضا صراع ما بين الحزبين الكرديين حول المنصب، استمر حتى لحظة الذهاب إلى قبة البرلمان دون الاتفاق على مرشح للمنصب، ليدخل الحزبين الجلسة بمرشحين، فاز على إثرها مرشح البارتي برهم صالح الرئيس الحالي للعراق.

اقرأ/ي أيضا: الصراع السياسي في العراق.. هل ينتهي باقتحام أنصار الصدر للبرلمان؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.