في ظل اقتحام أنصار “التيار الصدري”، لمبنى البرلمان العراقي منذ صباح اليوم السبت، وإعلان اعتصام مفتوح منه، بات السؤال الحاضر هو؛ هل سينتهي الصراع السياسي الذي استمر على مدار نحو 10 أشهر في البلاد، إلى حد ذلك.

اقتحام البرلمان جاء نتيجة لأشهر من الصراع ما بين الصدر، وتحالف “الإطار التنسيقي” الذي يضم قوى شيعية مقربة من إيران، وحزب “الاتحاد الوطني الكردستاني”، وتجمع “عزم” السني.

الصراع سببه، اعتراض “الإطار”، لمشروع زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر وحلفائه في التحالف الثلاثي “إنقاذ وطن”، الداعي لتشكيل حكومة “أغلبية وطنية”، من قبل “الإطار”، الذي بقي مصرا على مشروع حكومة “توافقية”.

وبغض النظر في الوقت الحالي عن الطرف المستفيد من ذلك، وفي صالح من سينتهي سباق تشكيل الحكومة، إلا أن السؤال الحاضر في الوقت الحالي بأنه؛ هل سينتهي الصراع بهذا التعطيل للبرلمان، أما أنه ليس إلا مقدمة إلى صراع أطول؟

وفي هذا الشأن، يقول المهتم في الشأن السياسي وسام النوري في حديث لموقع “الحل نت”، إن “الأمور تكاد تكون واضحة الدلالات في الاحتقان الداخلي بين الأسر الدينية وأحفادها، إضافة إلى ما بين أمراء الحرب، بالتالي أن الحديث عن انتهاء لهذا الصراع في الوقت الحالي قد يكون سابقا لآونه”.

اقرأ/ي أيضا: العراق يغلي.. أنصار الصدر يقتحمون البرلمان والقوات الأمنية تستخدم قنابل الغاز

تهديد يعرفه الجميع

كما يضيف أن “جميع الأطراف تعلم جيدا أن الصراع في حال توسعه، سيحرق الأخضر واليابس وبالتالي أن القادة السياسيين من المؤكد أنهم لا يريدون خسارة مصالحهم ومناصبهم، وقد يدفع ذلك بالصراع إلى أجل آخر، لكن لا ينهيه”.

النوري أوضح أن “التظاهرات الحالية لن تكون عابرة أبدا، ومن الطبيعي أن حراك بهذا الحجم الذي تمكن من اقتحام البرلمان مرتين خلال ثلاثة أيام، ستكون له مكاسب على الواقع، لكنه لن يضع حدا للصراع، بقدر ما سيؤهله إلى مرحلة أخرى”.

وتابع أن “الصراع سينتقل إلى مراحل متجددة، ويخرج من حالة الجمود التي أدت طيلة تلك المدة الماضية إلى تعطيل دستوري، ويذهب إلى مرحلة صراع جديد قد تكون على انتخابات مبكرة جديدة ربما سيمهد لها الصراع الحالي”.

النوري اختتم بأن “التيار الصدري من المستحيل أن يفرط بحقوقه، بالتالي أن استبشار قوى الإطار لاستقالة الكتلة الصدرية من البرلمان، لن يسمج التيار أن يمر مرور الكرام وهكذا بكل بساطة ينتهون مجردين من كل شيء، وهو السؤال المهم كيف اقتنعت قوى الإطار بموضوع المضي بتشكل حكومة من دون التيار؟”.

وكان أنصار الصدر قد اقتحموا صباح اليوم السبت، المنطقة الخضراء، معقل الحكومة المحصنة أمنيا، إضافة إلى مبنى البرلمان، وذلك بعد اقتحامه في خطوة مماثلة الأربعاء الماضي.

اقرأ/ي أيضا: بعد اقتحام البرلمان.. أنصار الصدر يتوجهون لمجلس القضاء ويعلنون اعتصاما مفتوح

اقتحام واستخدام للقنابل الغاز

أنصار الزعيم الشيعي الصدر، وبحسب مراسل موقع “الحل نت”، في بغداد، كانوا قد احتشدوا منذ مساء أمس الجمعة، في ساحة التحرير وسط العاصمة العراقية بغداد، لينطلقوا صباح اليوم في تظاهرات حاشدة صوب المنطقة الخضراء، عبر جسري الجمهورية والسنك المؤديان إليها، احتجاجا على جلسة محتملة للبرلمان.

وتمكن المحتجون منذ ساعات الصباح الأولى من تجاوز الحواجز الأمنية، التي كانت قد اقتطعت بها القوات الأمنية الجسور الحيوية بين جانبي العاصمة، الكرخ والرصافة، والمؤدية لمعقل الحكومة وتجمع البعثات الدبلوماسية، ليتمكنوا من عبور الكتل الخرسانية التي أقيمت على ثلاث مراحل مرددين عبارات منددة بالفساد، ومعبرة عن رفضهم لمرشح “الإطار”، محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة.

بعد ذلك، وصل المحتجون من أنصار الصدر إلى مداخل المنطقة الخضراء، لتصطدم محاولاتهم باقتحام المنطقة بالقوات الأمنية التي حاولت منعهم من الدخول باستخدام القنابل المسيلة للدموع والصوتية، ما تسبب بوقع عشرات الإصابات، بينها أكثر من 6 إصابات خطرة.

كما نقل مراسل “الحل” عن شهود عيان، استخدام الرصاص الحي من قبل عناصر مجهولة الهوية ترتدي زيا أسودا، كانت تعتلي البنايات على مدخل المنطقة.

وتسببت الصدامات بوقع 125 إصابة، بحسب بيان رسمي لوزارة الصحة العراقية، تلقاه موقع “الحل نت”، أشار إلى استنفار كافة المؤسسات والملاكات الصحية، لإسعاف وعلاج الجرحى وتقديم كافة الإجراءات الصحية اللازمة.

فيما بعد، تمكن المحتجون من دخول المنطقة الخضراء والتوجه نحو مجلس النواب واقتحامه، احتجاجا على جلسة محتملة للبرلمان لانتخاب رئيسا جديدا للبلاد.

موقف الحكومة

وفي سياق ذلك، دعا القائد العام للقوات المسلحة، رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، المتظاهرين إلى التزام السلمية وعدم التصعيد.

وقال في بيان صدر عن مكتبه، تلقى “الحل نت”، نسخة منه، إن الكاظمي، وجه “القوات الأمنية بحماية المتظاهرين، داعيا “المتظاهرين إلى التزام السلمية في حراكهم، وعدم التصعيد، والالتزام بتوجيهات القوات الأمنية التي هدفها حمايتهم، وحماية المؤسسات الرسمية”.

الكاظمي أكد أيضا، أن “استمرار التصعيد السياسي يزيد من التوتر في الشارع بما لا يخدم المصالح العامة”، مشددا على أن “القوات الأمنية يقع عليها واجب حماية المؤسسات الرسمية، فضلا عن ضرورة اتخاذ كل الإجراءات القانونية لحفظ النظام”.

من جهته، حمّل المقرب من الصدر، صالح محمد العراقي، والمعروف بـ “وزير الصدر”، الكتل السياسية مسؤولية أي اعتداء على المتظاهرين.

وقال وزير الصدر، في تدوينة تبعها “الحل نت”، إنه “نحمّل الكتل السياسية أي اعتداء على المتظاهرين السلميين، فالقوات الأمنية مع الإصلاح والإصلاح معها”، مردفا: “سرقتم أموال العراق فكفاكم تعدي على الدماء الطاهرة”.

من جانبه، علق المسؤول العام لـ”سرايا السلام” الميليشيا التابعة لزعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، على الأحداث التي رافقت تظاهرات أنصار الصدر في المنطقة الخضراء.

وقال تحسين الحميداوي، في تدوينة تابعها “الحل نت”، إن “الجماهير أقوى من الطغاة مهما تفرعنوا”، مضيفا “دماء الشعب طاهرة وعزة”، مختتما تدوينته بوسم: “#كفاكم_سفكا_للدماء”.

اقرأ/ي أيضا: العراق.. “الإطار” يدعو لتظاهرات مضادة و“يونامي” تحذر من التصعيد

سبب احتجاج أنصار الصدر

يأتي ذلك في ظل رفض زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، لمحاولات غرمائه الشيعة في “الإطار” المضي في تشكيل حكومة جديدة، وهذا ما عبر عنه جمهور التيار في اقتحام المنطقة الخضراء معقل الحكومة العراقية، الأربعاء الماضي، ودخولهم مجلس النواب احتجاجا على إعلان “الإطار” ترشيح محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة، فضلا عن تلميح الصدر لموجة تظاهرات جديدة في قادم الأيام.

رفض التيار الصدري، جاء في إطار الرد على إقصائهم من عملية تشكيل الحكومة، بعد فوزهم في أكبر عدد من مقاعد البرلمان العراقي بـ73 مقعدا، في الانتخابات المبكرة التي أجريت في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر 2021، وتشكيلهم أكبر تحالفا نيابيا بـ180 مقعدا، مع تحالف “السيادة”، والحزب “الديمقراطي الكردستاني”.

التحالف الثلاثي، الذي سمي بـ”إنقاذ وطن”، بقيادة الصدر، فشل في المضي بمشروع تشكيل حكومة “أغلبية وطنية”، لعدم تمكنهم من حشد العدد النيابي المطلوب دستوريا لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في ثلاث مرات، بسبب تشكيل تحالف “الإطار” لما سمي بـ”الثلث المعطل”.

والثلث المعطل، هو حشد 110 مقعدا نيابيا، من أصل 329، ما يمنع جمع الحضور القانوني 220 نائبا للمضي في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، الذي تكمن أهميته في تكليف مرشح الكتلة الأكبر في تشكيل الحكومة.

سبب ذلك كان لعدم توصل القوى السياسية لتفاهمات مشتركة، وبسبب تمسك “إنقاذ وطن” بمشروع “الأغلبية” الذي تستثني مشاركة بعض أطراف “الإطار”، وهذا ما لم يقتنع “الإطار” به الذي ظل يدعوا لحكومة “توافقية”، يشترك الجميع فيها.

استمر الصراع أكثر من 7 شهور على الانتخابات المبكرة، وبقي الانسداد السياسي حاضرا طول تلك المدة، وهذا ما أدى إلى تعقيد المشهد أكثر.

نتيجة ذلك، انسحب الصدر من العملية السياسية، ووجه أعضاء كتلته في تقديم استقالتهم من البرلمان العراقي في الثاني عشر من حزيران/يونيو الماضي، لينفرط تحالف “إنقاذ وطن”، وتستبشر بعدها قوى الإطار التي اعتقدت حينها إن انسحاب الصدر، سيسهل من عملية تشكيل الحكومة.

اقرأ/ي أيضا: بسبب الصراعات.. البرلمان العراقي يلغي جلسته ليوم غد

استمرار العقد السياسية

لكن الإطار ظل يراوح مكانه، حتى أن توصل إلى تفاهمات داخلية أفضت إلى ترشيح رئيس تيار “الفراتين”، وعضو مجلس النواب، محمد شياع السوداني، إلى رئاسة الحكومة يوم الاثنين الماضي.

وعلى الرغم من التوصل إلى مرشح لرئاسة الحكومة، إلا أن الصراع داخل البيت الكردي ما زال مستمرا حول منصب رئيس الجمهورية، الذي يشغلونه منذ العام 2005 ضمن عرف سياسي يمنحهم المنصب، مقابل رئاسة الحكومة للشيعة ورئاسة البرلمان للسنة.

الصراع داخل البيت الكردي، سببه تمسك “الديمقراطي”، أكبر كتلة كردية بـ 31 مقعدا، بأحقية المنصب، مقابل محاولات حزب “الاتحاد الوطني”، بـ 17 مقعدا الحفاظ على المنصب الذي يشغلونه منذ 3 ولايات رئاسية.

هيمنة “الاتحاد الوطني – اليكتي”، على رئاسة العراق طيلة تلك المدة، هو نتيجة اتفاق سياسي حصل ما بين زعيم “الديمقراطي – البارتي” مسعود بارزاني، وزعيم غريمه الراحل جلال الطالباني، يمنح رئاسة إقليم كردستان للبارتي، مقابل ذلك.

لكن هذه المرة، يسعى البارتي إلى فك مبدأ التوازن مع اليكتي، والعمل بموجب الأحقية الانتخابية، وهذا ما لم يقتنع به اليكتي، ليبقى التدافع حول المنصب منذ انتهاء الانتخابات.

لكن البارتي يراهن على اصطفافه مع الإطار، صاحب 83 مقعدا نيابيا، ودوره في ترجيح كفة الإطار على التيار الصدري في موضوع تشكيل “الثلث المعطل”، لإعادة سيناريو 2018.

يذكر أن سيناريو 2018، شهد أيضا صراع ما بين الحزبين الكرديين حول المنصب، استمر حتى لحظة الذهاب إلى قبة البرلمان دون الاتفاق على مرشح للمنصب، ليدخل الحزبين الجلسة بمرشحين، فاز على إثرها مرشح البارتي برهم صالح الرئيس الحالي للعراق.

اقرأ/ي أيضا: العراق.. أنصار الصدر يقتحمون المنطقة الخضراء والبرلمان

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.