“والله زمن والخضراء صارت للكل”! هكذا يردد الكثير من العراقيين، بضض النظر عن أن اقتحامها كان من قبل فئة معينة، إلا أن ذلك لم يمنع من تحولها إلى متنزه للعراقيين على اختلاف أطيافهم وطبقاتهم.

تقرير لصحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، سلّط الضوء على ما وصفه تحول المنطقة الخضراء، إلى مدينة مفتوحة أمام العراقيين، في ظل الاعتصام المفتوح، الذي أطلقه أنصار “التيار الصدري” بداخلها.

تعرف الخضراء بحصانتها المشددة واقتصار دخولها على المسؤولين، ويحجب من رؤيتها عامة الشعب، في وقت تضم مقار الحكومة العراقية ومؤسسات ووزارات متعددة، إضافة إلى البرلمان والبعثات الدبلوماسية الدولية.

20 عاما من العزلة

التقرير يقول، إن المنطقة الخضراء الرئاسية شديدة التحصين، تحولت بين ليلة وضحاها من منطقة يقتصر دخولها على أصحاب الشأن من أعضاء الحكومة والبرلمان وبقية الدوائر والوزارات والموظفين العاملين فيها، إلى ما يشبه المنتجع الترفيهي، الذي ترتاده أعداد كبيرة من البغداديين وغيرهم.

وفق تقرير الصحيفة السعودية، فإن دخول الخضراء لم يقتصر على أنصار مقتدى الصدر فقط،بل شمل أولئك الناقمون على السلطة من مختلف الفئات، ناهيك عن بعض الفضوليين الراغبين بالتعرف على طبيعة الحياة والأماكن التي يرتادها ويعيش فيها النواب وبقية الشخصيات الحكومية.
 
“معظم البغداديين وغيرهم ظلوا لنحو 20 عاما في عزلة تامة عن هذه الأماكن، بعد أن أحيطت بأسوار وخطوط حماية شديدة، منعا لعمليات الاستهداف التي قد تطالها، ومع ذلك، ظهر جليا أن تلك الاحترازات ذهبت، السبت الماضي، بعد أن قام الصدريون باقتحام المنطقة الخضراء ودخول البرلمان والتمركز فيه”.

ذلك الاقتحام قدم فرصة لا تعوض للراغبين في النزهة والاطلاع على عوالم المنطقة الرئاسية الخضراء “الغامضة والسحرية” بالنسبة لهم، على حد ما ورد في تقرير “الشرق الأوسط”.

كانت حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، قررت عام 2018 افتتاح شوارع المنطقة الخضراء جزئيا أمام المواطنين العاديين، ثم تراجعت بعد ذلك وأغلقتها مرة أخرى خلال مرحلة “انتفاضة تشرين” التي انطلقت في تشرين الأول/ أكتوبة 2019.

حسب ضابط في وزارة الداخلية العراقية، يعمل في المنطقة الخضراء، فإن دخولها يقتصر على حملة “الكارتات الأربعة” أو بطاقات الدخول التي تحمل الألوان “الأسود، الأحمر، الأصفر، والأخضر”، والألوان توزع تبعا لأهمية الشخصية التي تروم الدخول.

آلية كارتات المنطقة الخضراء

الضابط يقول، إن “اللون الأسود مخصص لأصحاب الدرجات والمناصب العليا من نواب ووزراء ومسؤولين، فيما يخصص اللون الأخضر للضباط الذين يحملون رتبه عميد فما فوق ومن هم بدرجتهم من الموظفين، ويخصص الكارت باللون الأحمر للضباط برتبة عقيد فما دون، ويخصص اللون الأصفر للضباط برتبة رائد فما دون”.

ويضيف الضابط، أن منح اللون الأسود من صلاحيات رئاسة الحكومة، ويمكن أن يمنح لبعض الأشخاص والضيوف من غير العاملين في المنطقة الخضراء، لكنهم يترددون عليها لأغراض سياسية أو تجارية أو صحفية أو أولئك المرتبطين بمصالح معينة مع بعض الكتل والشخصيات السياسية وغير ذلك.
 
لكن البطاقات الملونة الأربعة، فقدت اليوم أهميتها ووظيفتها، وبإمكان المارين والذاهبين إلى الخضراء مشاهدة عشرات الآلاف من المواطنين الآتين من مختلف أحياء العاصمة ومن المحافظات البعيدة، يتوزعون على مساحة انتماء اجتماعية واسعة، ومن مختلف الانتماءات الدينية والعرقية فقراء، معدمون، موظفون، أثرياء وأصحاب مهن وربات البيوت، بحسب التقرير.

كان جمهور “التيار الصدري”، اقتحم المنطقة الخضراء، السبت الماضي، وأقام اعتصاما مفتوحا من داخل وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار”، مقتدى الصدر وقتئذ.

الصدر وصف الاقتحام الأول للمنطقة الخضراء، الأربعاء الماضي، بأنه “جرّة إذن” للسياسيين الفاسدين ومنهم قوى “الإطار التنسيقي” الموالي لإيران، قبل أن يحشد أنصاره لاقتحام الخضراء مجددا، السبت المنصرم، وهو ما حدث فعلا.

تظاهرات أنصار الصدر، تأتي بعد إعلان “الإطار التنسيقي” ترشيح السياسي محمد شياع السوداني، المقرب من زعيم “ائتلاف دولة القانون” نوري المالكي، لمنصب رئاسة الحكومة العراقية المقبلة.

لا للمحاصصة

اعتراض الصدر ليس على شخص السوداني، إنما على نهج المنظومة السياسية بأكملها؛ لأنها تريد الاستمرار بطريقة حكومات المحاصصة الطائفية وتقاسم مغانم السلطة بين الأحزاب، واستشراء الفساد السياسي بشكل لا يطاق.

ويمر العراق في انسداد سياسي عقيم منذ إجراء الانتخابات المبكرة الأخيرة في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، بعد فوز “التيار الصدري” وخسارة القوى السياسية الموالية لإيران، قبل أن تتحالف كلها معا بتحالف سمي “الإطار التنسيقي” لمواجهة الصدر.

وسعى الصدر عبر تحاللف مع الكرد والسنة إلى تشكيل حكومة أغلبية يقصي منها “الإطار”، لكنه لم يستطع الوصول للأغلبية المطلقة التي اشترطتها “المحكمة الاتحادية العليا” لتشكيل حكومته التي يبتغيها.

الأغلبية المطلقة، تعني ثلثي أعضاء البرلمان العراقي، وهم 220 نائبا من مجموع 329 نائبا، وفي حال امتناع 110 نواب، وهم ثلث أعضاء البرلمان عن دخول جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الممهدة لتشكيل الحكومة، فسيفعّل الثلث المعطل الذي يمنع تشكيل أي حكومة.

وصل تحالف الصدر إلى 180 نائبا، ولم يتمكن من بلوغ أغلبية الثلثين، ولم يقبل “الإطار” بالتنازل له لتشكيل حكومة أغلبية؛ لأنه أصر على حكومة توافقية يشترك فيها الجميع، ما اضطر الصدر للانسحاب من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو المنصرم.

بعد انسحاب كتلة الصدر من البرلمان، أمسى زعيم “الكتلة الصدرية” يراقب المشهد السياسي من الحنّانة، وحينما وجد أن “الإطار” الذي أضحت زمام تشكيل الحكومة بيده، يريد الاستمرار بنهج المحاصصة، دفع بأنصاره للتظاهر والاعتصام في المنطقة الخضراء، رفضا لنهج العملية السياسية الحالية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.