حبّة حبّة. هكذا تسير الأمور في العراق نحو ما لا يرغب به أي أحد، وهي الحرب الأهلية الشيعية بين “التيار” و”الإطار”، غير أن حكمة العقلاء تبقى الركيزة التي تمنع قرع طبول الحرب، فهل الحرب قادمة أم الحكمة لها القول؟

واقعيا، لا ينوي زعيم “الكتلة الصدرية” مقتدى الصدر، الدخول بحرب أهلية شيعية، لكن خصمه “الإطار” قد يخوضها للحفاظ على مصالحه إن شعر بأنه سيفقدها، أما الصدر فيبدو أنه يسعى للتحكم بالقرار العراقي بعباءة الإصلاح.

منذ السبت المنصرم، يخشى الشارع العراقي إضافة لمراقبين كثر من احتمالية انزلاق الأمور لمرحلة المواجهة المسلّحة المباشرة بين “التيار الصدري” و”الإطار التنسيقي” الموالي لإيران، وبالتالي إعلان الحرب الأهلية الشيعية رسميا.

ما زاد من الخشية تلك، تغريدة الصدر، أمس الأحد، التي وصفت بـ “البيان رقم 1″، والتي طالب بها “أبناء الشعب العراقي” للتظاهر مع إخوتهم الصدريين؛ لأنها الفرصة الذهبية والأخيرة لتغيير النظام والدستور والانتخابات، بحسب تعبيره.

المرجعية باللحظة المفصلية

الرد الإطاري جاء بلهجة توحي باستعداده لخوض معركة مسلّحة طاحنة؛ كي لا يخسر مكتسباته في العملية السياسية المحاصصاتية الحالية، بقوله إنه لن يسمح لكتلة واحدة أن تتحكم بمصير دولة بأكملها، ولن يسمح لأحد بالانقلاب على النظام.

مع التخوف والقلق من قادم الأيام، يستمر أنصار الصدر باعتصامهم المفتوح داخل المنطقة الخضراء، مقر الحكومة ومؤسسات الدولة العراقية والبرلمان والبعثات الدبلوماسية الدولية، فكيف سيكون المشهد؟ وما هي نهايته؟

تستبعد الباحثة السياسية هيام علي، حدوث الحرب الأهلية الشيعية في العراق، لسبب مهم بحسبها، هو أن المجتمع الشيعي يوجد فيه جهات تحقق التوازن في داخله بين جميع الأطراف، وأهمها مرجعية النجف التي يقودها آية الله علي السيستاني.

علي تردف لـ “الحل نت”، أن المرجعية الدينية عندما تشعر بقرب تأزم الوضع وانزلاقه لمرحلة الاقتتال الشيعي-الشيعي، فإنها ستتدخل في اللحظة المفصلية، لمنع وقوع الحرب الأهلية.

الكثير يعوّل على مرجعية النجف، خصوصا وأنها تدخلت في المواقف المصيرية للبلاد، أهمها عام 2005، عندما دفعت الشارع للتصويت على الدستور العراقي الدائم لعام 2005، والبدء بعقد سياسي جديد يخلف مرحلة نظام صدام حسين البائد بعد سقوطه في ربيع 2003.

الموقف الأقوى والأكثر رسوخا، هو فتوى السيستاني صيف عام 2014، لمقاتلة “داعش” وطرده من البلاد بعد سيطرته على الموصل وثلث مساحة العراق، فتطوع أبناء الوسط والجنوب العراقي لهزبمة التنظيم المتطرف، وتحرير المدن من قبضته.

“وساطات العقلاء”

نقطة أخرى تعرج عليها هيام علي، تمنع وقوع الحرب الأهلية الشيعية، هي أن كل الأطراف السياسية ليس من مصلحتها وقوع تلك الحرب؛ لأنها ستخسر مكتسباتها، وكل الأطراف تبحث عن ضماناتها التي لا ترغب بفقدها.

نهاية المشهد بتمديد مدة حكومة الكاظمي لتنظيم انتخابات جديدة أو صيغة قانونية تعيد الصدر للبرلمان

هيام علي

ليست القوى الشيعية وحدها من ستتضرر من تلك الحرب إن حدثت بل القوى الكردية والسنية أيضا، ولذلك فإن العقلاء الشيعة والكرد والسنة سيدخلون كوساطات بين “التيار” و”الإطار” لمنع أي احتمالية للاقتتال الشيعي-الشيعي، على حد تعبير هيام علي.

طالما أن قرع طبول الحرب الأهلية الشيعية مستبعد، يأتي التساؤل الآخر والأهم، هو كيف ستكون نهاية المشهد الحالي؟ أي كيف سينتهي اعتصام أنصار الصدر وما الذي سيجعل الزعيم الشيعي الأول على صعيد السياسة أن يسحب أنصاره من الخضراء والبرلمان؟

عدة سيناريوهات قد تنهي المشهد الحالي بحسب الباحثة السياسية العراقية، هيام علي، منها استجابة الصدر لنداء الجلوس على طاولة حوار تجمع كل الأطراف السياسية والخروج بصيغة حل تنهي المشهد الراهن، عبر الاتفاق على بقاء حكومة مصطفى الكاظمي لمدة أطول وتنظيمها لانتخابات مبكرة جديدة.

منذ أن تحرك أنصار الصدر واقتحموا المنطقة الخضراء والبرلمان العراقي، السبت المنصرم، وجّه القيادي في “الإطار” وزعيم “تحالف الفتح” هادي العامري، دعوتين لزعيم “التيار الصدري”، يطلب منه الجلوس على طاولة حوار “وطنية” تؤدي لإنهاء الأزمة السياسية المستعصية.

من السيناريوهات الأخرى التي قد تنهي المشهد الحاصل، وفق هيام علي، هو اتفاق القوى السياسية على صيغة قانونية تعيد “الكتلة الصدرية” إلى البرلمان وتمنحه فرصة تحقيق مشروعه المتمثل بحكومة الأغلبية.

تدخل إقليمي ودولي

السيناريو الأخير، هو تدخل القوى الإقليمية والدولية لجمع الفرقاء السياسيين، وفتح مناقشات مستفيضة بينهم، لحين الوصول إلى ما يرضي كل الأطراف، وبالتالي انتهاء أزمة الانسداد السياسي الجاثمة على قلب العملية السياسية، تقول هيام علي مختتمة.

ويمر العراق في انسداد سياسي عقيم منذ إجراء الانتخابات المبكرة الأخيرة في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، بعد فوز “التيار الصدري” فيها وخسارة القوى السياسية الموالية لإيران، قبل أن تتحالف كلها معا بتحالف سمي “الإطار التنسيقي” لمواجهة الصدر.

وسعى الصدر عبر تحاللف مع الكرد والسنة إلى تشكيل حكومة أغلبية يقصي منها “الإطار”، لكنه لم يستطع الوصول للأغلبية المطلقة التي اشترطتها “المحكمة الاتحادية العليا” لتشكيل حكومته التي يبتغيها.

الأغلبية المطلقة، تعني ثلثي أعضاء البرلمان العراقي، وهم 220 نائبا من مجموع 329 نائبا، وفي حال امتناع 110 نواب، وهم ثلث أعضاء البرلمان عن دخول جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الممهدة لتشكيل الحكومة، فسيفعّل الثلث المعطل الذي يمنع تشكيل أي حكومة.

وصل تحالف الصدر إلى 180 نائبا، ولم يتمكن من بلوغ أغلبية الثلثين، ولم يقبل “الإطار” بالتنازل له لتشكيل حكومة أغلبية؛ لأنه أصر على حكومة توافقية يشترك فيها الجميع، ما اضطر الصدر للانسحاب من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو المنصرم.

بعد انسحاب “الكتلة الصدرية” من البرلمان، أمسى الصدر يراقب المشهد السياسي من الحنّانة، وحينما وجد أن “الإطار” الذي أضحت زمام تشكيل الحكومة بيده، يريد الاستمرار بنهج المحاصصة وترشيحه لشياع السوداني لتشكيل حكومة جديدة، دفع بأنصاره للتظاهر والاعتصام في المنطقة الخضراء، رفضا لنهج العملية السياسية الحالية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.