تراجع سعر اليورو إلى ما دون دولار واحد، للمرة الأولى منذ 20 عاما، في خطوة يراها مراقبون ستؤثر على المدخرين وستزيد من حدة أزمة تكلفة المعيشة في أوروبا.


ويرى محللون وخبراء اقتصاديون أن لانخفاض سعر اليورو أمام الدولار العديد من التأثيرات، ففي الوقت الذي يمثل عاملا إيجابيا لمصدري منطقة اليورو ا\ذين قد يشهدون زيادة في الطلب على سلعهم الأرخص نسبيا، إلا أنه يجعل الواردات أكثر تكلفة، مما يزيد من مخاوف التضخم وزيادة أسعار السلع والمنتجات.


يعاني اليورو من عدة أزمات في مقدمتها الغزو الروسية لأوكرانيا، ما ساهم في ارتفاع أسعار النفط والغاز والأغذية، بالإضافة إلى تأخر “البنك المركزي” في رفع أسعار الفائدة رغم معدلات التضخم الأعلى منذ نحو 40 عاما.

جاء على رأس من حذروا من انخفاض سعر اليورو أمام الدولار، عضو مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي، فرانسوا فيليروي دي غالو، الذي قال إن البنك سيرصد بعناية التطورات في سعر الصرف الفعلي، كمحرك مهم للتضخم المستورد.

وشدد على أن “انخفاض سعر اليورو بشكله الراهن سيتعارض مع هدفنا المتمثل في استقرار الأسعار”.

قدرت ورقة نشرها البنك المركزي الأوروبي عام 2020، أن انخفاض قيمة اليورو بنسبة 1 بالمئة مقابل سلة العملات يمكن أن يضيف ما يصل إلى 0.11 نقطة مئوية للتضخم في غضون عام، و0.25 نقطة مئوية على مدى ثلاث سنوات.


وسيلة للتحفيز؟

على مدار سنوات مضت، كان صانعو السياسة الأوروبية يرحبون بضعف العملة كوسيلة لتحفيز النمو الاقتصادي، لأنه يجعل صادرات الكتلة أكثر قدرة على المنافسة. لكن الآن، مع ارتفاع التضخم في منطقة اليورو إلى أعلى مستوياته منذ بدء مثل هذه الأرقام القياسية، فإن ضعف العملة لم يعد مرغوبا فيه لأنه يعزز ارتفاع الأسعار بجعل الواردات أكثر تكلفة.


الباحث في السياسات المالية والنقدية، سامح البنداري، يعتبر خلال حديثه لـ”الحل نت” بأن ارتفاع قيمة الدولار الأميركي أمام اليورو؛ جاء مدفوعا بارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة بشكل كبير، بعد أن ظلت خلال “جائحة كورونا” قريبة من الصفر.

وأضاف مشيرا إلى أن اقتراب اليورو من التكافؤ مع الدولار للمرة الأولى منذ عام 2002، جاء بعد أن كانت العملة الأوروبية في حالة انخفاض لأشهر، ولكنها هوت  إلى مستوى منخفض جديد مع تصاعد المخاوف بقطع إمدادات الغاز الروسي عن أوروبا هذا الشتاء.

تتلقى العملة الأوروبية ضغوطا بسبب مخاوف من حدوث ركود اقتصادي في منطقة اليورو، وسط أزمة الطاقة المستمرة، والتوقعات برفع سعر الفائدة من قبل البنك المركزي الأوروبي.

إن منطقة اليورو تعاني انكماشا اقتصاديا جراء مواجهتها التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لـ”كورونا”، لكن السبب المباشر قد يتمثل في غزو روسيا لأوكرانيا.

أسباب أخرى؟

كذلك فإن من الأسباب المباشرة أيضا أزمة الطاقة وكذلك أسعار الغاز والنفط التي قفزت لمستويات قياسية، إضافة إلى تحول العديد من رؤوس الأموال إلى أميركا التي تضمن لعملائها فوائد أكبر.

فضلا عن أن هناك تخوفا من رفع آني لرفع أسعار الفائدة، وذلك لأن اقتصادات الدول الأوروبية غير متجانسة، مما قد يخدم مصلحة الدول الأقل تقدما ولكنه لن يفيد الاقتصادات القوية. فالرفع قد يكون ضئيلا حتى لا يؤثر على مستوى التضخم في الدول الأوروبية.

 
البنداري توقع أن يستمر المستثمرون في الهروب إلى بر الأمان نحو قائمة الأصول المقومة بالدولار، وبالتالي استمرار قوة الدولار الأميركي، كما أن انخفاض قيمة اليورو مقابل الدولار “سيعطل السياحة الأوروبية بشكل واضح، وخاصة في الولايات المتحدة.

وبما أن السياح يحتاجون إلى المزيد من اليورو لتسديد نفس المبلغ بالدولار، سترتفع فاتورة إقامتهم في الولايات المتحدة وكذلك في البلدان التي ربطت عملتها بالدولار.


إن اليورو يهبط باستمرار منذ بداية السنة، وقد كان ذلك بعلم من البنك المركزي الأوروبي ولكنه لم يغير شيئا رغم دعوة الخبراء لرفع الفائدة لكبح جماح التضخم ورفع قيمة اليورو، ولكنه رفض القيام بذلك ولم يغير قيمتها منذ 11 سنة.

وعليه فإن انخفاض قيمة اليورو سيرفع قيمة الواردات من أميركا، كما أن فاتورة الطاقة من الغاز والنفط سترتفع إلى 224 مليار دولار خلال سنة. لذا فإنه يجب على البنك المركزي أن يكون جريئا وأن يتدخل بطريقة قوية يرفع من خلالها أسعار الفائدة لتحقيق أهدافه الاقتصادية.

حسابات الربح والخسارة

التكاليف سترتفع على نحو حاد بالنسبة إلى الشركات التي تعتمد على المواد الخام والطاقة، والتي تصدّر القليل، مثل الحرفيين.

الرابح الأكبر من انخفاض اليورو هو الصناعة التحويلية، التي تصدّر منتوجاتها إلى الخارج، وخصوصا صناعة الطائرات والسيارات والسلع الفاخرة والكيميائية.

قد لا يكون ضعف سعر اليورو ليس ناتجا بالدرجة الأولى عن ضعف منطقة اليورو أو الحرب، وإنما عن قوة الدولار وتزايد الطلب عليه في الأسواق العالمية، وهذا ما يدفعه لهذا الصعود الكبير.

إن أغلب أسعار الطاقة في السوق العالمية مسعّرة بالدولار، وبالتالي فإن ارتفاع أسعار الطاقة يؤدي آليا إلى زيادة الطلب على الدولار، ونتيجة إلى كل ذلك أصبح الدولار ملاذا آمنا في السوق وزاد الطلب عليه.يذكر أن قيمة اليورو سجلت تراجعا تاريخيا لتبلغ دولارا واحدا، في مستوى هو الأول من نوعه منذ طُرحت العملة الموحدة للتداول قبل 20 عاما، وذلك في ظل مخاطر على الاقتصاد الأوروبي ناجمة عن قطع إمدادات الغاز الروسي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.