لعل مقتل زعيم تنظيم “القاعدة” الإرهابي، أيمن الظواهري، يُشكّل ضربة قوية تلقاها التنظيم عقب تصفية عدد كبير من قياداته على مستوى ولايته، وفروعه في كل من سوريا والعراق واليمن وأفغانستان، أو في الداخل الأفريقي، خلال الفترة الماضية.

أفول واندثار التنظيم؟

الإعلان الأميركي، الذي جاء في ساعة متأخرة من مساء يوم أمس الإثنين، على لسان الرئيس الأميركي جو بايدن، يدفع للقول بأن حالة التشتت والتراجع التي عانى منها التنظيم خلال السنوات الماضية ستنتقل إلى طور آخر يتمثل بالأفول والاندثار.

فقدَ تنظيم “القاعدة” الإرهابي على مدار الأعوام الماضية، عددا كبيرا من قياداته المؤثرة، التي تركت فراغا واسعا في إشكالية الهيمنة والسيطرة على أفراد وعناصر الكيانات الفرعية الموالية للمرجعية الإرهابية، لا سيما بعد مقتل مؤسسه أسامة بن لادن، أواخر عام 2011 على يد قوات أميركية، فضلا عن أزمة تجفيف منابع الاستقطاب، وفشل القيادات في ضم عناصر جديدة تتم صبغتها بالرؤية الفقهية والفكرية للتنظيم، الذي تربع على قمة الكيانات الإرهابية منذ ثمانينات وتسعينات القرن الماضي.

كان التنظيم يواجه أزمة في الجبهة الواسعة من الأعداء الذين جمعهم طوال مسيرته، فالتنظيم يواجه خصما وغريما من حلفائه السابقين، وهو تنظيم “داعش” الإرهابي، الذي ينافسه على قيادة الحركة الجهادية المعولمة، فضلا عن قائمة طويلة من الدول التي تعادى التنظيم بعد أن تقاربت معه، سابقا، بصورة لحظية لخدمة مصالحها، بحسب ما قال أيمن الظواهري.

الخسائر البشرية للتنظيم “القاعدي“، جعلته يفشل في تنفيذ تراتبية تنظيمية للحفاظ على البناء الهيكلي، وضعها مجلس شورى التنظيم في الفترة ما بين عامي 2013 و2014، في حال مقتل أو وفاة الظواهري، يتم من خلالها اختيار القيادات المحركة للتنظيم من بعده، تفاديا للصدامات والانشقاقات التي ربما تعصف بمصير الكيان المسلح وتعجل بنهايته، بحسب ما أفادت به تقارير متخصصة بالشؤون الجهادية.

قد يهمك: مقترح أميركي يمنع إيران من امتلاك سلاح نووي

وفقا لما أفادته به تقارير، اعتمادا على وثائق مسرّبة من داخل تنظيم “القاعدة“، فقد كان في مقدم القيادات التي ستخلف الظواهري بعد مقتله، هوعبدالله محمد رجب عبدالرحمن، المكنى بـ“أبو الخير المصري“، والذي تم استهدافه في شباط/فبراير 2017 بغارة أميركية في سوريا، ويليه عبد الله أحمد عبد الله، الشهير بـ“أبو محمد المصري“، نائب الظواهري، الذي تم استهدافه برفقة ابنته مريم زوجة حمزة بن لادن، داخل إيران، في تشرين الأول/أكتوبر 2020. لتنحصر الترجيحات بعد ذلك بـ“سيف العدل“، المسؤول العسكري للتنظيم، الذي ما زال على قيد الحياة حتى هذه اللحظة، والمرجح وجوده في المنطقة الواقعة بين الحدود الأفغانية والإيرانية، فضلا عن تأكيد بعض التقارير الاستخباراتية تنقّله في العمق الأفريقي، لترتيب المشهد “القاعدي” نظرا لعلاقته المتشعبة بعدد من القبائل الصومالية. وجاء في التراتبية التنظيمية، ناصر الوحيشي أو “أبو بصير“، الذي تم استهدافه في غارة لطائرة من دون طيار، في حضرموت شرق اليمن، في 12 حزيران/يونيو 2015.

ووفقا لإحصائيات مجلس العلاقات الخارجية الأميركية، انتشرت فروع “القاعدة” في العديد من بقع الجغرافيا السياسية، في مقدمها، فرع “القاعدة في بلاد المغرب العربي“، الذي تأسس عام 2006 عندما انضمت “الجماعة السلفية للدعوة والقتال” الجزائرية إلى تنظيم “القاعدة“، قبل انتقالها إلى الساحل وغرب أفريقيا، بعد حملة أمنية شنتها القوات الجزائرية. يليها فرع “القاعدة في شبه جزيرة العرب“، وتأسس عام 2009 باندماج فرعين إقليميين في اليمن والسعودية، وكذلك “القاعدة في شبه القارة الهندية“، وتأسس في أيلول/سبتمبر 2014، ويعمل في أفغانستان وباكستان والهند وميانمار (بورما) وبنغلادش، فضلا عن جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين“، التي تشكلت في آذار/مارس 2017 باندماج عدد من الجماعات المسلحة في مالي وغرب أفريقيا.

الباحث في الحركات الإسلامية والإرهاب، أحمد سلطان، يرى أن قتل زعيم تنظيم “القاعدة” أيمن الظواهري، يمثل ضربة معنوية للتنظيم، حيث سيؤثر مقتله على معنويات عناصر “القاعدة” وقياداتها الفرعية، فضلا عن فقدان التنظيم لجزء من زخمه.

ويقول سلطان، في حديث خاص مع “الحل نت” إن: “القاعدة تنظيم مأزوم، يعاني من موت سريري منذ فترة طويلة، وهو غير قادر على شن هجمات خارج المناطق التي ينشط فيها، ببساطة لديه مشكلات كبيرة، وليس مقتل الظاهري إلا إحدى هذه المشكلات“.

وبشأن مستقبل التنظيم بعد مقتل زعيمه، يعتقد سلطان أن “القاعدة” في اتجاه متراجع حول العالم، ويضيف: “هناك تحولات عديدة، القاعدة في اتجاهه للتحول إلى نمط إطار تنسيقي لا أكثر، ليكون مجرد واجهة، تجمع التنظيمات الجهادية المرتبطة بالتنظيم، وكل منها يتحرك وفق أولوياته الذاتية“.

ويختتم سلطان، حديثه بالقول: “أظن أن التنظيم سيستمر على الأداء بنفس الوضع الحالي، سيحاول ترميم قدراته، وسيحاول استقطاب مقاتلين جدد، ليعود إلى صدارة الحركة الجهادية العالمية، لكن لا أظن أنه سينجح في المدى المنظور، أظن أن القاعدة لديه مشكلات كبيرة. الظروف الآن مختلفة عن الوقت التي نشأ فيه التنظيم“.

مسيرة استهداف التنظيمات الإرهابي

منذ عام 2011، لعبت الولايات الأميركية دورا محوريا في استهدف زعماء وقادة أكبر التنظيمات الإرهابية من أفغانستان شرقا حتى سوريا، حيث ساهمت هذه الضربات في “قطع رؤوس” التنظيمات التي ساهمت في قتل وتشريد الكثير من الناس لتنفيذ أيديولوجيتها.

عملية قتل الظواهري التي استغرق إعدادها سنوات، نفذت بغارة أميركية بطائرة بدون طيار، صباح الأحد، في العاصمة الأفغانية كابول، وهو أول هجوم أميركي في أفغانستان منذ مغادرة القوات الأميركية قبل عام، وتمثل انتصارا بارزا لإدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، التي تعهدت بالقضاء على رأس التهديدات الإرهابية داخل أفغانستان.

في 25 تموز/يوليو الفائت، دعا بايدن أعضاء مجلس الوزراء والمستشارين إلى جلسة إحاطة أخيرة بشأن تقييم المعلومات الاستخباراتية حول الظواهري، وفي نهاية الاجتماع، تمت الموافقة على ضربة بطائرة بدون طيار، ويعني التفويض أن الحكومة الأميركية يمكنها تنفيذ الضربة بمجرد أن تتاح الفرصة.

وقالت الإدارة الأميركية، إنه بعد الضربة، شوهدت زوجة الظواهري وابنته وأحفاده وهم يفرون من المنزل. لقد كان اغتيال زعيم تنظيم “القاعدة“، نهاية لواحدة من أطول عمليات المطاردة التي قامت بها وكالة المخابرات الأميركية المركزية منذ 2011.

الجدير ذكره، بأن الإدارة الأميركية بدأت بالتخطيط لضرب الظواهري، في نيسان/أبريل الفائت، بعد أن أشارت المخابرات إلى أنه انتقل إلى منزل بالحي الدبلوماسي بمدينة كابل مع زوجته وابنته وأحفاده، وتمت العملية بإطلاق صاروخين على مخبأ الظواهري بينما كان يقف في الخارج على الشرفة.

أيمن الظواهري، هو طبيب مصري انضم إلى خليته الجهادية الأولى في سن المراهقة، أسس حركة “الجهاد الإسلامي” المصرية عام 1979. اشتهرت الجماعة باغتيال الرئيس المصري أنور السادات عام 1981. في أواخر الثمانينيات، انتقل إلى أفغانستان لعلاج جرحى حركة “طالبان“، ثم التقى أسامة بن لادن وأسسا تنظيم “القاعدة“.

حصد رؤوس “داعش” في سوريا

منذ تشكل “التحالف الدولي للقضاء على تنظيم داعش” عام 2014، قضت الولايات المتحدة على 3 من زعماء التنظيم الإرهابي، والذي أثار الرعب والخوف خلال إعلانه ما يسمى “الخلافة” في العراق وسوريا.

ضربات القوات الأميركية، أسفرت عن قتل أبو بكر البغدادي أواخر 2019، ثم قتل خليفته أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، المعروف أيضا باسم الحاج عبد الله قرداش، حيث فجر الأخير سترة ناسفة قتلته وزوجته وأطفاله، خلال تنفيذ قوات العمليات الخاصة الأميركية غارة جوية في مكان وجوده.

وآخر عمليات القوات الأميركية كانت في منتصف تموز/يوليو الفائت، حيث تم استهداف زعيم تنظيم “داعش” في سوريا، ماهر العقال، الذي تولى قيادة التنظيم بعد مقتل القرشي، في منطقة جنديرس التابعة لعفرين في شمال غرب سوريا.

اقرأ أيضا: نزاع محتمل بين الصين وإسرائيل في سوريا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.