خلال الآونة الأخيرة زادت الصين من حدة تهديداتها لتايوان، في مسعى واضح لرغبة الصين بتحريك عمل عدائي لغزو الجزيرة التي تطمع بكين في السيطرة عليها.

التهديدات اتسعت وارتفع مستواها بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، يوم أمس الثلاثاء، وهو ما يؤجج توتر العلاقات بين واشنطن وبكين، حيث تدعم الولايات المتحدة رغبة التايوانيين بالحكم الذاتي لبلادهم بعيدا عن سيطرة الصين التي تدعي بتبعية جزيرة تايوان إليها.

عادت الصين منذ سنوات للحديث عن ضرورة ضم تايوان إليها ضمن ادعاءاتها لحماية أمنها القومي وصيانة وحدتها، وهو الأمر الذي تكرر أكثر من مرة في مناسبات عديدة على لسان قادتها ومسؤوليها، وقد تستغل بكين زيارة بيلوسي يوم أمس لتأجيج التوتر في تلك المنطقة بغية شن غزو عسكري شبيه بالذي قامت به روسيا ضد أوكرانيا في شباط/فبراير الماضي، وهو الأمر الذي إذا ما حصل سيعزل الصين عن المجتمع الدولي، ويرهق اقتصادها بفعل العقوبات الغربية المحتملة التي ستلاحق الصين إذا ما شنت غزوها العسكري الذي تطمح إليه منذ فترة.

الحالة الأوكرانية ليست كالتايوانية؟

الصين حذرت للولايات المتحدة الأميركية من زيارة بيلوسي لتايوان، معتبرة أن تلك الزيارة تصرفا استفزازيا من قبل الولايات المتحدة و”خطاً أحمر” من شأنه تقويض العلاقات بين البلدين؛ إذ صرح تشانج جون المندوب الصيني لدى الأمم المتحدة، الإثنين، أن زيارة بيلوسي لتايوان ستؤدي إلى تقويض العلاقات الأميركية الصينية.

وأضاف أنه “على واشنطن أن تتفهم العواقب الخطيرة لهذه الخطوة الاستفزازية” مؤكدا أن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين، وأن قضية وحدة الأراضي الصينية تعد خطا أحمر لن تسمح بكين لأحد بتجاوزه”.

لكن وكالة “رويترز” نقلت عن مسؤول أميركي أن الولايات المتحدة لن تخيفها “قعقعة السيوف” الصينية بشأن الزيارة.

لم تكتف الصين بالتحذير اللفظي؛ إذ حلقت عدة طائرات حربية صينية أجرت تحركات تكتيكية بالقرب من الخط الفاصل عند مضيق تايوان، منذ الإثنين، وذلك حسبما أفادت به وكالة “رويترز” نقلا عن مصدر أمني أميركي، حيث أضاف المصدر أن السفن الحربية الطائرات الصينية تجاوزت خط الوسط شديد الحساسية صباح الثلاثاء، في خطوة غير اعتيادية.

في غضون ذلك، دوت صافرات الإنذار في تايوان الجزيرة، الاثنين وتحدثت السلطات عن “التأهب لحالة حرب” ما أثار المخاوف حول تكرار السيناريو الأوكراني الروسي في ظل تصاعد التوتر بين الجانبين.

وأخلت السلطات في تايوان الطرق وأصدرت أوامرها ببقاء السكان في منازلهم، بالتزامن مع فتح الملاجئ وإجراء تدريبات جوية مكثفة في العاصمة تايبيه، تحسبا للتعرض لهجوم صيني محتمل، حسبما أفادت به وكالة “رويترز”.

لن تشن الصين هجوما على تايوان لمجرد أن الصين لا تستطيع مواجهة الولايات المتحدة، لأنها ستواجه أيضا عقوبات أميركية وغربية مثلما فُرضت على روسيا أثناء غزوها لأوكرانيا، حسبما أوضح الكاتب والمحلل السياسي ميّار شحادة، خلال حديثه لـ”الحل نت”.

وبحسب تقدير شحادة، فإن الصين ستواجه مصيرا كارثيا في حال غزت تايوان، لا سيما أن الصين لديها استثمارات بقيمة تريليونات الدولارات في أميركا، وبالتالي إذا عوقبت الصين، مثلما عوقبت روسيا، فإنه من الممكن إعادة الصين إلى فترة ما قبل السبعينيات، لذا تدرس الصين التاريخ جيدا، خاصة فترة الاتحاد السوفيتي الذي كان يهدد سابقا بنقل الصواريخ إلى كوبا قبالة الساحل الأميركي، وتحديدا فلوريدا، ومن ثم هددت بنقل الأسلحة النووية إلى بحر الصين الجنوبي، حيث كان هناك العديد من الإشكاليات حينذاك، ولكن في النهاية انهار الاتحاد السوفيتي وانتصرت الولايات المتحدة، الآن الصين تقرأ كل هذا، ووفق اعتقاد شحادة، أنه لن يكون للصين رد فعل غوغائي أو عسكري، فهي الآن بحسب تقديره تدرس خطواتها بعناية، وتعلم أن أدواتها ليست قوية أو قادرة على مواجهة الولايات المتحدة.

وعليه، فإن هناك شرطا لاحتمالية أن تغزو الصين تايوان، والذي يتمثل بسحب التمويل والاستثمارات الصينية في أميركا، وقد لا يحدث هذا في الفترة المتوقعة لأنها تقدر بالتريليونات، فضلا عن وجود تداخلات استثمارية بين الصين وأوروبا، وبالتالي فإن الصين تعلم جيدا أنه إذا ما سحبت استثماراتها، فسوف يسحب الغرب استثماراته تبعا، ومن هنا يمكن القول إن الصين ستكون منهكة اقتصاديا إذا ما غزت تايوان، وبالتالي لا يمكن للصين أن تتحدى الولايات المتحدة، وفق تعبير شحادة.

وبما أن الحالة الأوكرانية مختلفة عن الحالة التايوانية، في حين أن روسيا ليس لديها استثمارات كبيرة في الغرب واقتصادها ليس بقوة الصين، لذلك لن تخاطر الصين بكل مصالحها، خاصة وأن أزمة “كورونا” أدى إلى تباطؤ اقتصادها بشكل كبير.

مطلع العام الجاري أكد الرئيس جو بايدن، التزام واشنطن تجاه تايوان، وفي أيار/مايو الماضي اعتبر الرئيس الأميركي أن الصين “تلعب بالنار” في مسألة تايوان، وتعهد بالتدخل عسكريا لحماية الجزيرة إذا تعرضت لهجوم.

جاء ذلك خلال كلمة ألقاها أثناء زيارته لليابان، بدا بايدن على خلاف مع سياسة الولايات المتحدة المتبعة على مدى عقود في هذا الشأن، على الرغم من إصرار البيت الأبيض على عدم وجود أي تغيير؛ إذ شبّه الرئيس الأميركي أي غزو صيني لتايوان بغزو روسيا لأوكرانيا، الأمر الذي أثار انتقادات غاضبة من بكين.

قد يهمك: تهديدات نووية عالمية بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا

زيادة التصعيدات

خلال زيارتها القصيرة لتايوان، أكدت رئيسة مجلس النواب الأميركي تضامن بلادها مع تايوان، مشيرة إلى أنه “مهم الآن أكثر من أي وقت مضى”، كما عبرت عن شعورها بالفخر لوجودها في تايبيه (العاصمة).

وأبلغت بيلوسي رئيسة تايوان بأن واشنطن تعهدت قبل 43 عاما بالوقوف إلى جانب تايبيه وأن زيارتها تؤكد على ذلك.

وقالت رئيسة مجلس النواب الأميركي إن وفدها جاء إلى تايوان ليوضح بما لا يدع مجالا للشك أن الولايات المتحدة لن تتخلى عنها.

كما أعلنت، خلال اجتماع مع تساي تشي-تشانغ نائب رئيس البرلمان التايواني، أن وفدها جاء إلى تايوان بدافع “السلام للمنطقة”، بعد أن أطلقت زيارتها العنان لغضب بكين وأثارت عاصفة دبلوماسية. وقالت بيلوسي “نأتي بدافع الصداقة إلى تايوان، والسلام للمنطقة”.

وزارة الدفاع الصينية، قالت مساء الثلاثاء، إنها ستبدأ “سلسلة عمليات عسكرية محددة” ردا على زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي لتايوان. وهي الزيارة الأولى من نوعها منذ 25 عاما، رغم تحذيرات بكين المتكررة من “تداعيات خطيرة” للزيارة.

وأضافت وزارة الدفاع الصينية بأن جيش التحرير الشعبي، سيطلق سلسلة عمليات عسكرية محددة لمواجهة زيارة بيلوسي إلى جزيرة تايوان، وللدفاع بحزم عن السيادة الوطنية ووحدة الأراضي، وفق ادعاء الوزارة.

وجاء الإعلان بعد هبوط طائرة بيلوسي في تايوان، بمطار “سونغشان” في العاصمة تايبيه، حيث كان في استقبالها وزير الخارجية التايواني جوزيف وو. ما دفع الخارجية الصينية إلى إصدار بيان إدانة واحتجاج على الزيارة.

وترى الحكومة الصينية تايوان مقاطعة منشقة سيعاد ضمها إلى البر الرئيسي في نهاية المطاف، فيما تصر تايبيه (عاصمة تايوان) على استقلالها منذ عام 1949.

كذلك أعلنت قيادة المسرح الشرقي التابع لجيش التحرير الشعبي الصيني، أنه سيجري اعتبارا من ليلة الثلاثاء، عمليات عسكرية مشتركة حول تايوان، تشمل تدريبات برية وبحرية مشتركة في الشمال والجنوب الغربي والجنوب الشرقي من الجزيرة.

وتشمل العمليات أيضا إطلاق نيران مدفعية بعيدة المدى في مضيق تايوان، وإطلاق تجارب صاروخية تقليدية في المناطق البحرية شرق الجزيرة، وفق ما أفادت صحيفة “غلوبال تايمز” الصينية.

كما أعلن الجيش الصيني أنه سيجري مناورات عسكرية وأنشطة تدريبية تشمل تدريبات على الذخيرة الحية لمدة 4 أيام في 6 مناطق محيطة بتايوان بدءا من الخميس، بحسب الصحيفة نفسها.

بكين أعلنت أيضا، اليوم الأربعاء، فرض عقوبات اقتصادية على تايوان، ردا على زيارة بيلوسي. كما علقت إدارة الجمارك الصينية، اليوم الأربعاء، استيراد بعض أنواع الفاكهة والأسماك من تايوان وتصدير الرمال الطبيعية إلى الجزيرة، وأكدت أنها رصدت “مرارا” نوعا من الطفيليات الضارة على ثمار الحمضيات وسجلت مستويات مفرطة من مبيدات الحشرات.

كما أعلنت وزارة التجارة من جانبها، “تعليق تصدير الرمال الطبيعية إلى تايوان” اعتبارا من الأربعاء، دون إبداء أي تفسير، وفقا لوكالة “فرانس برس”.

الجدير بالذكر أن الرمل الطبيعي عادة ما يستخدم في صناعة البيتون والأسفلت، وتعتمد تايوان بشكل كبير على الصين في توريدها. وقالت المحللة المتخصصة في مجال الزراعة لدى شركة “تريفيوم تشاينا” للاستشارات، إيفين باي، إنه “نمط كلاسيكي لبكين”.

وأضافت “عندما تكون التوترات الدبلوماسية والتجارية مرتفعة، تتبنى الهيئات الناظمة الصينية عموما موقفا صارما للغاية فيما يتعلق بالامتثال للقواعد.. بحثا عن أي سبب يبرر الحظر التجاري”، بحسب وكالة “فرانس برس”.

تاريخ أزمة الصين وتايوان

قصة الصراع القائم بين الصين وجزيرة تايوان بدأت في عام 1895، حين انتصرت اليابان في الحرب الصينية- اليابانية الأولى، واضطرت بكين في عهد حكومة تشينغ إلى التنازل عن جزيرة تايوان لليابان.

وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، استسلمت اليابان وتخلت عن سيطرتها على الأراضي التي استحوذت عليها من الصين، وبدأت جمهورية الصين، باعتبارها أحد المنتصرين في الحرب، في حكم تايوان.

ولم تأتي الرياح بما تشتهيه سفن بكين فبعد بضع سنوات من الانتصار اندلعت حرب أهلية في الصين، وهزمت قوات ماو تسي تونغ الشيوعية قوات الزعيم آنذاك تشيانغ كاي شيك ليهرب تشيانغ وبقايا حكومته إلى تايوان في عام 1949 ويجعلونها مقرا لحكومتهم بينما بدأ الشيوعيون المنتصرون حكم البر الرئيسي باسم جمهورية الصين الشعبية، وقد اعتبر كلا الجانبين، آنذاك، إنهما يمثلان الصين كلها.

بدأت العلاقات بين الصين وتايوان تتحسن في الثمانينيات وقد طرحت الصين صيغة تعرف باسم “دولة واحدة ونظامان” تمنح بموجبها تايوان استقلالية كبيرة إذا قبلت إعادة توحيد الصين، وبالفعل تم إنشاء هذا النظام في هونغ كونغ لاستخدامه كعرض لإغراء التايوانيين بالعودة إلى البر الرئيسي. ورغم أن تايوان رفضت العرض، إلا أنها خففت من القواعد الخاصة بالزيارات والاستثمار في الصين.

وفي عام 1991، أعلنت تايوان انتهاء الحرب مع جمهورية الصين الشعبية في البر الرئيسي وأجريت محادثات محدودة بين الممثلين غير الرسميين للجانبين، لكن بكين ظلت مصرة على أن حكومة جمهورية الصين التايوانية غير شرعية، ما تسبب في تعثر إمكانية عقد الاجتماعات بين الحكومات.

وفي عام 2000 عندما انتخبت تايوان تشين شوي رئيسا، شعرت بكين بالقلق؛ إذ أيد الانفصال التام والاستقلال، وعقب إعادة انتخاب تشين في عام 2004، أصدرت الصين “قانون مناهضة الانفصال”، والذي نص على حق الصين في استخدام “الوسائل غير السلمية” ضد تايوان حال حاولت “الانفصال” عن الصين.

وخلف تشين شوي في الرئاسة ما يينج جيو، الذي سعى بعد توليه منصبه في عام 2008، إلى تحسين العلاقات مع الصين من خلال الاتفاقيات الاقتصادية، وبعد ثماني سنوات وفي عام 2016، انتخبت الرئيسة الحالية لتايوان تساي إنج ون التي تقود حزب “الديمقراطي التقدمي”، وهو حزب يميل نحو الاستقلال الرسمي النهائي عن الصين. ساءت العلاقات مجددا بين الصين وتايوان بعد تولي تساي إنغ ون سدة الرئاسة في تايوان.

بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية لعام 2016 تعهدت الولايات المتحدة بتزويد تايوان بأسلحة دفاعية مشددة على أن أي هجوم من جانب الصين من شأنه أن يثير قلقا كبيرا.

طوال عام 2018، صعّدت الصين من ضغوطها على الشركات الدولية، وأجبرتها على إدراج تايوان كجزء من الصين على مواقعها على الإنترنت، وهددت هذه الشركات بمنعها من ممارسة الأعمال التجارية في الصين إذا لم تمتثل لذلك.

يذكر أن تايوان البالغ عدد سكانها حوالي 23 مليون نسمة، يديرها منذ 75 عاما نظام لجأ إلى الجزيرة بعد سيطرة الشيوعيين على الحكم في الصين القارية بعد الحرب الأهلية الصينية.

وتعتبر واشنطن أقوى حليف لتايوان ومزودها الأول بالأسلحة، لا بل إن الإدارة الأميركية ملزمة من قبل “الكونغرس” ببيع الجزيرة أسلحة لتمكينها من الدفاع عن نفسها.

قد يهمك: مناورات عسكرية للصين قرب تايوان.. مقدمة لعمل عسكري؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة