في شهر أيار/مايو الماضي، أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن بناء 13 بلدة في شمال سوريا و250 ألف منزل للاجئين السوريين في تركيا. ويمكن لهذه العملية ذات الخطوط العريضة القانونية الغامضة أن تخدم قبل كل شيء طموحات أردوغان الانتخابية والجيوسياسية.

وبالقرب من مدينة الباب السورية، يبدو أن المباني الصغيرة ذات النوافذ الجانبية قد ارتفعت للتو من الأرض. وهناك، تصل قوافل من اللاجئين السوريين من تركيا تفرغ السكان الجدد في هذا المجمع السكني الذي تم تشييده من العدم بفضل الأموال التركية. وهذا جزء من 250 ألف منزل تريد أنقرة تشييدها في مناطق جديدة من الشمال السوري لتنظيم العودة “الطوعية والمشرفة”، على حد تعبير الرئاسة التركية، للاجئين السوريين.

فمن اعزاز إلى جرابلس وصولا إلى تل أبيض ورأس العين، تأثرت إجمالا 13 منطقة في شمال سوريا، خارجة عن سيطرة حكومة دمشق، بمشروع بناء بلدات دائمة، يفترض أن تكون مجهزة بـ “مساكن ومدارس ومستشفيات”، الذي أعلنه رجب طيب أردوغان في أيار/مايو. ويبدو أن أهدافه تتزامن مع أهداف التوغل العسكري في مناطق جديدة من الشمال السوري (بشكل رئيسي منطقتي منبج وتل رفعت) التي نوقشت مع الرئيسين الروسي والإيراني خلال قمة طهران الثلاثية في 19 تموز/يوليو المنصرم، بحسب ما أفاد به تقرير لصحيفة “لاكروا” الفرنسية، وترجمه موقع “الحل نت”.

أطر قانونية لابد من ابتكارها؟

من الصعب، في الوقت الحالي، فهم آليات تمويل وإدارة هذا المشروع الكبير. فبالنسبة للمجمع القريب من مدينة الباب، تقدر منظمة الإغاثة الإنسانية التركية تكلفة بناء كل وحدة من الوحدات الخرسانية البالغ عددها 300 وحدة بنحو 2500 يورو.

ولكن بصرف النظر عن تصريحات السلطات التركية، لا توجد وثائق رسمية يمكن الوصول إليها توضح نماذج التمويل أو الاتفاقات مع الجهات الفاعلة الدولية المعنية. وبينما تلقت تركيا 6 مليارات يورو من بروكسل لاستقبال اللاجئين في إطار اتفاقية الهجرة المبرمة في عام 2016، لا يبدو أن هذا الفراغ القانوني الواضح يمثل مشكلة بالنسبة لأنقرة! “تركيا لديها خبرة طويلة في البناء خارج أراضيها. وإذا لم يكن هذا المشروع مجرد خدعة في ضوء الانتخابات، فسيبتكر النظام الأطر القانونية والتقنية لذلك”، يؤكد عالم السياسة المتخصص في تركيا صميم أكغونول.

لأنه إذا كانت الذريعة الرسمية لهذه المشاريع العقارية الكبيرة هي مساعدة السوريين الراغبين في العودة إلى ديارهم، فإن أردوغان سيسعى قبل كل شيء لخدمة أجندته الانتخابية، يوضح أكغونول، حيث يقول: “الرأي العام في تركيا تتخطاه موجة من الخطابات العنصرية المناهضة لوجهة نظر أردوغان. وقبل انتخابات عام 2023، يريد الرأي العام أن يقدم له تعهدات لكراهية الأجانب من اليسار واليمين”. واستطلاعات الرأي تؤكد هذا التحليل. فبالفعل في عام 2021، كشف “ميتروبول”، وهو معهد استطلاعي تركي شهير، أن 82 بالمئة من السكان الأتراك يريدون عودة هؤلاء اللاجئين إلى ديارهم. وترتفع النسبة إلى 85 بالمئة بين ناخبي حزب العدالة والتنمية الرئاسي.

عودة قسرية

أول المعنيين بهذا المشروع، السوريون الموجودون في تركيا، ينظرون إلى المشروع بعين الريبة. ويوضح أحد أعضاء جمعية التضامن مع اللاجئين السوريين في ازمير، الذي يرغب في عدم الكشف عن هويته، أن السوريين المعنيين بالعودة “ليسوا بالضرورة من المناطق التي يستهدفها أردوغان، وهم يخشون نقص فرص العمل والأمن وسبل العيش هناك”.

ففي الواقع، وعلى الرغم من بناء آلاف الوحدات السكنية، فإن “هذه المناطق ليست جاهزة حقا لاستقبال العائلات السورية التي تعيش وتعمل في تركيا. فظروف السكن هناك محفوفة بالمخاطر وغير مناسبة للظروف المناخية القاسية والباردة في الشتاء. كما أن هناك القليل جدا من الخدمات العامة المقدمة”، يضيف ميدي بقلق.

وربما شدد أردوغان على أنه سيتم إعادة السوريين “الراغبين في ذلك” فقط إلى شمال سوريا، لكن الكثيرين بدأوا يشعرون بالقلق من أن هذا الخطاب سيكون بمثابة واجهة لمضاعفة عمليات الإعادة القسرية. “السوريون هنا إما تحت “الحماية المؤقتة” أو باتوا مواطنين أتراك. وفي كلتا الحالتين، لا شيء يمكن أن يجبرهم على مغادرة الأراضي التركية للعودة إلى سوريا”، يؤكد أكغونول.

ومع ذلك، ووفقا لـ”منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” غير الحكومية، فإن السلطات التركية تقوم بعمليات إعادة قسرية تحت غطاء “العودة الطوعية”. وبحسب المعلومات المستقاة من الإحصاءات الرسمية من الإدارات المسؤولة عن المعابر الحدودية التي استشهدت بها المنظمة غير الحكومية، فقد تم بالفعل إعادة 11 ألف لاجئ سوري قسرا إلى سوريا منذ كانون الثاني/يناير الماضي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.